المحتوى الرئيسى

الموت بحاجة إلى تصحيح

02/25 01:52

الموت تحوُّل.. بُعد فيزيائي.. اندماج.. صيغة لونية.. موشور.. تردّد..هسيس.. في هذا الوقت لا بدّ أن نبيل قد اندمج مع الوعي الكلي.. حلل طبيعة الأشياء وأرشد الكومبارس للبرازخ الأخيرة. (ستوب.. تيك تو).. صوت.. (رولينغ).. (كاميرا).. (روول).. كلاكيت.. المشهد الأخير ثاني مرة!..

(كلاك.. كلاك).. (أكشن بسام: أهلين ندى؛ تغلق سمر سامي الباب؛ تسند ظهرها الى العتبة. بسام كوسا (تفضلي.. تفضلي سمر: شو؟ فرجيني بسام: ع مهلك ع مهلك سمر: قف قليلاً يا نبيل قليلاً.. هذه يدك.. انتظر.. انتظر لا ترحل مثل الأولاد الصغار).

شوكة من زجاج. (ستوب) السينمائي لا يموت.. فالفيلم حي.. يحيا كلما نبضت الشاشة بالضوء؛ وكلما عاد الشريط الى البكرة في حجرة الأرشيف؛ فالصورة خلية تنقسم على ذاتها وتتناسل عبر المشاهدة.. تمتص المشاعر وألق الأعين في عتمة الصالة يتنفس في مقبرة اليوتيوب.. يقضم الزمن.. يرتشفه الى آخر قطرة. السينمائي سيد الزمن، لا يموت. يعيش في كل ثانية أربعةً وعشرين كادراً.. حياة المخرج .. خلود الصور؛ حبوره اللانهائي وألمه الهندسي.

نبيل: (إعادة.. ستاند باي.. إند أكشن).

دمشق.. الفهد.. إغراء؛.. بوستر.. أبوعلي شاهين.. دمشق.. أديب قدورة.. دمشق حرية.. حرية.. حرية؛ حرب.. حرب، انكفاء، هجرة، مسمار المنفى، دمشق، حلب، درعا، سويداء، اللاذقية، قامشلي، طرطوس، كوباني، حماة، وبعدها (ع الشام ع الشام.. ع الشام): راكبٌ واحد إلى الشام - أنا من الشام، أنا نبيل المالح؛ أنا الآن ميت وهذا آخر ما تذكرته وأنا على السرير، هذيان.. واقع.. أنا متألم يا بلدي، يا شعبي، أيتها الصالات السينمائية.. يا باعة الخبز على أوتوستراد الفيحاء؛ أنا الآن ميت وأتجوّل في دمشق، أطفو كريشة فوقها. شرب الشاي بالقرنفل في النوفرة؛ أتأمل مئذنة العروس؛ أزيح الغبار عن بسطات الكتب في التكية السليمانية؛ أنثر الخبز المبلل (لستيتيات) حي الشهبندر.. أبازر باعة التفاح في دمشق القديمة؛ أنحني أمام آلام شعبي؛ أضع الكاميرا في زاوية حادة فوق قاسيون: لقطة عامة لملكوت الإسمنت والبارود؛ للناس وهم يتنفسون خيط الصباح.

(ستوب فريم)، (باي فريم) يعود نبيل ويتقمّص السينمائي طبيعة الأشياء.. ينتحل ذاكرة أشجار النارنج في سوق ساروجة؛ يتكور كأقواس باب شرقي؛ ينساب كمياه الأمطار في ساحة المسكية؛ يتقمص محيط الصخب النقي في حي الشيخ محي الدين بن عربي؛ يعلو في ركن الدين ويغدو خفيفاً كالضوء وأزهار الإسمنت؛ يصفو في الأموي؛ يستظل بكنيسة حنانيا ويمتد ليثمر كبساتين المِزة؛ يزهر ويتبرعم في الغوطة.

أُسعدت مساءً نبيل؛ عبر العدسة تضيق حدقة العين؛ لقطة أولى: سترة نجاة الى جانب قوارب الموت؛ تطفو وسط المياه الباردة؛ أُمٌ سورية ترفع طفلها لتملئ رئتيه بالهواء؛ تغوص في الماء؛ الجمهور يلتقط أنفاسه والأم تغرق.

موسيقا تصويرية؛ الأم غارقة والطفل يبكي؛ على الشاطئ جسدان ممددان؛ موجة تلطم سترة النجاة؛ طفل يحبو على الرمل تاركاً أثر حبوه على الرمل باتجاه سورية. وجه الأم؛ قلبها؛ يدها الممدودة؛ ترتجف عينها؛ اهتزاز في جهة القلب؛ نبض.. نبض.. نبض..

ترى الطفل.. تعود من الموت - (ريفيرس)؛ يعودون من الموت يا نبيل وتعود معهم، من قاع البحار؛ من تحت ركام المنازل؛ من عتمة القبور؛ من الأحياء المدمرة سيتقاطرون خلف الأم، جحافل؛ جحافل من الكومبارس؛ فألم تخبرهم عن النبأ السوري العظيم؟ عن الأشجار وكائنات المكان؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل