المحتوى الرئيسى

مؤشرات في البعد الثقافي لزيارة السيسي إلى اليابان

02/27 13:06

تشكل الزيارة الوشيكة التي سيقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي لليابان فرصة للتأكيد على حضور وأهمية البعد الثقافي في التعاون المصري الياباني في مختلف المجالات بقدر ما يشكل هذا البعد حافزا لمزيد من التعاون، والتواصل بين الشعبين المصري والياباني.

وكان الرئيس قد وصل في ساعة مبكرة من صباح أمس الجمعة إلى أستانا عاصمة كازاخستان في بداية جولة آسيوية تشمل: اليابان وكوريا الجنوبية، فيما تستعد العاصمة اليابانية طوكيو لاستقباله غدا الأحد.

ومع اتجاه مصر الواضح للتواصل مع مشروعات النهضة الآسيوية، لعل من المناسب نقل رؤى ثقافية آسيوية لمصر والمصريين، وفيما يشكل التحديث هما مصريا فإن التجربة اليابانية الرائدة في هذا المضمار تتمتع بجاذبية واضحة لدى العديد من المثقفين المصريين.

وتزداد هذه الجاذبية على وجه الخصوص لدى هؤلاء المثقفين المصريين الذين يتطلعون لتحديث بلادهم دون انفصال أوانفصام عن الموروث الثقافي، والحضاري، وهو نموذج نجحت اليابان في أن تكون المثال المضيء له بعد أن تمكنت من صياغة معادلة ثقافية تجمع ما بين المعاصرة والأصالة.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد نوه مؤخرا بأن هدف زيارته لليابان هو الاستعانة بخبرتها في تطوير العملية التعليمية بمصر، فيما يتفق الخبراء المعنيون على أن مناهج التعليم في اليابان من أكثر المناهج التعليمية حداثة وتطورا على مستوى العالم.

وإذ تتوالى التقارير حول الزيارة المرتقبة للرئيس عبد الفتاح السيسي لليابان مشيرة إلى أن البعد الاقتصادي في التعاون المشترك سيحظى بأهمية كبيرة في تلك الزيارة، فإن البعد الثقافي حاضر أيضا في ظل سعي الجانبين لإنشاء (المتحف المصري الكبير)، فضلا عن رغبة مصر في الاستفادة من التجربة اليابانية في التعليم وتمكين الشباب والمرأة.

وفي مداخلة هاتفية عبر الشاشة الصغيرة لفضائية العاصمة كان السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قد أكد أن ملف التعليم سيكون على رأس اهتمامات الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لليابان، خاصة وأن الدولة تعمل على رفع مستوى التعليم، كما أن الشعب الياباني نموذج في الانضباط والدقة والتي تم اكتسابها من خلال التعليم.

وكان الرئيس قد أكد من قبل أن الشعب المصري يعتز بالعلاقات التاريخية مع الشعب الياباني التي بدأت العام 1862 بوصول أول بعثة للساموراي إلى مصر وينظر بالإعجاب والتقدير إلى التجربة اليابانية لاسيما فيما يتعلق بالعمل الجماعي والإتقان.

وتجلى البعد الثقافي للتعاون في منظور رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي عندما طالب بضرورة توسيع نطاق علاقات بلاده مع دول منطقة الشرق الأوسط التي كانت تعطي أولوية للموارد الطبيعية والطاقة لتكون العلاقات شاملة ومتعددة الطبقات، بحيث تتضمن التعاون الاقتصادي والسياسة والأمن والتبادل الثقافي.

وإذ تعلم السفير الياباني الحالي لدى مصر تاكيهيرو كاجاوا اللغة العربية في القاهرة منذ أكثر من ثلاثة عقود عندما كان في مستهل حياته الدبلوماسية فإنه قد استعاد في مقابلة صحفية هاتيك الأيام بقوله "إن اكثر ما أحببته في المصريين ومازلت هو كرمهم وحسن ضيافتهم".

ويرى كاجاوا أن الفهم المتبادل لثقافة كل من الجانبين الياباني والمصري "عنصر مهم للغاية"، ومن ثم فهو يجتهد لتوفير المعلومات الكافية عن الثقافة اليابانية للمصريين، فيما كان قد أعرب عن اعتقاده بأن "وحدة الشعب المصري والتفافه حول هدف العمل من أجل غد أفضل هو مفتاح التقدم الاقتصادي والصناعي لمصر".

وكانت زيارة زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي للقاهرة في مطلع العام الماضي قد دشنت لمرحلة جديدة في العلاقات المصرية اليابانية، فيما نوه الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتزاز المصريين بعلاقاتهم الطيبة مع اليابانيين ونظرتهم بإعجاب للتجربة اليابانية الناجحة والمتميزة بالإتقان والابتكار، مؤكدا أهمية التعامل مع قضايا مثل الإرهاب بكافة أبعادها التنموية والثقافية ونشر ثقافة التعايش وقبول الآخر.

ولئن حظت اليابان بمكانة مرموقة في أذهان وقلوب الشعب المصري الذي يرى فيها تجربة تنموية فريدة ممثلة في كفاح وعمل مضن للشعب الياباني الذي أصر على التغلب على الصعاب والنهوض بأمته ودولته إلى مصاف الدول الأكثر تقدما في العالم، فإن السفير الياباني يؤكد أن شعب بلاده بدوره محب تماما لمصر وحضارتها التي تستهوي اليابانيين بشدة.

ومن الصور الشهيرة، والدالة على البعد الثقافي في العلاقات التاريخية بين مصر واليابان تلك الصورة التي التقطها المصور الإيطالي انطونيو بياتو في أواخر عام 1863 لمجموعة من (الساموراي) اليابانيين بملابسهم المميزة أمام تمثال أبو الهول بمنطقة الأهرامات.

وجاءت هذه الزيارة التاريخية لوفد الساموراي لمصر في وقت كانت فيه اليابان تتلمس أسباب التقدم وتشير كتاباتهم المسجلة حول هذه الرحلة لإعجابهم الكبير بأوجه التقدم في مصر حينئذ والتي كانت تمتلك شبكة من قطارات السكك الحديدية تفتقر اليابان لمثلها.

ووسط اتفاق عام بين الكثير من المثقفين المصريين على أهمية استلهام مصر "لثقافة الإتقان اليابانية والاستفادة من دروس التجربة اليابانية في تحدي أقسى الظروف بعد الهزيمة المريرة في الحرب العالمية الثانية وبناء أحد أكبر الاقتصاديات في العالم"، أوضح السفير الياباني أن الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي لبلاده ستركز على تعزيز التعاون الاقتصادي والتعليمي ونقل الخبرات في مجال تمكين الشباب والمرأة ومناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.

وإذ بين الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تنسى مساهمات اليابان في مشروعات مصرية كبرى فإن الكثير من هذه المساهمات اليابانية كانت في مشروعات ثقافية وعلمية مثل دار الأوبرا والمتحف المصري فيما تمثل (الجامعة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا) نموذجا رائعا للتعاون بين الجانبين.

ويوصف المتحف المصري الكبير الذي يتم إنشائه حاليا بالتعاون مع اليابان في رحاب الأهرامات بأنه من العلامات المضيئة في تاريخ العلاقات المصرية اليابانية، وهو بمثابة "صرح العقد الثاني للألفية الجديدة وإضافة للإنسانية جمعاء".

وكان من الطريف والدال أن ينوه شينزو آبي لمفهوم الوسطية كسبيل لاستعادة الشرق الأوسط استقراره وأن يقول بالعربية في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مطلع العام الماضي :" خير الأمور أوسطها" فيما يحظى الاعتدال والوسطية بأهمية في الثقافتين المصرية واليابانية معا.

وهناك أقسام للغة اليابانية في عدة جامعات مصرية من بينها جامعات: القاهرة ،عين شمس وأسوان، فيما نوه رئيس الوزراء الياباني بأن قسم اللغة اليابانية وآدابها بجامعة القاهرة مستمر في مهمته منذ أكثر من 40 عاما.

كما نوه بتأسيس (الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا) في العام 2009 لتقدم التعليم والبحث العلمي على الطريقة اليابانية وتخرج منها حتى الآن 69 من الباحثين والباحثات، معربا عن سروره بأن تكون مصر "مركزا لنشر المعلومات عن اليابان في العالم العربي".

وأضاف قائلا :"في المستقبل أيضًا سنعمل على التوسع في التبادل الثقافي والمساهمة في مجال البحث العلمي والتعليم بما في ذلك تعليم اللغة اليابانية ومن أجل زيادة عمق التفاهم المتبادل بين الدولتين سنقوم بتدعيم تبادل السياح والباحثين والطلاب".

وترجع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين إلى العام 1922 عندما اعترفت اليابان باستقلال مصر وأقامت مفوضية لها بالقاهرة العام 1936، بينما أقامت مصر قنصلية عامة بمدينة (كوبي) اليابانية بينما اتفقت الدولتان على تأسيس آلية للحوار الاستراتيجي بينهما منذ العام 2006.

أما من المنظور الثقافي التاريخي فإن العلاقات بين الجانبين المصري والياباني أقدم بكثير من تاريخ العلاقات الدبلوماسية ومن هنا كانت أهرامات الجيزة مزارا "لوفد الساموراي" في بعثته إلى مصر بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر للتعرف على التجربة النهضوية المصرية، ودعم التواصل بين الحضارتين اليابانية والمصرية أو بين حضارتي الشرق الأقصى والشرق الأدنى.

وكانت أكيئي آبي قرينة رئيس الوزراء الياباني قد زارت في مطلع العام الماضي جامعة القاهرة والتقت الطلاب الذين يدرسون اللغة اليابانية بكلية الآداب وأهدت مجموعة تضم نحو 200 كتاب للجامعات المصرية.

وإذا كان الكثير من الكتاب والمفكرين والمثقفين على وجه العموم قد تحدثوا عن الحلم الوطني المصرى بأن تصبح مصر "يابان منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا " فقد يكون من المفيد تسليط الأضواء على نظرة مثقف ياباني بارز لمصر والمصريين كما تجلت فى كتاباته ودراساته المتعمقة انه ايجى ناجازاوا الأستاذ المتخصص في الدراسات العربية المعاصرة بجامعة طوكيو الذي خلص في كتابه (ثورة مصر) إلى أن ثورة يناير جاءت ردا ناجعا على الاستبداد، ويعد من أهم المستشرقين اليابانيين المعاصرين وهو أيضا مؤلف كتاب (مصر الحديثة بعيون يابانية)، الذي صدر بالانجليزية في 409 صفحات ينقسم بعد التصدير والمقدمة لثلاثة أبواب تتوزع على 11 فصلا، وجاء هذا الكتاب بحق دراسة مستفيضة تتناول الجوانب والأبعاد الثقافية والاجتماعية-الاقتصادية للوطنية المصرية.

ولأن تجربة مصر في التحديث تحت حكم محمد علي تزامنت مع التجربة التحديثية اليابانية فإن ناجازاوا لم يغفل في كتابه عن عقد بعض المقارنات بين سياقات مصرية ويابانية.

وفيما كان الباب الأول من هذا الكتاب معنيا ببحث ثقافي ومساءلة فكرية عميقة للهوية الوطنية المصرية واستنطاق المثقفين المصريين لهذه الهوية ورحلتهم معها، انقسم هذا الباب لأربعة فصول أولها دراسة حالة في السيرة الذاتية عن عالم الاجتماع الراحل سيد عويس وسفره الثقافي (التاريخ الذي أحمله على ظهري).

وقام ناجازاوا بترجمة سيرة الدكتور سيد عويس كما وردت في (التاريخ الذي أحمله على ظهرى) إلى اللغة اليابانية فيما لا يخفى أن دراساته تستهدف المساعدة في رسم السياسات اليابانية حيال مصر ومنطقة الشرق الأوسط.

وعنوان الفصل الثاني في كتاب (مصر الحديثة) (ثورة 1919 كما يراها فتى مصري) أي سيد عويس في طفولته، بينما كان الفصل الثالث حول مثقف مصري ماركسي منحدر من عائلة يهودية وهو أحمد صادق سعد وبحثه في التراث الشعبي مع مقارنات بين رؤى سيد عويس وأحمد صادق سعد.

وأبحر الفصل الرابع فى عالم المفكر الاستراتيجي المصرى الراحل جمال حمدان وعمله الخالد (شخصية مصر) فضلا عن تاريخه الشخصي في سياق رؤية مبتكرة لجغرافيا الوطنية المصرية.

ويبدو ايجى ناجازاوا مبهورا بالإنجازات الثقافية والمعرفية للدكتور جمال حمدان الذي يعتبره من اهم مفكري العالم قاطبة فهو "صاحب الصرح التنظيري العظيم ومنظومة الأفكار الهائلة التي ترتكز على معرفة جغرافية متفردة والمفكر الجغرافي للوطنية المصرية".

والباب الثاني في كتاب (مصر الحديثة بعيون يابانية) كان محوره التحول الاقتصادي والحركة الاشتراكية حيث بدأ ناجازاوا في الفصل الخامس بدراسة تطور الدولة الشمولية والبرجوازية في السياق المصرى المعاصر وجاء الفصل السادس ليتناول سياقات تاريخية للإصلاح الاقتصادي في مصر.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل