المحتوى الرئيسى

«آيةُ الله العُظمى».. كيف أصبح الشابُّ الفقير ظلَّ الله على الأرض؟! - ساسة بوست

02/23 11:12

منذ 11 دقيقة، 23 فبراير,2016

الحكم الإسلامي ليس طغيانًا يمكِّن رئيس الدولة من العسف بممتلكات الناس وحياتهم واستغلالهم كيفما شاء. *آيةُ الله، روح الله الخميني

الشابّ الفقير، يرتدي عمامةً سوداء إشارةً إلى حمله للنَّسَب الشريف للنبيّ مُحمَّد، اختار أن يكون عالمَ دين كوالده، لكنَّ تفسيره للدين كان مختلفًا عن تفسير والده، تمامًا، بل إنه كان متناقضًا. كان «السيِّد علي الحسيني خامنئي» الابن الثاني في أسرة فقيرة للغاية، ربُّها هو السيد جواد خامنئي، وعندما نقول «أسرة فقيرة للغاية» نعني أنّ الأسرة الحسينية كانت تعيش في بيتٍ ذي غرفةٍ واحدة، وقبوٍ «مظلمٍ ضيِّق» وفقًا لوصف خامنئي نفسه، البيت الضيق كان يضيقُ بأهله حين يأتي لوالده ضيوف –باعتباره رجل دين– فيضطرُّون للنزول للقبو حتى ينصرف الضيوف. وكانت ربُّة الأسرة، السيِّدة ميردامادي، غالبًا ما لا تستطيع أن تجهِّز العشاء لأبنائها، ليس لضعفٍ في بنيانها أو مرض ألمّ بها، وإنما لأنهم فقراء للغاية لا يملكون عشاءً، غالبًا ما كان العشاء –الذي تعده السيدة ميردامادي بصعوبة– زبيبًا وخبزًا، فقط.

السيد علي خامنئي وهو صغير

مرَّت الأيَّام، أيَّامٌ كثيرة، أصبح خلالها «السيِّد علي» مرشدًا أعلى للثورة الإيرانيَّة، أنفق أكثر من 500 ألف دولار فقط لشراء آلة أمريكية لفحص الطعام! كما يمتلكُ الآن السيد علي أكثر من مائة حصان ثمنها مجتمعةً أكثر من 40 مليون دولار، موزعةً في مزرعتين مساحتيهما أكثر من 13 ألف متر مربع، وللسيد علي طائرة خاصة لنقل حصانه المفضل «ذي الجناح».. هل أصبح الآن آيةُ الله العظمى غنيًّا، وقام بتعويض الفقر المدقع الذي عاناه عندما كان صغيرًا تحت حكم الشاه؟

ما زالت هناك معلوماتٌ أخرى، أوردها المخرج الإيراني محسن مخبلباف في فيلمه عن خامنئي. يدخِّن «السيد علي» الغليون، لكنَّ السيد الذي يتباهي بكونهِ كان فقيرًا يومًا ما، لم تكن السيدة ميردامادي، والدته، تستطيع أن تجهز لهم طعام العشاء، يهتمّ كثيرًا بالغليونات، فهو يمتلك الآن 200 غليون ثمنها يقارب مليوني دولار، و300 خاتم من الخواتم الثمينة، يبلغ ثمن أحدها 500 ألف دولار، و170 عصا أثرية (أنتيك)، و120 عباءةً فاخرةً، تتخطى أثمانها معًا مليوني دولار. كما يمتلك أسطولًا من السيارات وصل لـ1200 سيارة، منهم 17 سيارةً مصفَّحةً ضد الرصاص.

لكنّ آية الله العظمى، السيد علي خامنئي، لن يكون مرتاحًا إلا حين يستخدم جميع قصور الشاه الظالم، الذي نهب أموال شعبه وفقًا للسردية الثوروية الإيرانية. كما أنه سيستخدم أسطولًا خاصًا من الطائرات والتي بلغت ثماني طائرات.. هل علمت الآن لماذا كان العنوان صادمًا؟ لنقرأ الآن كيف أصبح الشابُّ الفقير ظلَّ الله على الأرض.

في البداية، الشاب الفقير يطلبُ العلمَ في الحوزات

كان السيِّد جواد خامنئي، والد المرشد الأعلى للثورة الإسلاميَّة، رجلَ دين تقليديّ، يؤمن بفصل السياسيّ عن الدينيّ، كعادة فقهاء الشيعة المنتظرين عودة الإمام الثاني عشر الغائب في غيبته الكبرى التي بدأت عام 329 هـ، بدأ السيد علي خامنئي دراسته وهو في الرابعة من عمره في الكتاتيب، بتعلُّم القرآن الكريم، ثم بدأ دراسته بمدينة مشهد الدينية، ثم انطلق لمدينة النجف الأشرف ليحضر لكبار المراجع الشيعية مثل أبي القاسم الخوئي، والشاهرودي، وحسن البجنوردي.

تنقَّل السيد علي، بين حوزة النجف الأشرف وقم ومشهد يدرس العلوم الدينيَّة، وفي نفس السياق وبالتوازي دخل المدارس العادية ودرس حتى الصف الثاني الثانوي، وأثناء فترة الستينات كان الخميني يحمل المرجعية الكبيرة في إيران، بعد انطفاء وهج المرجعيات الكبرى الأخرى، فدرس على يديه السيد علي خامنئي، وأصبح أحد أكبر مريديه، وحين بدأ الخميني انتفاضته عام 1962 كان خامنئي أحد الشباب المتدينين العاملين بقوَّة من أجل نشر أفكار الخميني.

يمكن ببساطة أن نقول إن العديد من «مالكي» المناصب العليا في إيران بعد الثورة الإيرانية هم من الفقراء المعدمين الذين نهبهم الشاه بالفعل، والمعارضين الذين سجنهم الشاه وعذَّبهم في سجونه، كان خامنئي أحد هؤلاء الفقراء المعدمين، وأحد هؤلاء المعارضين الذين سجنوا في سجون الشاه أكثر من مرَّة، بالتحديد تمّ سجنه ستّ مرَّات في الفترة ما بين 1963 و1974. بالجملة لا يمكن أن نقول إنّ النضالات التي قدَّمها خامنئي كانت أعلى من غيرها من التضحيات، فقد فازت الثورة الإيرانية بعد العديد من التضحيات التي قدمها اليساريون جنبًا إلى جنب مع المعمَّمين، بل إن جميع أطياف الشعب الإيراني تقريبًا قد قدَّمت تضحيات كبيرة.

كان خامنئي خطيبًا مفوَّهًا، يمكن تلمُّس هذه الخطابة من خطاباته التي يلقيها كمرشد أعلى للثورة، يتَّسم علي خامنئي بشخصيَّة فريدة نوعًا ما، فوفقًا لأحد مرافقيه في السجن -من تصريحات أفادتها رويترز في تحقيقها عن خامنئي- كان شخصية كأنَّها تحملُ شخصيَّتين في آنٍ، كان منظِّرًا ثوريًّا إسلاميًّا، مدافعًا عن تزاوج السلطة السياسية بالدينية، مناضلًا عن المستضعفين الذين كان أحدهم، كما كان حاضر الدعابة دومًا، يقبل الاختلاف في الآراء مع زملائه في السجن. يحكي أحد رفاقه في السجن أنَّه يومًا شاهد علي خامنئي تحت نافذة زنزانة السجن «يناجي الله ويبكي». يمكن الاطلاع على التحقيق بأجزائه الثلاثة من هنا.

وفقًا لسيرته الذاتية على موقعه الإلكترونيّ، تعرَّض علي خامنئي للتعذيب في زنازين الشاه، كما نُفي أكثر من مرَّة داخل إيران. بعد إطلاق سراحه من سجنه الأخير مُنع من إقامة صلاة الجماعة وإلقاء الخطابات والتدريس وعقد حلقات التفسير حتى في منزله، لكنَّه عمل بشكلٍ سرِّيٍّ تمامًا، وأخرج كتابًا تحت اسمٍ مستعارٍ بعنوان «مشروع عام للفكر الإسلامي في القرآن»، اخرج الكتاب تحت اسم علي الحُسِينِي.

بالمجمل كان السيد علي خامنئي مناضلًا في صفوف الإمام الخميني.

وفقًا لرؤية الخميني، فإن السلطة كمثلث لهُ ثلاث زوايا، تتربَّع «الشريعة» على الزاوية الرأسيَّة منهُ، وتكونُ حاكمة على الزاويتين الأخريين، الزاوية على اليمين هي «الشَّعب» والزاوية على اليسار هي «الوليّ الفقيه». لكنّ صدى هذه النظريَّة التي جاءت في سياق شخصيَّة الخميني لم تكن كذلك في سياقات شخصيَّات السُّلطة الأخرى، بالتحديد لم يكن صدى نظرية الخميني في شخصيَّة خامنئي كما هو في شخصيَّة الخميني.

فقد كان الخميني يعيش في بيتٍ متواضع للغاية شمال طهران، وكانت لديه هيئة من بعض العاملين معه، أمَّا الآن فإنّ المرشد الأعلى، علي خامنئي، يعيش في مُجمَّع ضخم في طهران، يعمل في مكاتب خامنئي حاليًا قرابة 500 شخص، أغلبهم مستقدمون من صفوف الحرس الثوري، كما أنّ لديه ما يقرب من ألفي مُمثِّل في مؤسَّسات الدولة. بالجملة كان الخميني يرى أنّ سلطة الوليّ الفقيه، سلطة مطلقة تمامًا، وله ما لرسول الله وللإمام عليّ من السلطات الدينية والدنيويَّة، على حدّ تعبيره في كتابه الحكومة الإسلاميَّة. لكنّ المشاهد الآن أنّ علي خامنئي لديه من السلطات والإمكانات الاقتصاديَّة الهائلة ما لم يكن للخميني نفسه!

كانت ثورة الخميني انتصارًا للمعمَّمين، أقصت الثورة الإسلامية جميع المكونات السياسية الأخرى، والتي ناضلت جنبًا إلى جنب مع المعممين، وقدَّمت تضحيات كبيرة، أبرز هذه المنظمات كانت منظمة «مجاهدي خلق»، اليسارية الشابة، ومنظمة «فداء خلق» كذلك، وبعض الشخصيات السياسية الليبرالية، استطاع المعمَّمون أن يتخلَّلوا المكاتب الإدارية في الدولة، والمناصب القيادية في الجيش والقضاء والرئاسة، وأصبحت إيران بدلًا من دولة الشاه دولة المعمَّمين.

اقرأ أيضًا: «بيزنس» آيات الله: كيف يتحكم المرشد ورجاله في مفاصل الاقتصاد الإيراني وأمواله؟

كان دور خامنئي بعد انتصار الثورة ذكيًّا للغاية، وحذرًا.

كان خامنئي في الأربعين من عمره حين نجحت الثورة، لم يكن خامنئي مرجعًا كبيرًا، وسنوات نضاله قد تركته بعيدًا عن الاجتهاد الذي يكونُ متطلَّبًا لدى المراجع الكبرى كالخميني وغيره. بدأ خامنئي في شقّ مشواره، وفي البرلمان الإيراني قدَّم دعوى ضدّ الرئيس حينها «أبو الحسن بني صدر» وكان سببًا في محاصرته وهروبه من إيران حين اقتنع رئيس البرلمان بدعوى خامنئي ضد بني صدر بأنه يعمل لتقويض نفوذ رجال الدين. تلا أبو الحسن محمد علي رجائي الذي اغتيل في أغسطس 1981، بعد توليه بشهرٍ واحد، ثمّ بعد ذلك أقدمت «القوى الثورية» على ترشيح السيد علي خامنئي للمنصب، وتولى منصبه بعد أن حصل على أكثر من 16 مليون صوت من مجمل 17 مليون صوت!

وبهذا كان خامنئي يشقُّ طريقه «المقدَّس» داخل معبد السلطة في إيران بحذرٍ وقوَّة. بالجملة حازَ خامنئي بعيد الثورة على عدَّة مناصب هامَّة للغاية، وكان مقربًا للغاية من الزعيم الكبير الذي أصبح ممثلًا له في مجلس الدفاع الأعلى. كما حاز على مناصب:

مسؤول قوات الحرس الثوري الإيراني.

رئيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية.

رئيس مجلس سياسات البلاد العليا.

عندما توفّي الخميني اختير علي خامنئي لخلافته بطريقةٍ كان فيها الكثير مما يمكن تسميته «علاقات القوَّة» بينه وبين غيره، اجتمع مجلس خبراء القيادة في اليوم التالي لوفاة الخميني لاختيار المرشد الأعلى للثورة، كان خامنئي في الخمسين من عمره فقط، وكان رئيسًا لإيران، وكان يحظى بثقة الخميني بالفعل، لكنّ الرجل «الداهية» في النظام الإيراني، هاشمي رفسنجاني، قام بإلقاء كلمة قال فيها إن الإمام الخميني -في حديثٍ خاص بينه وبين رفسنجاني- ذكر خامنئي باعتباره أفضل من يحمل عبئه بعد وفاته. وتمّ انتخابه من قِبَل مجلس خبراء القيادة، الذي ترك عمله منذ تولى خامنئي القيادة من مراقبة المرشد إلى التأكيد على قراراته، و«حراسته».

بالزيّ العسكريّ، أثناء الحرب العراقية الإيرانية

في لقاء المرشد الجديد الأول مع رئيس الوزراء حينها، مير حسين موسوي، قال:

إن المسؤولية التي وضعت على كتفَيْ عبدٍ ضعيفٍ حقيرٍ مثلي بتعيينه مرشدًا أعلى لأمر لم يخطر على بالي ولو للحظةٍ واحدة في حياتي، من الخطأ جدًّا أن يظنّ أحد أنني طيلة أيام النضال أو بعد انتصار ثورتنا أو في الوقت الذي كنت فيه رئيسًا، كنت أتصوَّر ولو للحظة واحدة أنني سأختار لهذه المسؤولية الجسيمة. لطالما اعتبرت نفسي أقل كثيرًا ليس من هذا المنصب فحسب، ولكن من جميع المناصب الأخرى التي توليتها طيلة حياتي، وما زلت أعتبر نفسي طالبَ علمٍ صغير مليئًا بالنَّقص والقصور، بحاجة شديدة للمساعدة بالنصائح والانتقادات من كل فردٍ من أفراد الشعب الإيراني العظيم.

مرَّت الأيَّام وأصبح مير حسين موسوي تحت الإقامة الجبرية بأمر المرشد، الذي قال عن موسوي:

إن جريمة هذا الشخص شنيعة وإذا كان الإمام الخميني حيًّا، ربما كان ليتخذ قرارًا أشدّ في حقه. إذا تمَّت محاكمته فسيحصل على حكمٍ قاسٍ جدًّا وربما لن يرضيكم هذا، لهذا السبب قررت أن أكون لطيفًا معه وأحبسه في منزله.

للتوضيح أكثر، يمكنك قراءة: الدائرة المغلقة .. وهل يُنصح الإمام؟!

بالمجمل يتولى المرشد بشكلٍ مباشر القيادة العامَّة للقوات المسلَّحة، وتعيين السلطة القضائيَّة والمصادقة على صلاحيات رئيس الجمهورية بعد انتخابه، كما يعيِّن مجلس قيادة الدستور ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام. كما يمتلك المرشد أيضًا سلطة إلغاء قرارات البرلمان وإعلان الحرب والسلام، وهو الجهة الوحيدة التي تقوم بتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاثة في إيران.

وندلِّل على ذلك بمثلين فقط للتأكيد على السلطة والقداسة المطلقتين اللتين يحظى بهما خامنئي.

في عام 2008 سنّ البرلمان الإيراني قانونًا يحظر على البرلمان نفسه ممارسة دوره الرقابيّ على الهيئات التي يسيطر عليها المرشد الأعلى. إحدى هذه الهيئات مؤسسة «ستاد» التي تمتلك محفظةً عقارية ووحدات استثمارية ضخمة، وصل رأس مال الهيئة 95 مليار دولار، وفقًا لتقديرات رويترز.

يهدف مجلس الخبراء إلى الرقابة على قرارات المرشد، وتعيينه، وهو الهيئة الوحيدة التي من حقها عزل المرشد إذا لم يستطع القيام بمهامه، وفقًا للدستور الإيراني. تتولى جهة تسمَّى «شورى الحراسة» أمر الإشراف على العملية الانتخابية التي ينتخب فيها أعضاء مجلس الخبراء من قبل الشعب. الطريف في الأمر أنّ شورى الحراسة مكونة من 12 عضوًا، 6 فقهاء، و6 قانونيين. يقوم المرشد بتعيين الفقهاء، بينما يعين رئيس السلطة القضائية القانونيين، الأطرف أنّ المرشد الأعلى هو الذي يعين رئيس السلطة القضائيَّة، وفقًا للدستور الإيراني.

اعتمد السيد علي خامنئي في تدعيم سلطته على زوايا مثلَّث جديد، غير مثلَّث السلطة الخاص بالخميني. ترتكز السلطة الدينية المطلقة للسيد خامنئي في الزاوية العليا للمثلث، بينما تتمحور السلطة العسكرية في الزاوية اليمنى، والسلطة الاقتصادية في الزاوية اليسرى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل