المحتوى الرئيسى

كيف تنجح مصر فى تطبيق النموذجين «اليابانى» و»الكورى»؟

02/23 10:27

■ مجلس الأعمال المشترك يعقد مؤتمرًا بحضور 240 رجل أعمال

■ عدم تنفيذ استراتيجية صناعية و«الانفتاح» غير المنضبط.. عطّلت «القاهرة»

■ المركز الثقافى الكورى: نسعى للتعريف بثقافتنا وعاداتنا فى المحافظات المصرية

■ خبراء: «الصناعات الإلكترونية» و«التعليم» أبرز عوامل نجاح تجارب «طوكيو» و«سيول»

هاجر عمران ـ سمر السيد:

خلال الثمانينات من القرن قبل الماضى، زار الساموراى اليابانى القاهرة للاستفادة من التجربة المصرية فى عِلم الإدارة، والتُقطت له بعض الصور بمنطقة الأهرامات وأبو الهول، واستمرّت البعثات اليابانية حتى الخمسينيات من القرن الماضى؛ للاطلاع على أسباب تفوق المصريين فى إنتاج القطن عالى الجودة. هذه حقائق قد لا يتخيلها البعض عن الدولة صاحبة أشهر الماركات العالمية فى التصنيع الآن، رغم أنها أيضًا محدودة الموارد.

وكما تدرس مصر الآن الاستعانة بالنموذج اليابانى فى التصنيع والنمو الاقتصادى، فإن التجربة الكورية فى النهوض تستحق أيضًا الدراسة بنفس القدر من الاهتمام؛ لأن الأخيرة بدأت التنمية بعد جلاء اليابانيين، ومن ثم فهى دولة مستعمَرة، وبدأت من الصفر أيضًا، مثلها فى ذلك مثل مصر.

وتأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لطوكيو، الأحد المقبل، ضِمن جولة آسيوية تضم سيول أيضًا، وتستهدف جذب استثمارات جديدة وتعزيز التعاون المشترك معهما، خاصة فى مشروع محور قناة السويس، ومجالات البنية الأساسية والطاقة.

قال مصدر مسئول بمجلس الأعمال المصرى اليابانى، إن المجلس يحضِّر حاليًا لعقد مؤتمر اقتصادى تحت عنوان «المؤتمر الاقتصادى المصرى اليابانى»، على هامش زيارة الرئيس السيسى، وبحضور 200 رجل أعمال يابانى، و40 ممثلًا للشركات المصرية من أعضاء المجلس، بالإضافة إلى رئيس الغرفة اليابانية إبراهيم العربى.

وتابع أن المؤتمر سيبحث عددًا من الموضوعات المشتركة، أبرزها تعزيز التعاون وجذب الاستثمارات بمجالات البنية التحتية والطاقة والغاز والتعليم والتدريب، ومن المخطط انعقاد المؤتمر 2 مارس المقبل، أى فى آخِر يوم للزيارة، مضيفًا أنه يتم التنسيق حاليًا حول المؤتمر بالتعاون مع عدد من الوزارات الحكومية والسفارة اليابانية بالقاهرة.

ولفت مصدر مجلس الأعمال المصرى اليابانى إلى أن المجلس أعدَّ قائمة بالمشروعات التنموية المقرَّر عرضها على الجانب اليابانى فى جميع القطاعات الاستثمارية، ومنها مشروعات تنمية محور قناة السويس.

فى الإطار نفسه أكد أتسوشى أكيدا، رئيس مكتب وكالة التجارة الخارجية اليابانية بمصر «جيترو»، لـ»المال»، أن المؤتمر المزمع عقده بطوكيو فى الثانى من مارس المقبل، سيشهد الإعلان عن توقيع بعض مذكرات التفاهم لاستثمارات جديدة.

وأضاف أن لقاء السيسى رئيس الوزراء اليابانى تشينزو آبى، سيتم فيه الإعلان عن استثمارات يابانية جديدة أيضًا، وتابع أنه يفضل أن يتم الإفصاح حينها عن كل التفاصيل.

ومن المقرر أن يبحث السيسى مع آبى برامج التطوير والتحديث الاقتصادى والتنموى والأوضاع الإقليمية بالشرق الأوسط، يرافقه وفد من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة برئاسة الوزير محمد شاكر؛ لتوقيع مذكرات تفاهم بشأن إقامة مشروعات بمجال الطاقة المتجددة.

وشدّد أكيدا على اهتمام الشركات اليابانية بمحور قناة السويس والمشروعات المطروحة فيه، خاصة فيما يتعلق بقطاع التصنيع، غير أنه قال: على الحكومة أن تضع خططًا متوسطة وقصيرة الأجل للنهوض بقطاع التصنيع، وهو ما يشجع الشركات اليابانية على تحويل رغباتها للاستثمار فى التصنيع، إلى حقيقة على أرض الواقع.

وقال: طالبنا الحكومة أكثر من مرة بالاهتمام بسياسات التصنيع؛ لأن الشركات اليابانية تساءلت فى أكثر من لقاء مع ممثلى الوكالة عن السياسات الحكومية لتشجيع التصنيع، وهو أمر شديد الأهمية- وفق تعبيره.

وبسؤال لـ«المال» عما إذا عرض اليابانيون إنشاء منطقة صناعية يابانية بمصر، على غرار المناطق الصناعية الصينية والروسية، قال أكيدا إنه لم يتلقَّ طلبات رسمية بهذا الشأن، مشيرًا إلى ضرورة تقديم حوافز لليابانيين لضخ استثمارات فى هذا الصدد.

وتابع أنه سيغادر إلى اليابان خلال الفترة الحالية، بالتزامن مع زيارة الرئيس المصرى لبلاده، ومن المنتظر أن يعود إلى القاهرة فى السادس من مارس المقبل.

من جهته رفض تاكيهيروا كاجاوا، السفير اليابانى بالقاهرة، الإفصاح عن حجم القروض الميسرة والمساعدات المفترض تقديمها لمصر بمناسبة زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الأسبوع المقبل، مشيرًا إلى أن السيسى امتدح أكثر من مرة اليابانيين فيما يتعلق بالنظام وتقدير العمل وإعلاء قيمة التعليم.

كان كاجاوا قد قال فى تصريحات سابقة إن السفارة تنسِّق مع المسئولين الحكوميين للتحضير لاتفاقيات المشروعات التى سيتم إعلانها خلال الزيارة التى ستبدأ من 28 فبراير الحالى حتى 2 مارس، يليها زيارة كوريا حتى 4 مارس.

وفى استكمال زيارة السيسى لأكبر دول النمور الآسيوية، سيلتقى رئيسة كوريا الجنوبية واتحاد الصناعات الكورى والاتحاد الكورى للتجارة الدولية والوكالة الكورية للترويج والاستثمار والاتحاد الكورى للصناعات الصغيرة والمتوسطة.

ومن المقرر خلال الزيارة إجراء مباحثات حول تطورات المشروعات التنموية التى تنفذها كوريا الجنوبية بمصر، وعلى رأسها مشروع توسعة نظام التحكم الأوتوماتيكى لشبكات التوزيع بشمال القاهرة، بمنحة قيمتها ٢.٦ مليون دولار، ومشروع المجمع التكنولوجى المتكامل بالأميرية، ومشروع الكلية المصرية الكورية للتكنولوجيا.

حقّقت كوريا الجنوبية نموًّا اقتصاديًّا سريعًا، خلال النصف الثانى من القرن العشرين، ما سمح لها بتحقيق تنمية شاملة، فقد استطاعت منذ السبعينيات بناء اقتصادها وصناعتها، بعد سنوات من الاستعمار اليابانى والحرب مع كوريا الشمالية.

وبحلول القرن 21 أصبحت كوريا قوة اقتصادية وتجارية وصناعية وتكنولوجية كبرى؛ نتيجة توافر عدة عوامل أبرزها الاهتمام بتطوير التعليم، والتحول من سياسة التصنيع القائم على إحلال الواردات، إلى التصدير.

فى هذا الإطار قال مصدر من السفارة الكورية بالقاهرة إن بلاده ركّزت فى بناء اقتصادها على الصناعات الإلكترونية المتطورة التى لا تتطلب مواد أولية كثيرة، مع وضع استراتيجية قومية للتعليم ونشر الوعى لدى الآباء حول أهمية التعليم فى بناء العقول، ودعم الاقتصاد على المدى الطويل.

وأضاف لـ»المال» أن ماركات سامسونج على سبيل المثال هى الأشهر للعالم الآن عن كوريا، وهو ما يدل على نجاح البلاد فى رسم صورة ذهنية جيدة عن الصناعات الكورية، إلا أنه قال إن بلاده تسعى خلال الفترة الحالية لنشر الثقافة الكورية حول أنحاء العالم؛ لأن كوريا أكبر بكثير من مجرد علامة تجارية ناجحة.

من جهته قال السفير حسين هريدى، الخبير فى العلاقات الدولية، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن بدء اهتمام دولتى كوريا واليابان بالاقتصاد تمّ بالتوازى مع المشوار الذى بدأه المصريون فى خمسينيات القرن الماضى، إلا أن دولتى آسيا الآن فى مكان مختلف تمامًا عما وصل إليه الاقتصاد المصرى.

وتاريخيًّا خضعت كوريا الجنوبية لاستعمار اليابان لمدة 26 سنة، من عام 1919 إلى 1945، ثم لاستعمار الولايات المتحدة الأمريكية لمدة 4 سنوات من 1945 إلى 1949، ولم تحصل على استقلالها إلا فى عام 1947، ورغم عُمرها القصير وما مرّت به من حروب واستعمار، فإنها استطاعت أن تنهض وتبنى اقتصادها بقوة، مع العلم بأن كوريا الجنوبية لا تمتلك ثروات معدنية أو نفطية طائلة، و%90 من الثروات الطبيعية تتركز فى كوريا الشمالية.

وأكد هريدى أن تعثر تجربة التنمية بمصر شىء مُحزن جدًّا، فقد كانت مصر أفضل حالًا من كوريا التى كانت دولة صغيرة، واقتصادها صعيف منذ نحو 60 عامًا.

من الجدير بالذكر أن كوريا الجنوبية بدأت فى الستينيات من مستويات متقاربة مع الدول الأفقر بآسيا وأفريقيا حتى وصلت عام 1998 إلى تحقيق معدلات نمو %7، وفى عام 2000 إلى %9، و%4 بين عامى 2003 و2007.

أما تجربة النمو اليابانية فتعتبر معجزة- وفق خبراء الاقتصاد- خاصة بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية وتحولها من دولة من العالم الثالث، خُمْس مساحتها غير صالح للاستغلال، إلى أن تصبح من كبرى الاقتصادات، من خلال الاستفادة من المساعدات الدولية والاهتمام بتطوير التعليم والتصنيع.

وأضاف هريدى أن المساعدات الدولية المهولة لليابان وكوريا الجنوبية لمنع الزحف الشيوعى ومنع سيطرة الصين عليهما، رفعت اقتصادها بطريقة كبيرة، وهو ما لم يتكرر لدى مصر، رغم العلاقات الثنائية الجيدة لمصر مع الولايات المتحدة وارتباطها بتوفير مساعدات سنوية بعد معاهدة السلام مع إسرائيل.

وأشار إلى أن هناك العديد من العوامل التى طرحتها التجربتان الكورية واليابانية، ويمكن الاستفادة منها، وهى: إعلاء ثقافة العمل كقيمة والتعليم المهنى والحد من الاستهلاك والانضباط الوظيفى واحترام الوقت وتعزيز روح الفريق وإتقان العمل الإدارى واحترام القانون، بالإضافة إلى إعلاء قيمة المعلِّم.

وعوَّل الدكتور عبد المطلب عبد الحميد، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، على زيارة السيسى، للاستفادة من تجارب كوريا واليابان فى التصنيع من أجل التصدير، مؤكدًا أن مصر بدأت تجربتها التنموية تزامنًا مع كوريا الجنوبية واليابان، لكنها تخلّفت نتيجة دخولها فى حروب خارجية، إلى جانب نكسة 1967 ثم حرب أكتوبر 1973، وكان الشعار السائد وقتها هو «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»- وفق تعبيره، ومن ثم تراجع الاهتمام بالشأن الاقتصادى.

وأضاف أن فترة الرئيس السادات التى شهدت الانفتاح والخصخصة، لم تشهد وضع خطة اقتصادية للنهوض بالصناعة، مشيرًا إلى أن فترة الثمانينيات، وتحديدًا فى عام 1982، شهدت بداية الانطلاق تجاه بداية وضع خطة اقتصادية، لكنها للأسف ارتكزت على الاهتمام بالبنية التحتية وليس الصناعة.

وتابع أن التجربتين الكورية واليابانية رزتا على برامج التصنيع من
أجل التصدير والاهتمام بمعايير التكنولوجيا الفائقة والجودة، رغم عدم امتلاكهم أى خبرات أو موارد طبيعية، كالتى تمتلكها مصر.

وانتقد عبد الحميد عدم تحديد الحكومة برنامجًا تصنيعيًّا محددًا وفق برنامج زمنى محدد يهتم بزيادة حجم المكون المحلى فى الصناعات، كما يحدث حاليًا فى قطاعات السيارات، وهذا يحفز عودة دور الدولة للتواجد فى الإنتاج.

ترتبط مصر مع دولتى كوريا واليابان بعلاقات تاريخية ومهمة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والثقافة والسياسة، ووفق إحصائيات البنك المركزى المصرى بلغ حجم الاستثمارت اليابانية بنهاية العام المالى 2014/ 2015 نحو 60.6 مليون دولار، مقابل 66.4 مليون دولار خلال العام المالى السابق عليه.

ووفق الرئيس السابق لوكالة التعاون الدولى اليابانية «جايكا» هيديكى ماتسوناجا، فإن تجربة المساعدات اليابانية لمصر لا ترتبط بأى شروط سياسية، وهى تشكل تجربة مختلفة عن تجارب الدول الأخرى، وتقدم اليابان مساعدات التنمية الرسمية لمصر من خلال 3 نوافذ، الأولى تتمثل فى المِنح التى تُخصَّص لإقامة مشروعات اقتصادية واجتماعية وثقافية، وكان أبرزها مشروع كوبرى مبارك للسلام، ومستشفى أطفال أبو الريش، وإنشاء دار الأوبرا، ومنها منحة قيمتها 570 مليون دولار لمواجهة آثار زلزال أكتوبر 1992.

كما يوجد برنامج المعونة الفنية الذى يتم من خلاله إرسال الخبراء اليابانيين أو استقبال متدربين مصريين فى اليابان، وإعداد دراسات الجدوى للمشروعات التى سيتم تمويلها من المِنح، وتشرف عليها الوكالة اليابانية للتعاون الدولى (JICA) وهى قروض ميسَّرة تتميز بانخفاض أسعار الفائدة وطول آجال السداد وفترات السماح، وتخصيص عادة لتمويل مشروعات البنية الأساسية.

وحصلت «المال» على بيانات من الوكالة اليابانية للتعاون الدولى، فى وقت سابق تقدِّر حجم القروض التى تلقَّتها مصر من اليابان على مدار تاريخها، بـ534.278 مليون ين يابانى فى مشروعات النقل والبنية التحتية والطاقة والرى والزراعة وغيرها، بينما تمَّ توجيه مبلغ آخر من المِنح لمشروعات تنموية، من بينها بناء دار الأوبرا المصرية.

وأكدت أحدث بيانات البنك المركزى المصرى أن الاستثمارات الكورية العاملة بالسوق المحلية، سجّلت ارتفاعًا بنسبة %70.8 خلال العام المالى 2014/ 2015 لتبلغ 163.5 مليون جنيه، مقابل 47.3 مليون خلال العام المالى 2013/ 2014، تعمل فى الصناعات البتروكيماوية والمنسوجات والصلب والسيارات والإلكترونيات والإنشاءات والمقاولات. ومن بين الشركات الكورية الكبرى التى لها استثمارات بمصر: سامسونج، وهيونداي، وبوسكو، ودوسان، ودونج إل.

وعلى مستوى التعاون الفنى مع كوريا، كانت الوكالة الكورية للتعاون الدولى قد أعلنت، فى نوفمبر من العام الماضى، انتهاء تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع توسعة نظام التحكم الأوتوماتيكى لشبكات التوزيع بشمال القاهرة، بمنحة قيمتها 2.6 مليون دولار، تم التوقيع فى يوليو 2015 على الخطابات المتبادلة الخاصة بتنفيذ دراسة جدوى مشروع المجمع التكنولوجى المتكامل بالأميرية.

وكانت الحكومة الكورية قد أكدت رغبتها فى تعزيز التعاون فى الفترة المقبلة مع مصر، والاتفاق على استكمال الإجراءات اللازمة للتوقيع على اتفاق مشروع تطوير نظم إشارات السكك الحديدية من نجع حمادى إلى الأقصر الذى ستتيح بموجبه الحكومة الكورية قرضًا قيمته 115 مليون دولار.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل