المحتوى الرئيسى

انحرافات "ثورة الياسمين"

02/22 07:04

صحف عربية: ثورة الياسمين التونسية في مهب الريح

بعد مرور أسبوع على انهيار نظام زين العابدين بن علي، هاتفني صحافي الماني كنت قد تعرفت عليه في ميونيخ خلال اقامتي الطويلة فيها ليعلمني انه جاء الى تونس ليكتب سلسلة من التحقيقات عن "ثورة الياسمين"، وانه يرغب في لقائي. رحبت بقدومه، واقترحت عليه ان يزورني في الحمامات حيث اقيم، فوعدني بذلك.

في تلك الفترة كانت تونس من شمالها الى جنوبها، ومن غربها الى شرقها تعيش اياما عصيبة على جميع المستويات. فبسبب الانهيار السريع للنظام الذي حكم البلاد على مدى 23 عاما، لم تعد الشرطة قادرة على حفظ الامن، لذا كان على الجيش ان يخرج من ثكناته للاضطلاع بهذه المهمة العسيرة والمضنية. ومع ذلك كانت اعمال العنف تزداد خطورة يوما بعد اخر. وكان المنحرفون واللصوص يقومون بهجمات على المحلات التجارية الكبيرة لينهبوا محتوياتها، ثم يشعلون النار فيها. ولم تسلم البنوك والمؤسسات العامة والخاصة من مثل هذه الهجمات التي كانت تتم في واضحة النهار. وكان رموز نظام بن علي يطردون من مكاتبهم ومن منازلهم، تلاحقهم اللعنات والشتائم. بل جرى الاعتداء بالضرب على الكثيرين منهم. 

في الحمامات، نهبت واحرقت فيلاّت الطرابلسية، اشقاء زوجة بن علي، وايضا فيلا صهره صخر الماطري الذي كان قد فرّ مع زوجته خارج البلاد. وشاعت اخبار تقول بان مجموعة من الشبان المنحرفين قاموا بذبح نمر كان في حديقته، ونظموا سهرة حمراء على الشاطئ الجميل في ليلة مقمرة جرى خلالها شي لحمه.

باختصار، لم يكن يمر يوم واحد من دون وقوع مصائب وكوارث جديدة.

عندما جاء الصحافي الالماني للقائي، دعوته الى مطعم "الكوندور" في الحمامات الجنوبية. وامام طبق من السمك اللذيذ، اخذ يعرض عليّ خواطره وافكاره بخصوص ما شاهد وسمع. وقال لي انه استاء كثيرا من الحرائق المندلعة في نواحي مختلفة من العاصمة، وضواحيها، ومن الهمجية والفوضى التي افسدت الفرحة الكبيرة بـ"ثورة الياسمين"، ومن فتيان هجموا على مسيرة للنساء الديمقراطيات، وراحوا يقذفوهن بالحجارة وهم يصررخون غاضبين: ”عودوا الى المطابخ يا (…) واغسلوا ارجل ازواجكن!”. وفي يوم من تلك الايام السوداء، حدث ما روعه وكدره. فقد داهمت شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد الانتفاضات التي اطاحت بنظام بن علي، عصابات من الشبان كانوا مسلحين بالعصي والخناجر، والأحجار التي كانوا يقتلعونها من الارصفة، وشرعوا يحطمون واجهات المقاهي، والمحلات التجارية، ويعتدون على المارة، ويطاردون رجال الشرطة الذين اعتصموا بوزارة الداخلية خوفا من ان يتمّ سحلهم. ثم ختم الصحافي الالماني حديثه قائلا: ”اسمح لي ان اقول لك اني اصبت بالاحباط ... لذا ساعود غدا الى ميونيخ لاني اعتقد اني ساكذب على القراء ان انا زورت الحقائق واوحيت لهم ان ما عشته يدل على ان هناك ثورة في تونس يسموها "ثورة الياسمين"، ويسموها ايضا "ثورة الكرامة والحرية".. فانا لم اشاهد حتى الان ما يدل على ان التونسيين يريدون المزيد من الخراب والدمار لبلادهم، ولا رغبة لهم في بنائها وفتح صفحة جديدة في تاريخهم الموسوم بالمظالم والفساد السياسي”. ثم اضاف الصحافي الالماني قائلا: ”انت تعلم ان جل المدن الالمانية بعد انهيار النازية كانت اكواما من الانقاض والخرائب. غير اننا لم نستسلم لليأس، بل شرعنا فورا في اعادة الإعمار. وكانت النساء في المقدمة. وفي ظرف خمس سنوات استعادت المانيا عافيتها، واخذ اقتصادها في الصعود. لذا يمكنني ان اقول لك ان الثورات التي تبدا بالتخريب والعنف والتطرف لا يمكن ان تؤدي الا الى المزيد من هذا كله".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل