المحتوى الرئيسى

بريطانيا فرضت شروطها وأوروبا استجابت

02/22 00:00

كاميرون انتزع شروطه من أوروبا ويتهيأ لخوض الاستفتاء الشعبي

بريطانيا: معركة البقاء في أوروبا.. ومعادلة التنازلات السياسية

تم الاتفاق وبريطانيا باقية في الاتحاد الأوروبي

حدد رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون يوم 23 من حزيران (يونيو) المقبل موعدًا لإجراء الإستفتاء حول البقاء في الإتحاد الأوروبي، مسلحًا بتنازلات اشترطت المملكة المتحدة الحصول عليها للبقاء في صفوف الإتحاد، ما سيمكنه من قيادة حملة إنتخابية لإقناع الناخب البريطاني بالتصويت لصالح الـ "نعم" في الإستفتاء المزمع تنظيمه بعد أربعة أشهر من الآن.

لندن: استطاع رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الحصول على اعتراف أوروبي بامتلاك الإتحاد الأوروبي عدة عملات مالية، وان يكون لبريطانيا رأيٌ استشاريٌ في القرارات التي تتخذها منطقة اليورو إن عارضت مصالحها المالية، بعدما رفض الأوروبيون، خاصة فرنسا وألمانيا، منح لندن حق إستخدام النقض الفيتو ضد القرارات التي يتم اتخاذها في منطقة اليورو. 

كما وتمكن كاميرون من اقناع نظرائه الأوروبيين بالموافقة على تعليق بعض المساعدات الإجتماعية للمهاجرين الأوروبيين في السنوات الأربع بعد وصولهم إلى بريطانيا، وسط تعهد أوروبي بأن بريطانيا لن تكون إطلاقا جزءًا من اوروبا المتحدة، والعمل على تقليص الإجراءات الإدارية والتنقل الحر لرؤوس الأموال داخل دول القارة العجوز.

هل يعتبر الإتفاق نجاحا اوروبيًا- بريطانيًا؟

خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس يقول لـ "إيلاف"، إن معادلة رابح-رابح تنطيق على الإتفاق الذي توصل إليه الجانبان، وأضاف: "بريطانيا حصلت على ما طالبت به، أي نوع من الوضع الخاص داخل الإتحاد الأوروبي نظرا لتعقيدات عملية إنضمامها، حيث لم يكن هناك من حماس في مرحلة اولى، وكان هنالك إعتراض من قبل الجنرال شارل ديغول ولم يحصل ذلك إلا عام 73 عندما وصل رئيس وزراء عمالي متحمس للأمر، وأتى أيضا الرئيس الفرنسي حنيها جورج بومبيدو كي يقنع الآخرين بهذا الإنضمام و منذ ذلك الحين نالت بريطانيا إعفاءات معينة، كانت تسمى دائمًا إعفاءات حسم".

وتابع: "كاميرون لم يحصل على تنازلات كبيرة، ولكنها كبيرة معنويًا فيما يخص ضمان وضع السوق المالي السيتي، أحد المراكز الكبرى للمال في العالم، من دون أن تتأثر بتعاظم حجم منطقة اليورو وتأثيرها على السياسات الأوروبية، كما وحصل كاميرون على تعهد مهم جدا يخرق قوانين الإتحاد بشكل أو بآخر، وهو عدم تقديم كل الضمانات الإجتماعية للمهاجرين الأوروبيين الآتين من دول أخرى إلى بريطانيا".

بدوره، أكد وفيق مصطفى، رئيس المجموعة العربية في حزب المحافظين البريطاني، لـ "إيلاف"، أن رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون كزعيم لحزب المحافظين اتحذ الموقف الضروري في إبقاء بريطانيا جزءًا من أوروبا، لأن الإتحاد الأوروبي بات مجموعة إقتصادية كبيرة.

إلى ذلك، فإن الأوروبيين قدموا ما استطاعوا القيام به لتفادي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، دون المس بمعاهدات الإتحاد الأوروبي والقيم الأوروبية، فيما اكد كاميرون ان بريطانيا لن تكون أبدا جزءا من اوروبا المتحدة، ولن تعتمد أبدا اليورو كعملة وطنية ولن تصادق أبدا على أنظمة الإتحاد الأوروبي غير المجدية، في إشارة إلى منطقة اليورو وفضاء شينغين، فبريطانيا هي عضو في الإتحاد الأوروبي، ولكنها لم توقع على معاهدة شينغين و ليست جزءا من منطقة اليورو.

وفيق مصطفى يقول: "اعتقد انه مقبول أكثر من أي اتفاق آخر، وكان أفضل ما كان يمكن أن يحصل عليه كاميرون في الوضع الآني، خاصة وأن ثمن انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيكون كبيرا ومؤثرا على طريقة الحكم في بريطانيا، وكاميرون لا يريد أن يكون رئيس الوزراء الذي سحب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي".  

وأضاف: "الاقتصاد البريطاني سيستفيد، خاصة أن بريطانيا تصدر واحدًا وخمسين بالمئة من إنتاجها إلى أوروبا، وهذا يمكن أن يزيد، كما وحصل رئيس الوزراء البريطاني على تعهد بتغيير القوانين التي كانت تقيد وتشل الإقتصاد البريطاني".

هذا وحصل رئيس الورزاء البريطاني على اعتراف أوروبي بامتلاك الإتحاد الأوروبي عدة عملات مالية، صحيحٌ ان بريطانيا فشلت في انتزاع تعهد أوروبي بإعطائها إمكانية استخدام حق النقض الفيتو لوقف القرارات التي لا تتلاءم مع سياستها الإقتصادية في منطقة اليورو، ولكنها أٌعطيت  حق التشاور، واعترافا أوروبيا بالجنيه الإسترليني إلى جانب اليورو، و في النهاية هذا أمر واقع لأنه من العملات الصعبة، لكن كان من الصعب تصور أن يصبح بلد خارج منطقة اليورو من المقررين حول مستقبل منطقة اليورو وآليات عملها، بحسب ما أوضح خطار أبو دياب.

وتابع: "في النهاية هي تسوية الحد الأدنى وإرضاء لكاميرون الذي طالب بها، لأن سوق لندن تخشى من البورصة الألمانية في فرانكفورت، وتخشى أيضا من بورصة باريس، تخشى من هذه المنافسة، ولكن الآن يمكن لبورصتي فرانكفورت وباريس أن تتحركا بقوتهما، وتتحرك أيضا السيتي من دون عوائق".

وحصلت المملكة المتحدة على تنازلات أوروبية لم تمس بجوهر المعاهدات الأوروبية الموقعة إذ لا تتضمن تغييرا جوهريا ولكن تنازلات مرحلية، منها الموافقة على تعليق بعض المساعدات الإجتماعية للمهاجرين الأوروبيين في السنوات الأربع بعد وصولهم إلى بريطانيا للحد من المميزات والإستحقاقات الممنوحة لمواطني دول الإتحاد الأوروبي الراغبين بالعمل في بريطانيا وهو ما يُعتبر مخالفا لحرية التنقل داخل الإتحاد ويتناقض مع حق كل مواطن اوروبي في الإستفادة من الضمانات الإجتماعية لمهاجري الإتحاد الأوروبي.

وتفيد الإحصاءات بإنتقال ثلاثة ملايين شخص من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا في السنوات العشر الأخيرة، ويقول خطار أبو دياب: "إذا ما قمنا بمقارنة التأمين الإجتماعي في بريطانيا مع دول مثل فرنسا أو شمال أوروبا  فهو متأخر، ولكنه متقدم عن دول شرق أوروبا ووسط أوروبا، ومن هنا كانت الخشية البريطانية أن يشكل ذلك حافزا للمزيد من الزحف نحو بريطانيا، لأن لندن يمكنها منع اللاجئين المتجمعين في معسكرات بؤس في منطقة كاليه الفرنسية على بحر المانش من دخول أراضيها، ولكن لا يمكنها حسب القانون الأوروبي ان تمنع بولندي أو تشيكي أو روماني من الوصول اليها".

الإتفاق الأوروبي البريطاني سيعرض على البرلمان الأوروبي لإقراره قبل دخوله حيز التنفيذ، وتظل الكلمة الأخيرة للشعب البريطاني الذي سيحدد مصيره بالبقاء في الكتلة الأوروبية أو الإنسحاب منها في الإستفتاء الشعبي المزمع تنفيذه في 23 من حزيران المقبل.

خطار أبو دياب يرى أن المشكلة الكبرى لن تكون في البرلمان و لكن في محكمة العدل الأوروبية لأن مسألة المساواة بين المواطنين الأوروبيين ستكون هنا على المحك و نحن امام سابقة يمكن أن تفتح مجالا لطلب استثناءات أخرى، وهذا لا يبشر بالكثير من التقدم في صيغة الإتحاد الأوروبي قانونيا وسياسيا في المستقبل".

هل تعتبر بريطانيا إضافة للإتحاد الأوروبي؟

نستذكر عبارة الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي قال يوما يجب أن تبقى المملكة المتحدة قوية داخل إتحاد أوروبي قوي.

خطار أبو دياب هو مع  الذين يرون أن البريطانيين يطبقون على الإتحاد الأوروبي شعار: "ما لنا، لنا وحدنا، وما لكم، لنا ولكم"، وضيف: "لكن المسألة هي أكثر إشكالية لأن وحدة المملكة متصلة ببقائها في الإتحاد الأوروبي، وصحيحٌ ان كاميرون في المرة الماضية نجح في منع اسكتلندا من الانفصال، ولكن نسمع اليوم في استكلندا أصواتا تقول إذا تقرر في الإستفتاء في شهر حزيران (يونيو) المقبل إنفصال المملكة المتحدة عن الإتحاد الأوروبي فاسكتلندا ستطالب من جديد في إستفتاء لتقرير المصير".

ذكر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند  رئيس الورزاء البريطاني دايفيد كاميرون بان أوروبا ليست ساحة يمكن أن يختار فيها كلُ واحد ما يلائمه و يترك ما لا يناسبه.

في هذا الإطار، يرى خطار أبو دياب أن بريطانيا بحاجة للتجارة والأمن، وعندما يكون هناك تكتل بحجم الإتحاد الأوروبي لا يمكن عدم التعامل معه من الناحية المنطقية ومن ناحية أخرى إن الإتحاد الأوروبي من دون بريطانيا ناقص، وتظل المشكلة الكبرى عند ألمانيا التي تعبر قاطرة الإتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو التي ما زالت تفتقر لقوة عسكرية ما يتناقض مع فرنسا وبريطانيا اللتين تخصصان ميزانيتين للنفقات والجهد العسكري، و من ناحية أخرى تُعرفُ الديبلوماسية البريطانية بحنكتها السياسية والتاريخية، ومن هنا تأتي أهمية  بقاء بريطانيا في الإتحاد الأوروبي خاصة وسط أزمة اللاجئين والإرهاب والمشاكل حول إتفاق شنغن، وبالتالي إن خروج اليونان أو بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيضع هذا الإتحاد في وضع حرج".

رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون أكد أن أن بريطانيا لن تكون إطلاقا جزءا من أوروبا المتحدة، لماذا التفاوض إذًا للبقاء؟

خطار أبو دياب يضع تصريحات كاميرون في خانة رفض بريطانيا تحول أوروبا إلى أوروبا الفيدرالية أي أن تصبح، كما يريد  البعض في ألمانيا ودول أخرى، الولايات المتحدة الأوروبية تحت سيطرة ألمانية بشكل او بآخر.

وأضاف: كاميرون يرفض تحول أوروبا إلى الولايات المتحدة الأوروبية لأن الإتحاد الأوروبي هو عبارة عن تجمع دول عريقة وممالك وإمبراطوريات قديمة، لها تاريخ معقد بين بعضها البعض ولها طموحاتها الخاصة، وكما رفضت فرنسا على غرار إيرلندا الدستور الأوروبي الموحد في عام  2005، فالبريطانيون لا يريدون التوجه نحو الولايات الأوروبية المتحدة.

بريطانيا تريد المحافظة على سيادتها وعلى عملتها الوطنية وعلى استقلالية قرارها السياسي عبر البقاء بعيدة عن مركزية القرار الأوروبي في بروكسل حيث الهيمنة الألمانية.

الإتحاد الأوروبي هو اتحاد  وليس وحدة أوروبية، يقول وفق مصطفى، و هو امر جليٌ  من خلال هذا التقارب الكبير الذي شهدناه بين الدول الأوروبية في السنوات العشر الماضية، منها وجود الإتصال البري بين بريطانيا وفرنسا وزيادة التجارة، و لكن ذلك لا يلغي دخول معطيات جديدة وهي صعود الصين والهند وأسواق أميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.

 ومن هنا يرى وفيق مصطفى بأن هناك أشياء تدفع للتغير وإصلاح الإتحاد الأوروبي.

هل استطاعت الدول الأوروبية المحافظة على توازناتها الداخلية وعلى ديناميكيتها في الإتفاق الذي توصلت إليه مع بريطانيا؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل