المحتوى الرئيسى

نقابة الصحفيين المصريين والدور الغائب!

02/24 18:36

كانت نقابة الصحفيين المصريين لعقود، منذ تأسيسها في عام 1941 وخصوصاً في عهد مبارك، صوتَ من لا صوتَ له، ومنبرَ من لا منبرَ له..

وخلال تجربتي في عضوية مجلسها لسبعة عشر عاماً -وكيل لها لثماني سنوات ثم قائم بأعمال النقيب في عام الثورة 2011- شاركتُ في أدائها تجاه انتهاك حقوق المواطنين ناهيك عن حقوق وحريات الصحفيين.

لقد فتحنا أبواب النقابة وقاعاتها لكل مظلوم أو مستجير، من دخلها كان آمناً عزيزاً مكرماً، نتضامن معه، ونوصل صوته إلى العالم.

وكان الأستاذ محمد عبدالقدوس عضو المجلس ومقرر لجنة الحريات بالنقابة لا يتوانى عن دعوة كل صاحب حق، أو مضطهد، أو مظلوم إلى النقابة، لينظم له مظاهرة على سلالمها، أو يقيم له مؤتمراً في قاعاتها، فكان وما زال صوت المظلومين ونصير الحريات.

كانت نقابة الصحفيين تنتفض لاعتقال صحفي واحد، فما بالك اليوم وهي بكماء.. خرساء.. عمياء.. والعشرات من أعضائها يقبعون خلف الأسوار، يتعرضون للتعذيب، بل للقتل البطيء.

لم تحرك ساكناً بعد أن حُكم على أعضائها أو غيرهم من الصحفيين والإعلاميين بالإعدام أو السجن المؤبد، ولم تفعل شيئاً في قضايا أعضائها الذين استشهدوا على أيدي الانقلاب، ووصل عددهم إلى عشرة، رغم أنهم جميعاً قُتلوا أثناء تأدية عملهم، بل سجلت عدسات بعضهم صور قاتليهم!

تكتفي النقابة برسائلها إلى النائب العام مستفسرة عن اختطاف بعض أعضائها، أو اختفائهم.. وتصرح أنها أرسلت حوالي 60 رسالة ولا نتيجة!

كما تؤكد لمنتقديها أنها لم تقصر في متابعة شؤون سجنائها، فقد خاطبت وزارة الداخلية عبر عشرات الشكاوى التي تطلب زيارة أهالي الصحفيين (وليس أعضاء المجلس!) لذويهم بأماكن سجنهم أو احتجازهم، أو إدخال الدواء أو الطعام، أو تحسين المعاملة، أو النقل للمستشفى لإجراء جراحة عاجلة لأحد أعضائها، لكنها تعترف أنه لا استجابة من وزارة الداخلية!

إذاً ماذا تنتظر النقابة بعد هذه المذلَّة وذلك الهوان؟

ماذا ينتظر مجلس النقابة حتى يتحرك، أو يقود الجمعية العمومية للتحرك.

أين النقيب يحيى قلاش الذي رافقتُه متزاملين في قيادة النقابة لسبعة عشر عاماً قضيناها معاً دفاعاً عن حرية الصحفيين والصحافة..

كنا ومعنا الزميلان محمد عبدالقدوس، ورجائي الميرغني، وممدوح الولي ومعنا أعضاء آخرون لا نتوانى في الدفاع، بل في القتال من أجل حرية زملائنا..

من المؤكد أن الزميل يحيى قلاش يتذكر ما قمنا به في عام 2006 لرفض الحبس في قضايا النشر..

لقد دعونا لجمعية عمومية في مارس/آذار من هذا العام، ولم تكتمل، فكنت أطوف أنا وهو، ومعنا الزميلان عبدالقدوس والميرغني على الزملاء في صحفهم ومكاتبهم، وظلت الجمعية العمومية تتأجل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ونحن نصرّ على مواصلة الدعوة لانعقادها، وطرق أبواب الصحفيين للاجتماع في قضية رفض الحبس في قضايا النشر، وهي بلا شك لا تهم الكثيرين من الزملاء!

فوفقنا الله إلى إضافة بند آخر إلى جدول الأعمال وهو: وضع لائحة جديدة لأجور الصحفيين، والتي تدنت كثيراً وتراجعت، فبعد أن كانت أجورهم في المرتبة الرابعة في سلم الأجور بالدولة في عهد السادات، تراجعت في عهد مبارك إلى المرتبة الثانية والثلاثين!

أذكر أننا أضفنا هذا البند إلى جدول أعمال الجمعية، وطبعنا الدعوة، وأرفقنا بها دراسة اقتصادية وضعها بعض الزملاء الاقتصاديين بالنقابة تقترح أن تبدأ الأجور بـ1800 جنيه للصحفي المبتدئ، ويتدرج الراتب مع أقدمية الصحفي بالعمل ليصل إلى 8000 جنيه لمن أمضى في العمل 15 عاماً، ووضعنا خطة لتمويل العجز في ميزانية بعض المؤسسات الصحفية القومية والحزبية، تعتمد في جزء كبير منها على اقتطاع ثلث الضريبة على الإعلانات الصحفية التي يتم توريدها إلى وزارة المالية لصالح أجور الصحفيين.

أذكر أننا وزعنا هذه الدعوة ومعها الدراسة قبل موعد اجتماع الجمعية بثلاثة أيام فقط، وفي اليوم المحدد للاجتماع اكتمل النصاب من الساعات الأولى، وانعقدت الجمعية، وكان أول قراراتها رفض الحبس في قضايا النشر، ورفض مشروع قانون تغليظ العقوبات على الصحفيين الذي أعده أحمد عز والحزب الوطني الحاكم آنذاك، وتعديل أجور الصحفيين، وكان أهم قرار من وجهة نظري هو إبقاء الجمعية العمومية في حالة انعقاد مستمر لحين تحقيق مطالب الصحفيين.

وبعدها خرجنا في مظاهرة حاشدة حاصرت مجلس الشعب، وكان على رأس المشاركين فيها يومئذ نقيب النقباء، وشيخ الصحفيين كامل زهيري -رحمه الله- كما انضم إلى مطالبنا وشارك معنا نواب الشعب المستقلون، وفي مقدمتهم كتلة الإخوان المسلمين (88 نائباً) برئاسة الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس مجلس الشعب المنتخب بعد ثورة يناير، والموجود حالياً بالسجن، فك الله أسره وأسر الرئيس مرسي وأنصاره.

لقد نجحنا في تلك المعركة في إلغاء 6 مواد في عدد من القوانين كانت تقرر الحبس في قضايا النشر من أصل 12 مادة!

غير أن النقابة في عصرها الحالي قد خيبت ظن المتابع لأدائها خلال العقود السابقة، حتى في سنوات قهر مبارك..

وللتدليل على ذلك سأروي بعض المواقف النقابية وأبدأها بما حدث معي شخصيًّا:

ففي عام 1991 وقبل انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، كتبت مقالاً أستنكر فيه هرولة العرب لركوب قطار الاستسلام، وبيع القضية الفلسطينية، والتنازل عن أرض فلسطين لمن احتلها بالقوة..بعدها تم اعتقالي وتقديمي إلى نيابة أمن الدولة العليا بتهمة السعي لقلب نظام الحكم، وتكدير السلم العام، والإساءة لدولة صديقة وضعوها بين قوسين (إسرائيل!)..

المهم لا أطيل عليكم في التفاصيل، ذهبت مكبلاً إلى نيابة أمن الدولة، وأدخلوني إلى رئيس النيابة، حيث وجدت في انتظاري أحد أعضاء المجلس، وهي الزميلة النقابية اليسارية القديمة أمينة شفيق -متعها الله بالصحة- التي رحبت بي هي والسيد المستشار رئيس النيابة، وابتدرتني بزف البشرى لي قبل بداية التحقيق، ومعرفة حقيقة الاتهامات الموجهة لي قائلة: ولا يهمك يا صلاح أنا اتفقت مع سيادة المستشار إنه يوديك سجن نضيف!

وهنا صرخت في وجهها: "إنت جاية تتآمري عليّ ولا تدافعي عنّي؟"

وكيف يا سيادة المستشار تتفق معها إنك تودّيني سجن نضيف قبل أن تستمع لأقوالي، وتتأكد من صحة الاتهامات الموجهة إليّ؟!

وبالفعل كان مصيري في ذلك اليوم ترحيلي لسجن استقبال طرة دون الاكتراث لما أثبتّه في التحقيقات!

ولكن للأمانة فإن توصية الأستاذة أمينة حسّنت وضعي كثيراً داخل السجن، بالمقارنة بأوضاع 450 ناشطاً معظمهم من الطلاب والنقابيين، تم اعتقالهم على ذمة هذه القضية التي أسموها حينئذ بقضية معارضي مؤتمر مدريد للسلام، وتم إيداعي في زنزانة تضم اثنين من كبار المتهمين أحدهما تاجر سلاح، وأما الآخر فكان تاجر ذهب اتُّهم في شراء مصوغات منهوبة!

كما أن النقابة يومئذ بقيادة سكرتيرها العام الراحل الكبير فيليب جلّاب، وكان مسيحيًّا وشيوعيًّا، ورغم ذلك لم يدخر جهداً في الدفاع عني، وكتب جلّاب مقالاً في جريدة الأهالي دافع عني فيه، واستشهد بمواقفي الوطنية، مذكّراً بواقعة حدثت ليلة الاعتقال.. وهي أنّني كنت أدير حواراً بين رموز مسيحية، وقيادات من الإخوان المسلمين، وكان من بين المشاركين في هذا الحوار فيليب جلّاب، والكاتب الصحفي المقرب من الكنيسة الأستاذ ماجد عطيّة، ورجل الأعمال المسيحي أمين فخري عبدالنّور والد الوزير منير فخري القيادي بحزب الوفد، والوزير السابق في حكومة الانقلاب العسكري.

كذلك كتب الزميل الراحل مجدي مهنّا -وغيره كثيرون- مدافعاً ومطالباً بالإفراج عني.

وأرسلت النقابة لي فراشاً وغطاءً، وكانت ترسل لي يوميًّا (دجاجة مشوية) مع أحد العاملين في النقابة، كنت أقوم بإعطائها للشباب المعتقلين معي في نفس القضية، ليتم توزيعها على أربعين منهم كانوا يقبعون في الزنازين المجاورة لي!

وقد أفرج عنّي بعد فترة قصيرة بفضل الله ثم بجهود المخلصين في النقابة، وقام أعضاء في النقابة بتكريمي واستقبالي استقبال الأبطال، وأذكر يومها أن الراحل اليساري الكبير الدكتور محمد السيد سعيد مدير مركز الدراسات السياسية بالأهرام، ومؤسس صحيفة البديل عبّر لي عن أسفه من مواقف القوى اليسارية والليبرالية من اعتقالات الإخوان، وقال جملة لا أنساها: "لن ننجح في مواجهة هذا النظام القمعي إلا إذا شاطرناكم الاعتقال والتضحيات".. رحمه الله رحمة واسعة.

والموقف الآخر الذي أذكره لنقابة زمان.. عندما اعتقلني نظام مبارك عام 1995، وكنت يومها عضواً بمجلس النقابة وأميناً مساعداً للصندوق، وذلك على خلفية مقال كتبته في جريدة الشعب في أغسطس/آب من هذا العام، وكان عنوانه: "ليس دفاعاً عن الإخوان المسلمين، ولكن دفاعاً عن شعب مصر" كنت أنتقد ممارسات النظام القمعية مع رموز الإخوان الذين لا يدّخرون جهداً في خدمة شعبهم ووطنهم..

فقامت أجهزة التلفيق بطبع المقال في صورة منشور، واعتقلت على ذمته اثني عشر ناشطاً من الإخوان بالإسكندرية، ودسّت لكل واحد منهم كمية من المنشور المزعوم، ليفاجأ بها مقدمة ضده كدليل اتهام أمام النيابة، وقد نفى جميعهم صلته بهذا المنشور الذي لم يروه إلا في النيابة محرَّزاً ضمن ما أسمته أجهزة التلفيق بالمضبوطات!

والطريف أن المنشور كان ممهوراً بتوقيعي وصفتي النقابية!

وأمام المحكمة العسكرية تضامن معي زملاء المهنة، وزحف الصحفيون المتضامنون يستقلون بعض الباصات ليتظاهروا أمام المحكمة العسكرية بصحراء الهايكستيب احتجاجاً على محاكمة زميلهم، بل ضد محاكمة قيادات الإخوان أمام محكمة عسكرية، وهم مدنيون، ومن حق كل مواطن أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعي كما ينص الدستور.

وتحرك مجلس النقابة وحضر نقيب الصحفيين (الحكومي!) إبراهيم نافع ومعظم أعضاء المجلس إلى المحكمة العسكرية، والتقوا رئيسها -آنذاك- الجنرال أحمد عبدالله، وشرحوا له قضيتي وأعلنوا تضامنهم، وكان من بينهم في ذلك الوقت الزملاء الأساتذة يحيى قلاش نقيب الصحفيين الحالي، ومحمد عبدالقدّوس المدافع عن الحريات دائماً، والراحل مجدي مهنا، أمين الصندوق، ورجائي الميرغني، وعلي هاشم السكرتير العام آنذاك، وحسن الرشيدي، وحاتم زكريا، والراحل عبدالعزيز خاطر الذي لم يمنعه انتماؤه للحزب الوطني أن يدافع عني يومها ويهاجم سياسة النظام ضد الصحفيين.

وبفضل الله، ثم بفضل جهود الصحفيين، وفي مقدمتهم مجلس النقابة ونقيبه (الحكومي!) حصلت على البراءة، وحبست المحكمة من ادَّعت أنهم وزعوا المنشور، وأطلقت سراح من زعمت أنه كتب المنشور!

فأين مواقف نقابتنا اليوم من مواقفها بالأمس عندما تضامنت مع الزملاء الأساتذة د.محمد السيد سعيد، وعادل حسين، ومجدي أحمد حسين، وأحمد عز الدين، وصلاح بديوي، ومحمد هلال، وأيمن نور، وجمال فهمي، وإبراهيم عيسى، وعادل الأنصاري، والعشرات غيرهم؟

بل ومع الصحفيين من غير أعضاء النقابة مثل عمرو ناصف على سبيل المثال وليس الحصر؟ هل نسيت النقابة أوجه التضامن السياسي والقانوني والحقوقي مع أعضائها؟!

هل نسيت الرعاية الاجتماعية والصحية التي كانت تقدمها لأعضائها، والراتب الشهري الذي كانت تخصصه لأسرة كل سجين أو معتقل؟!

لقد تآمر النقيب السابق، ضياء رشوان، مع الانقلاب على زملائه وباعهم بثمن بخس، فلفظه الصحفيون وأسقطوه، وغادر النقابة هو وزميله المتآمر الآخر جمال فهمي وكيل النقابة السابق الذي أسقطه الصحفيون أيضاً، ولوث كل منهما تاريخه بمواقفهما المتآمره على زملاء المهنة، تلك المواقف التي سيسجلها التاريخ في صحائف الخيانة والعار.

أما النقيب الحالي الزميل يحيى قلاش الذي وضع قضية السجناء والمعتقلين من الصحفيين على برنامجه الانتخابي، وحاز ثقة الزملاء -بضعفي الأصوات التي حصل عليها من خان ميثاق الشرف وتخلى عن زملائه- فما زلتُ أنتظر منه الوفاء بما وعد، ولا يكتفي بالخطابات التي يرسلها إلى النائب العام، أو الشكاوى التي يبعث بها إلى وزير الداخلية..

فهذا دور العاجز، وميدان العمل غير ميدان الكلام والخطابات، ورجل مثل يحيى قلاش الذي عرفته في الماضي، لا أظن أنه يبيت مستريح الضمير تجاه قضية عشرات الزملاء الذين يتعرضون للظلم والموت البطيء داخل سجون الإنقلاب.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل