المحتوى الرئيسى

ثورة الياسمين ستحقق أهدافها ولو بعد حين

02/26 20:54

تونس ارتبكت بين المسار الثوري ومسار الانتقال الديمقراطي

الثورة الليبية كانت مكلفة لأنها لم تحسم إلا عسكريًا

صحف عربية: ثورة الياسمين التونسية في مهب الريح

متى نظر العالم إلى الربيع العربي، تطلع أولًا إلى استطلاع الحال في تونس، مهد هذه الثورات التي غيّرت وجه بلدان عديدة. ثورة الياسمين مستمرة، ومصممة على تحقيق أهدافها، عاجلًا أم آجلًا.

تونس: بعد خمسة أعوام من ثورة الياسمين، شهدت الثورة التونسية ارتدادات عدة، كادت تزوغ بها إلى مآل آخر، على غرار ثورات أخرى، لكنّ التونسيين نجحوا في تحديد مسار التحوّل الديمقراطي، باعتماد مبدأ التوافق، لحلّ المشاكل العالقة، بعد صياغة دستور يوضح ملامح تونس الجديدة.

ورأى خبراء أن ثورات الربيع العربي حادت عن مساراتها، لكن بنسب متفاوتة، بفعل تدخلات خارجية، وأيادٍ داخلية تعمل على تحقيق مآرب خاصة.

اعتبر المحلل السياسي محمد القوماني أن الثورة التونسية، وبعد خمس سنوات، "مهدورة ومغدورة، مهدورة لأنّ النخب السياسية التي قدمت إليهم الثورة فرصة تاريخية للخروج من الاستبداد وإرساء منظومة ديمقراطية أساءت إدارة المرحلة، سواءً من مواقع الحكم أو من مواقع المعارضة، ولم تتوافق لا على مشروع وطني ولا على إرساء ثقة بينها لتأسيس مبادئ الديمقراطية الحقيقية، كما إن التجاذب الأيديولوجي بين الإسلاميين والحداثيين كان أحد عوامل تعثر مسار الثورة التونسية، ومغدورة من قوى داخلية استعادت أنفاسها بعد أشهر من الثورة لتخرّب هذا المسار، ومن قوى خارجية لم ترتح لثورات الربيع العربي، وساهمت في هذا الإرباك الذي شهدته الثورة التونسية".

أضاف القوماني لـ"إيلاف" أن تونس ارتبكت بين المسار الثوري ومسار الانتقال الديمقراطي، ولكل من هذين المفهومين معجمه الخاص وآلياته الخاصة، فقد حاول التونسيون أحيانًا أن ينجزوا الثورة ويحققوا أهدافها بمفاهيم الانتقال الديمقراطي، فكانت الأيادي مرتعشة، ولم تتخذ قرارات ثورية حقيقية، "وفي الوقت نفسه، باشر التونسيون الانتقال الديمقراطي بشعارات ثورية من نوع القطع مع المنظومة القديمة وعدم الاعتراف برموزها، وهذه المعجم لا ينتمي إلى الانتقال الديمقراطي، الذي يستوجب نوعًا من التسوية بين القديم والجديد، فالتونسيون بقوا متردّدين بين الانتقال وبين الثورة، ولم يحققوا لا هذا ولا ذاك".

لكن يحسب للثورة التونسية أنّها تجنبت المسارات العنيفة والخطر "الإرهابي" المتنامي في تونس، وهي تعتبر دائمًا أفضل من غيرها من السيناريوهات الأكثر درامية.

بشأن تأثير الثورة في علاقة الحاكم بالمحكوم، قال القوماني إن الثورة التونسية غيّرت عامل الخوف، الذي كان إحدى أدوات حكم بن علي، "فاليوم نلاحظ أن التونسيين، ومن مواقعهم المختلفة، صاروا أكثر جرأة على الحكام، تصل أحيانًا إلى حدّ التهوّر، لكنّ الثورة لم تبنِ مواطنة حقيقية، حيث بقيت علاقة الحكام بالمحكومين، وكذلك علاقة المحكومين بأنفسهم، غير مؤسسة على مفهوم المواطنة بما يقتضيه من تعاقد وانتماء ومساواة والتزام، وظلت الزبونية، والمصالح الضيقة، والغنائمية، موجودة في صفوف الحكام كما المحكومين، وهذا لم يساعد على بناء ديمقراطي متين".

وبخصوص الثورة الليبية، يعتقد القوماني أنّها كانت مكلفة، مقارنة بالثورتين التونسية والمصرية، لأنها لم تحسم إلاّ عسكريًا، ورغم أنها حققت هدفًا مهمًّا في التخلص من نظام استبدادي عنيد، فهي إلى حدّ الآن، على غرار باقي ثورات الربيع العربي، لم تنجح في تحقيق أهدافها، وهي بين الثورات التي تتعرض إلى التحريف عن مسارها، ما كلّف الشعب الليبي مصاعب، ولكن، وفي كل الأحيان، لا يمكن القبول بالمقايضة بين الأمن والاستبداد.

أضاف: "بإمكان الليبيين أن يكونوا في مستوى أفضل إذا لم يتعرّضوا لتدخل عسكري غربي مرتقب، ومقدرات الشعب الليبي تجعلهم قادرين على النهوض بسرعة إذا تجنبوا خطري الحرب الأهلية والتدخل العسكري الخارجي الواسع".

أما مصطفى عبد الكبير، الخبير في الشأن الليبي، فبيّن أن الثورة الليبية حادت عن مسارها الصحيح، بعدما أبعدت النظام الاستبدادي للعقيد القذافي، إلا أنها لم تبدأ مسار بناء دولة جديدة بمؤسسات دستورية وديمقراطية، بسبب تدخل أطراف نافذة من الداخل والخارج، لا لشيء إلا لحماية مصالحها.

أضاف لـ"إيلاف" أن العوامل التي حالت دون تحقيق الثورة الليبية أهدافها هي تنامي المجموعات "الإرهابية" التي تعمل لمصلحة أطراف خارجية؛ ومصالح دول لا همّ لها غير حماية آبار النفط من خلال زرع ليبيين وأجانب يؤدون هذا الدور، ما ساهم في تنامي "الإرهاب" والفساد وعمليات الاغتيال، مشددًا على وجود صراع ظاهر بين مجموعات من الليبيين أنفسهم حول توزيع المسؤوليات، وبالتالي ضمان موقع في الدولة الجديدة. 

وتابع: "الثورة الليبية حادت عن أهدافها التي من أجلها قامت، وعادت بليبيا سنوات إلى الوراء، لا لشيء إلاّ لغياب مؤسسات دستورية وجمعيات مدنية قوية تصلح ما أفسدته الجماعات "الإرهابية" التي انتشرت في العديد من المناطق الليبية، وبدأت تنفذ أحكامها بعيدًا عن سلطة الدولة التي انقسمت بين الشرق والغرب، وفي ظل حكومتين لا تحكمان، ولكنهما تنفذان أجندات خارجية لدول أخرى لها مصالح ومطامع في خيرات ليبيا".

يربط القوماني العوامل التي عسّرت التحول الديمقراطي في ليبيا بهشاشة الدولة الليبية، "فنظام العقيد القذافي لم يرس مؤسسات متينة في ليبيا، كما إن الحكم الفردي والعشائري لم يدخل ليبيا إلى الحداثة السياسية، وبقي بالتالي السمة الأبرز لذلك النظام، ما يخلق صعوبة حقيقية. 

أما العامل الثاني فيتمثل في الانقسام الثقافي، الذي تغذيه أطراف خارجية بين ما يسمى الحركة الإسلامية وخصومهم من الأطراف الأخرى، وهو من أبرز العوامل المعرقلة في ليبيا، التي ساهمت في تعثر مسار الثورات العربية بصفة عامة، إضافة إلى أنّه ليس من السهل تجاوز منظومة القذافي القديمة، التي لها قدرة على ردّ الفعل، وبمساعدات خارجية، تلعب دورًا في إفشال مسار الثورة. 

كما إن للتنظيم القبلي دورًا يمكن أن يكون مساعدًا شرط اتفاق الأطراف السياسية، فعناوين الاختلاف، حاليًا، ليست قبلية، بقدر ما هي سياسية. ولفت عبد الكبير إلى أن ملايين قطع السلاح التي يملكها الليبيون زادت الوضع سوءًا، لغياب الأمن، مؤكدًا أن الضربة العسكرية الغربية الآتية لن تفيد الليبيين في شيء، "لأنّ الذين سينفذونها لا يهمّهم الشعب الليبي بقدر ما يعملون وفق أجندات الشركات الغربية المتحكّمة في سياساتهم، وعلى من يريد مساعدة الشعب الليبي أن يتعاون مع الشخصيات الوطنية الليبية، ويفسح لها المجال لبناء ليبيا الجديدة التي يحلم بها الليبيون".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل