المحتوى الرئيسى

محمد عبد الحي يكتب: هيكل والعبث بحقائق التاريخ – قراءة نقدية فى كتابات هيكل عن الملكية المصرية (2) | ساسة بوست

02/27 12:16

منذ 22 دقيقة، 27 فبراير,2016

إن الكاتب محمد حسنين هيكل كاتب متميز فى كتاباته الصحفية, له أسلوبه الخاص وبصمته الواضحة، قلما تجد مثيلا له في عالم الصحافة والكتابة العربية، ولكن ما يؤخذ على الكاتب محمد حسنين هيكل أن كتاباته التاريخية دائما تتصف بالخيال المفرط البعيد عن الواقعية، بالرغم من إدعائه بأنه يعتمد على الأدلة والوثائق, مغلفة بالغرابة، بالرغم من زعمه بأنه يقول الحقيقة, تهجوه خصومه وتمدحه شيعته، بالرغم من إنكاره وتشبثه بالحيادية.

إنني لا أذم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في شخصه، ولكنني أصف أسلوبه في الكتابة من واقع كتاباته، وخاصة أعماله التاريخية، وخير مثال لذلك كتاباته عن العصر الملكي المصرى.

لقد كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل العديد من المقالات عن العصر الملكي المصري على صفحات مجلة وجهات نظر القاهرية، بمناسبة الذكرى الخمسين ليوم 23 يوليو 1952م، (انقلاب يوليو) بداية من أبريل 2002م حتى يناير 2003م، ثم قامت مؤسسة دار الشروق للنشر بتجميع تلك المقالات وأصدرتها في كتاب يحمل عنوان: (سقوط نظام)عام 2003م. وقد عبر الأستاذ محمد حسنين هيكل من خلال تلك المقالات عن سخطه للعصر الملكي المصري، وبغضه لشخصياته واتهامهم بما ليس فيهم.

وأرجع أهم أسباب قيام حركة يوليو (من وجهة نظره) لاهتراء ذلك العصر بتفشي الفساد والاضطراب السياسي والاحتلال البريطانى، ولكنه بنى في خياله أن السبب الرئيس لحركة يوليو هو تداعيات حادث 4 فبراير 1942م (قيام الاحتلال البريطاني بمحاصرة قصر عابدين بالدبابات، لإجبار الملك فاروق بتكليف مصطفى النحاس باشا رئيس حزب الوفد بتشكيل الحكومة)، وقد شيد الأستاذ هيكل على هذا الحادث كل الوقائع السيئة والأحداث الخطيرة السياسية والاجتماعية، بل الاقتصادية من سنة 1942م، حتى عام 1952م.

“كان في خطة عملي منذ أكثر من سنة أن أعود إلى يوم 23 يوليو سنة 1952 ـ قارئا للتاريخ مرة أخرى، وليس كاتبا له، فتلك كما أشرت مرات، مهمة أتركها لغيرى ممن هم أقرب اختصاصا، أو أبعد جرأة ـ وربما أوسع خيالا!

المسـرح الخــلفى لـ 23 يــوليـو

 مرة أخرى في قراءة التاريخ يتأكد لأي قارئ أن الصراعات الكبرى حضانة للتحولات الإنسانية الأهم، وأن الحروب باعتبارها الذروة الخطرة للصراعات هي الولادة الطبيعية للتحولات المؤثرة على حياة ومستقبل الشعوب والأمم.

 وعليه فإن أي قارئ للتاريخ الحديث سوف يتأكد أن الحرب العالمية الثانية كانت حضانة حركة الثورة الوطنية فى العالم الثالث على اتساعه عبر ثلاث قارات (آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية).

 ثم إن أي قارئ للتاريخ المصرى ـ فى سياق العصر الحديث ـ سوف يلحظ أن يوما بالتحديد فى مسار هذه الحرب العالمية الثانية ـ وهو يوم 4 فبراير 1942م كان يوم ولادة قيصرية بالجراحة ـ فتحت الباب ـ يوم 23 يوليو 1952 ـ لولادة قيصرية أخرى من نفس النوع، والاختلاف بين الولادتين ـ هوية السلاح. ففي الولادة الأولى كان المشرط إنجليزيا، وفي الولادة الثانية كان المشرط مصريا!”

بداية  يزعم الأستاذ هيكل أنه في صدد كتابة مقالاته عن ذكرى 23يوليو؛ فإنه لا يكتب تاريخا، بل إنه سوف يكون قارئا للتاريخ فقط، ولكنه  لم يطلعنا هنا على ما هو الفارق بين قارىء للتاريخ، وكاتب للتاريخ من وجهة نظره.

فمن المعروف أن أغلب الكتابات التاريخية، وخاصة الصحفية منها، تعتبر كتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل مصدرا من مصادر كتابة التاريخ، لكن الأستاذ هيكل هنا يعتبر نفسه قارئا للتاريخ، وليس كاتبا له؛ لماذا؟ لأنه يريد أن يتهرب من عدم التزامه بالمنهج العلمي في كتابته التاريخية، وغالبا ما يستخدم الحيل الساذجة، كشهادات الموتى، وأقوال المهمشين في مثل هذه الكتابات؛ لأنه يعرف جيدا أنه يكتب للجهلاء المخبولين، وليس للعقلاء.

ثانيا: يقول الأستاذ هيكل: اترك كتابة التاريخ لمن هم أقرب اختصاصا، وأبعد جرأة، وربما أوسع خيالا!

وهنا يعترف الأستاذ هيكل بأنه ليس مختصا بكتابة التاريخ وأنه ليس بمؤرخ! وإذا كان هكذا فلماذ نجده دائما يلقي بسيل من الشهادات المكتوبة والمسموعة والمرئية على أشخاص وأحداث التاريخ؟

وهل ـ يا أستاذ هيكل ـ الخيال يعتبر وحدة تاريخية أو عنصرا من عناصر التاريخ؟ نحن نعرف أن الحقيقية والحقيقية وحدها هي التي تقرر حقيقية التاريخ، أما الرؤية أو الشهادة فإنها تأتى عند غياب الحقيقة، وتكون في ذيل الأدلة، لكن الخيال لا وجود له في تقرير حقيقة التاريخ، الخيال يكون فقط في القصص والروايات المؤلفة، وعندما تقترن القصص والروايات المؤلفة بالتاريخ تكون حكيا، وليس تاريخا، ولكن الأستاذ هيكل يمزج الحكي بالتاريخ؛ لينتج في النهاية  التاريخ المحكي، وليس الحقيقية التاريخية.

ثالثا: يؤكد هيكل في معرض قراءته للتاريخ كما يدعى بأن الحرب العالمية الثانية هي أقصى درجة تخمر الصراعات التي اندلعت بعدها، بل يعتبرها الولادة الطبيعية للتحولات الإنسانية، وأنها مفرخة الثورات والانقلابات، ولكن الأستاذ هيكل هنا لم يفسر لنا علاقة الحرب العالمية الثانية بحركة 23 يوليو 1952م.

رابعا: يعتبر الأستاذ هيكل أن يوم 4 فبراير 1942م، هو ولادة قيصرية مهدت لولادة قيصرية أخرى، هي حركة 23 يوليو، إذن الأستاذ هيكل اعتبر أن حادث 4 فبراير هو السبب الرئيس لحركة 23 يوليو، على الرغم أن حادث 4 فبراير حادثا عاديا قد سبقه كثير من الحوادث المماثلة، مثل اغتيال السير لى ستاك حاكم السودان العام (الإنجليزى)، وتغيير وزارة سعد زغلول باشا بوزارة أحمد زيور باشا، وأيضا حادث خلع على ماهر من رئاسة الحكومة عام 1940م، وتعيين حسن صبرى باشا عن طريق الضغوط البريطانية، لكن خيال هيكل ـ كما يقول بنفسه ـ كان أكثر بعدا عن حقائق التاريخ.

خامسا وأخيرا: يقول هيكل إن حركة 23 يوليو كانت ولادة قيصرية، ولم يفسر ماهية الولادة القيصرية هنا، على اعتبار أن الحرب العالمية الثانية هي الولادة الطبيعية للثورات، وأن حركة 23 يوليو هي الابنة الطبيعية لتداعيات الحرب العالمية الثانية.  فكيف يعتبر هيكل ولادة حركة 23 يوليو  بالقيصرية؟ أليس هذا تنويها على أنها انقلاب، وليس ثورة، بل يؤكد على هذا المعنى بقوله بأن المشرط هو السلاح، والسلاح في حادث 4 فبراير هو الدبابات الإنجليزية، والسلاح في حركة 23 يوليو هو الدبابات المصرية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل