المحتوى الرئيسى

بالفيديو| "آية" سجينة "حازم".. صرخة ريفية خلف قضبان الجسد

02/24 15:10

رنّ جرس الهاتف مساء الأربعاء 17 فبراير الجاري، صوت نسائي يخبر عن واقعة فريدة في منطقة القبابات –مركز أطفيح، ويبشّر بغصة إنسانية في جوف "أم"، قالت قبل 19 عامًا "ربّ إني وضعتها أنثى"، فأحالتها تحاليل الأطباء في بضع سنين إلى ضرورة تحويلها لـ"ذكر"،  أتلقف الأمر برُمّته على سبيل المداعبة، ثمة دراية بتفاصيل حياة القرية،  تحول بيني وبين قبول رواية كهذه، يبدد صدقها أية رغبة في الحياة، أحدد موعدًا جزافيًا صباح الخميس بمنزلي، - تنتهي المكالمة، دون أثر لفضول يذكر، كفاصل طريف، أو مكالمة عبثية من شخص يستهلك وقتًا في اللاشيء.

في العاشرة صباح الخميس، تخبرني والدتي، أن سيدة وابنتها ينتظران بالخارج، أعيد نص المكالمة مرة أخرى بدهشة لم أبدها لأحد، وأخرج متأملًا، فيقع بصري على أنثى عشرينية، لا شيء يشير في تكوينها إلى "ذكورة" تذكر، و"سيدة خمسينية" منحوت وجهها بملامح الأسى، وفي عينيها زحام لا يقطعه سوى فاصل من دموع تحجرت على أعتاب جفنيها، أصمت بعد وصلة ترحيب تفرضها طبيعة ريفية نتقاسمها، فتخرج السيدة أوراقها المبعثرة، وتستطرد :" أنا اللي كلمتك امبارح يا أستاذ، وأملي في ربنا، وفيك، ترحمني من الدوخة، اللي أنا فيها".

 تشير إلى ابنتها، بينما عيناها مثبتتان طوال الوقت في عيناي، وتسرد تفاصيل قصتها، التي تعود إلى العام 2011، حيث بلوغ الابنة سن الخامسة عشر، دون أن تدركها "الدورة الشهرية"، شأن قريناتها، ابتداءً بـ"قلقها"، مرورًا بـ" ضعفها" في مواجهة أسئلة الجيران، ومجتمع لا يرحم ضعف أحد، وانتهاءً بـ"قلة حيلتها" على أبواب عيادات الأطباء، حيث خيبة أمل مكررة، وأوجاع لا يقوى عليها بشر، أطلب زيارة لمنزلها، توافق،  أخبرتني حين ذهبت إلى هناك-، أنها لم تعلق أملًا عليّ، حيث تبلدت إزاء وعود متكررة بانتشالها من أزمتها.

في القرى، يبدو الأمر كـ"صاعقة" تهبط من أعلى بشكل مفاجئ، فتخور معها قوى أسرة، تدور بين فكي رحى صراع يدور في جسد"آية"، يراوح بين ذكورة، وأنوثة،  ومجتمع قبلي يفرض عبارات التشفي، والسخرية، عطفًا على فقر قابع بين جدران البيت، وجهل يتمدد في طرقات الشوارع الصمّاء.

خلف باب حديدي، يقودك ممر تتوسطه "ماسورة" ملتصقة بالأرض، تنبثق عنها"حنفية"، تقابلها بركة مياه، ، إلى جدار مصنوع من أحجار "البلوك"،في نهايته، وعن يمينه، مبنى ريفي متواضع، ذو طابق واحد، مغطى بالخشب، ومكون من غرف ثلاث، تبرز منها روائح الفقر المرصع بالوجع.

 على جدار المبنى الأسمنتي، تلتقيك عبارة مكتوبة بالحجر الأبيض " أنا آية بحب الحياة"، يسارًا تقع غرفة بدائية الطابع، يتوسطها نافذتان، إحداهما تطل على غرفة الأبناء الذكور الأربعة-أشقاء "آية" الصغار-، والأخرى تطل على الممر، في الغرفة تسرد "آية"- أو "حازم" كما تطلق على نفسها، تفاصيل "قصته/ ها"، المغلفة بكراهية لمجتمع يرهقها بسخريته، كلما مرت في طريق بعبارة " إنت يابنت، ياولد".

 تجلس الأم القرفصاء في منتصف البيت، واضعة رأسها بين يديها، تتذكر بصوت منكسر، في مشهد درامي، نتيجة أشعة الرنين، وصوت الطبيب حين أخبرها للمرة الأولى، أن "آية مش آية"، كأنما ألقى عصاه، فإذا هي تلقف آمال "الفستان الأبيض"، الذي أعدته لـ"ابنتها"، وجهازها الذي جمعته على يدها قطعة قطعة، منذ أن خطت الابنة أولى خطواتها في فناء البيت.

وتأخذنا إلى أصل الحكاية، قبل 6 أعوام، حين بلغت "دينا"-ابنة شقيقتها-"الدورة الشهرية" في سن الثالثة عشر، وتأخرت عن ابنتها-رغم تزامن الميلاد-، مما دفعها إلى سؤالها على سبيل الاطمئنان-الذي فارق منذ لحظتها-، فأجابتها بـ"لا"، تقول الأم : "قلت لأبوها، عايز أكشف على البنت، فقال: اصبري شوية ".

علميًا، تعرف حالة "آية" بـ"الجنس البيني"، وتجرى جراحة "تصحيح الجنس"، بعد تشخيص واضح، وموافقة من لجنة بنقابة الأطباء، تتضمن في تكوينها، أطباء نفسيون، وشيخ أزهري، ومتخصصون في أمراض الذكورة-بحسب قول د.محمد عبدالرسول-أستاذ الذكورة، ويستقبل "قصر العيني" 60 حالة سنويًا، وشرعًا يتفق العلماء على إباحة "تصحيح الجنس"، وفقًا لميول الحالة-بعد موافقة الأطباء-وفقًا لتصريحات د.سالم عبدالجليل-وكيل وزارة الأوقاف السابق.

امتد صبر الأم لمدة عام كامل، وهي لا تعرف تشخيصًا لـ"ابنتها"،  تسر السيدة الخمسينية حسرتها في نفسها، ولا تبديها لأحد،  وتبدأ رحلة المعاناة، حيث اتجهت الابنة-حينئذٍ بصحبة الأم، إلى مستشفى اليوم الواحد، فأخبرتها الطبيبة بضرورة التوجه إلى مستشفى الدمرداش، هناك طلبت الطبيبة المعالجة إجراء أشعة رنين، وبعد أسبوع، كان الرد قاطعًا : "آية مش آية"، سقطت الأم مغشيًا عليها، وهي لا تعلم كيف يمكنها إبلاغ الأب بـ"شيء كهذا"، تقول آية :" والدي بيشتغل على "فرن" في مصنع طوب"، أبلغته الأم هاتفيًا، فسقط على وجهه في النار، تقطع الأم حديث ابنتها قائلة : "النار اللي جوايا مفيش حاجة قادرة تطفيها، إحنا فقرا زي ما أنت شايف، ودايخين ع المسشتفيات، ومحدش بيرحمنا".

في الخارج يستند الأب الستيني، إلى جدار مواجه للغرفة، مرددًا عبارة" لا راد لقضاء الله"، بينما تستكمل "آية"- روايتها، أخفينا الأمر لمدة عام على الجميع، خلال هذا العام، بدأنا رحلة معاناة جديدة في أروقة- قصر العيني-، أشعة وتحاليل، تؤكد النتيجة الأولى، ومقابلات تنبثق عنها أسئلة غريبة علينا من نوعية :" بتعملي إيه لما تشوفي ممثل بيبوس ممثلة في التليفزيون؟"، أصمت !

في قصر العيني –بحسب روايتها-لـ"مصر العربية"، أجرى د.طه عبدالناصر،عضو لجنة تصحيح الجنس بنقابة الأطباء، كشفًا طبيًا عليها- ، وقال للأم "آية مينفعش تكون ولد"، وسألها: إنت عايزة تبقي ولد، ولابنت؟"، قالت آية : شعرت بصدمة، مش عارفة أنا إيه، ولد، ولابنت !"، وقلت له : عايزة ابقى بنت يادكتور، سألني : عايزة تبقي بنت ليه؟، فقلت: إحنا في بلد ريفي، ومش عايزة حد يتريق عليّ !، تكفكف آية – دموعها، وتستطرد:" طول الوقت كنت بعيط، ومش عارفة أنا إيه".

بنظرة زائغة، تتسق مع حيرتها، في إدراك طبيعتها، تفصح الأنثى الظاهرة حبيسة "الذكورة"، عن تفاصيل زيارتها لـ"نقابة الأطباء"، حيث أول لقاء مع شيخ أزهري، ضمن لجنة "تصحيح الجنس"، معرّجة على خطاب ديني كائن في عبارة مطولة :" هذا قضاء الله، والابتلاء دليل على محبة الخالق"، متبوعة بسؤال يفوق استيعاب فتاة ريفية متسربة من تعليمها تحت وطأة سخرية الزملاء، وهجر الزميلات، تقول :"سألني الشيخ، أنت أكثر ميلًا للذكورة، أم الأنوثة؟"، فقلت له : "عايزة ابقى بنت"، بعدها أرسلني بخطاب إلى دار الافتاء.

في دار الإفتاء، طلب العلماء حضور الوالد، اتصلت أمي هاتفيًا، فأخبر الشيخ بأنه "عايز مصلحة بنته"، بعدها سألني: لما تبقي ماشية مع زمايلك، بتميلي للشباب، ولا للبنات؟، تقول آية -: "اتكسفت أقول له عايز أضحك مع الصبيان".

تتدخل الأم : "بعدها بشهرين أصدرت دار الافتاء فتوى بتاريخ 25 مايو 2013، تفيد بأن تظل آية أنثى، حرصًا على حالتها النفسية".

حازم .."حلم الأمومة" وكابوس التحول

من نافذة الغرفة، يطل الشقيق الأصغر –يوسف-، يركز مع الكاميرا، فتغالبه دموع "آية"، ترمقه بنظرة، وتـستكمل : عدنا إلى قصر العيني، فأخبرنا الطبيب بضرورة التواصل مع أخصائي جراحة عامة،-"د.أشرف السباعي"-، اتخذ قرارًا بالحجز، وطلب التبرع بالدم، أمضينا شهرًا كاملًا، بلا علاج، باستثناء بضعة أسئلة من أطباء الامتياز، عن الميول النفسية، تجاه الجنس الآخر، وحين نسأل عن موعد العملية، يأتي الرد: "حاضر"، وفقط.

من قصر العيني-حيث انعدام النتائج-، إلى عيادة طبيب نفسي، كفصل آخر في "الدوخة"-بحسب وصف الأم،-تقول : سأل الطبيب، "بنتي" : حد طلب منك تبقي كده؟،، فأجابت بـ"لا"، استمرت 3 جلسات بالأسئلة ذاتها، ثم أرسل معنا خطابًا مغلقًا، لـ"د.طه عبدالناصر"-قصر العيني-، هناك أبلغنا أن الطبيب النفسي يوصي باجراء جراحة تبقي عليها كـ"أنثى"، وأردف قائلًا:" آية ملهاش عملية عندي".

مر عامان، من تاريخ الكشف الأول، انتشر الأمر في القرية، تقول آية:" زميلاتي البنات تجنبوني، والصبيان بيبصولي نظرة وحشة، وأهلي شمتوا، ومحدش وقف معايا".

يخيم الصمت على الغرفة، حيال بكاء على قدر مشترك لـ"الأم، وابنتها"، اتجول بعيناي، على جدران تكسوها أحلام الطفلة البريئة، قبل إدراك الفاجعة، حيث أمنيات الأمومة لـ"طفلين"، أحدهما أسمته على جدارها "فارس"، والآخر "حازم"، فأصبحا اسمين محتملين لها بعد بضعة أشهر، عقب إجراء جراحة "تصحيح الجنس".

تقول "آية"-التي استقرت على إسم حازم-، وهي تشيح بوجهها إلى فضاء خاص، قلت لـ"د.طه عبدالناصر"، في لقائنا الأخير، عايزة ابقى ولد، سألني : إيه اللي غير رأيك، فأجبت : ارتحت خلاص، أنا بنجذب للبنات، وبحلم بشهوة بالليل، فقال: تحبي اسمك إيه؟..قلت : فارس، أو حازم، فاستطرد: يا حازم روح عند د.محمد عبدالرسول-أستاذ الذكورة، بعدها واصلنا زيارة عيادته لعدة أشهر، وعدت لـ"دار الافتاء"، لإثبات رغبتي في التحول لـ"ذكر"، وحصلت على فتوى بتاريخ 5 نوفمبر 2013، تفيد بالموافقة على إجراء عملية" تصحيح جنس".

تتماسك الأم، قائلة : أنا بقالي شهور دايخة، وحالتي زي ما أنت شايف، وكل مرة يقول لي : "اصبري شوية"، رغم حصولي على شهادة من نقابة الأطباء-إلى من يهمه الأمر-، بتاريخ 24 مايو 2015، تتضمن موافقة على إجراء عملية "تصحيح جنس"، دون جدوى،  بينما تبدي "آية"-حازم- رغبتها في مواجهة العالم، مقابل إنهاء مأساتها.

 تغادر "آية"-حازم، إلى داخل البيت، وتفصح الأم التي لم تبرح جلستها، عن وجع كامن يبدو في عبارتها: "اللي هتشوفيه يابنتي هتبكي بيه دم"، وتدخل السيدة في نوبة بكاء، تثير شجون الزوج الذي لم يعقب، فجأة تظهر –آية- بـ"زي" رجالي، مطبوع بطابع القرية-"جلابية"، وعباءة، وعقال على رأسه(ها)-، تتجول في ممر منزلها، يبتسم الأب، ويدعونا للغداء، متجهًا إلى صالة فسيحة، مجاورة للغرفة، يعود صوت "آية"-حازم-إلى شجونه، تضطرب، فتخرج عبارة عفوية، تلخص كل معاني القهرة، تقول :"أنا بحب ألبس ولد، بس بخاف، ولما بشوف أمي شايلة عيل من بنات قرايبي، بقفل الباب وأفضل أعيط، كان نفسي أفرحها، وتستطرد : " كل اللي نفسي فيه دلوقتي، أعرف نفسي ولد، ولابنت".

60 حالة سنويًا "جنس بيني"

عطفًا على رواية "الأم"، وابنتها، قال د.محمد عبدالرسول..أستاذ الذكورة بـ"قصر العيني"-الطبيب المعالج-، إن تأخير عملية "آية" يخضع لسبب علمي، لافتًا إلى أنها حصلت على موافقة نقابة الأطباء بـ"تصحيح الجنس"، منذ عامين.

وأضاف في تصريح لـ"مصر العربية"، أن "قصر العيني" يستقبل سنويًا 60 حالة "جنس بيني"، مشيرًا إلى أن العملية تستمر لمدة 12 ساعة، ونسبة نجاحها تصل إلى 80%.

ولفت، إلى أن اكتشاف المرض مبكرًا، يدفع إلى تزايد فرص الشفاء، عبر التأهيل، والعلاج، معرّجًا على أن معظم الأهالي يجرون عمليات الختان في الصغر للإناث، دون تشخيص، بما يتسبب في إزالة "العضو الذكري"، في سن مبكر، دون إدراك لمضاعفاته في المستقبل على حالات "الجنس البيني"، وأردف قائلًا:" نجري جراحة "العضو الذكري" فيما بعد سن البلوغ-18 عامًا، عبر اقتطاع أجزاء من الجسم، مؤكدًا أن إجراءها قبل ذلك، لن يؤثر على نمو "العضو الذكري"، رغم نمو الشخص".

 عبدالرسول،  الذي يصف قرار "تصحيح الجنس" بـ"الصعب"، نظير احتمال المريض جراحة مدتها 12 ساعة، أملًا في تحرره من سجن الجسد، يدعو إلى ضرورة معاملة المتحولين جنسيًا، بشكل طبيعي، بعد إجراء الجراحة، نظير كونهم يخضعون لتشخيص طبي، وليسوا في رفاهية التحول.

الطب النفسي يحترم ميول المخنث

على صعيد البعد النفسي للمرض، قال د.سعيد عبدالعظيم..أستاذ الطب النفسي، إن ظاهرة التحول الجنسي، زادت هذه الأيام بين الشباب، بسبب وضوحها عند سن المراهقة، تحديدًا من سن 15-حتى 25عامًا.

ووصف، "الخنثى"، بأنها نوع من الاضطرابات الجنسية، يرتبط بالهرمونات الذكورية، والأنثوية، لافتًا إلى أن أعراضه تأتي في اختفاء الأعضاء التناسلية، إلى جانب أنه يشبه إلى حد كبير مظهر الأنثى.

وأضاف لـ"مصر العربية"، أن غياب الدورة الشهرية، يشير عند البلوغ إلى اختفاء مظاهر الأنوثة، وعندها يتم احترام قرار الحالة، وما إذا كانت تريد الحياة كـ"ذكر"، أو "أنثى".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل