الثابت الكوني وانزياح الأمواج الثقالية نحو الأحمر

قد يتطلب الإطار النظري الذي تندرج تحته الأمواج الثقالية إعادةَ تجديد؛ وذلك للأخذ بالحسبان الطاقة المظلمة والتسارع في توسُّع الكون. هذه الخلاصة التي توصَّل إليها الباحثون في الولايات المتحدة حيث قالوا إنه في حين لن تتأثر الأمواج الثقالية القادمة من مصادر قريبة، فإن مستكشفي الأجيال القادمة كهوائي التداخل الفضائي الليزري LISA وتليسكوب أينشتاين -واللذان يهدفان إلى اكتشاف الموجات الثقالية على بعد مليارات السنين الضوئية- قد يقعون تحت طائلة توسُّع الكون.

يقول الباحثون: " بينما ستستمر مثل هذه التلسكوبات باكتشاف الأمواج الثقالية فإن الإشارات الملتقطة لأمواج أكثر بعدًا قد تكون مختلفة نوعًا ما عما هو متوقع حاليًا".

لقد تم شرح الطاقة المظلمة بأفضل صورة عبر قيمة صغيرة إلا أنها إيجابية للثابت الكوني، والذي يصف كثافة الطاقة في الفضاء. وكان ذلك العامل الشهير الذي تخلص منه ألبرت أينشتاين في نظريته في النسبية العامة، عندما اكتشف عام 1929 أن الكون آخذ بالتمدد.

للسنوات الـ 69 التالية افترض واضعو النظريات أن قيمة هذا الثابت الكوني هي الصفر.

مع ذلك، في عام 1998 اكتُشف أن توسُّع الكون متسارع، ويعود ذلك للطاقة المظلمة الغامضة، ليعود الثابت الكوني للظهور في المقدمة.

ولأن الثابت الكوني كان ذا قيمة شديدة الصِّغر (10^-52 م2 ) فقد افتُرض أن تأثيره سيكون مهملًا على الوصف الرياضي للأمواج الثقالية. مع ذلك، اعتَقد أبهاي إشتيكار Abhay Ashtekar وزملاؤه في معهد الجاذبية والكون التابع لجامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة Institute for Gravitation and the Cosmos at Penn State University in the US، بأن الثابت الكوني يُلقي إلينا بمفاتيح العمل لنظرياتنا الحالية حول الأمواج الثقالية.

يقول أشتيكار: "حتى ثابت كوني صغير يُلقي بظلالٍ طويلة على نظرية الأمواج الثقالية"، وقد صرَّح لموقع Physics World بأن النظرية الحالية والتي وضعها كلٌّ من هارمان بوندي Hermann Bondi، رينر ساكس Rainer Sachs وروجر بينروز Roger Penrose، منذ أكثر من خمسين عامًا تجعل مثل هذا الاستخدام القوي للافتراض بأن الثابت الكوني مساوٍ للصفر أمرًا يجب إعادة بنائه من الأساس. 

بدأ أشتيكار مع مجموعةٍ هذه العملية، مشتقِّين تعميمًا جديدًا لمعادلة أينشتاين الرباعية الشهيرة، والتي تصف المُعدَّل الذي تحمل به الأمواج الثقالية الطاقة من نظام يحتوي اثنين أو أكثر من الأجسام فائقة الكتلة، كنظام ثنائي من الثقوب السوداء. إن اندماج ثقبين أسودين ليُؤلفا ثقبًا أسودَ واحدًا يُعطي الثقب الأسود الناتج ضربةً ثقالية وحيدة الاتجاه، يقوم فريق العمل بتعديل المعادلة الرباعية ليعطي وصفًا أكثر دقة لهذه الضربات.

مع ذلك، فإن إعادة هيكلة الإطار النظري العام للأمواج الثقالية التي وُضعت في الستينيات من القرن الماضي بواسطة كل من بوندي، ساكس وبينروز، يُشكل تحدّيًا أكبر بكثير، يقول أشتكار: "ويعود ذلك إلى أننا من أجل ثابتٍ كوني أكبر من الصفر لا نعلم حتى الآن ما تعنيه الأمواج الثقالية في النسبية العامة المُطلقة، وليست لدينا التعابير التي نصف بها الطاقة والزخم الذي تحمله". 

وفقًا لثلاثي ولاية بنسلفانيا، فإن تأثير الثابت الكوني هو عملية تراكمية، كلما ازداد بُعد الجسم الذي يُصدر الأمواج الثقالية كان على الأمواج الثقالية أن تقطع مسافةً أكبر في الفضاء لتصل إلينا، وبالنتيجة يكون تأثير الثابت الكوني أكبر عليها.

الجيل الحالي للاستكشاف الأرضي، مثل اللايغو Laser Interferometer Gravitational-wave Observatory LIGO المُتقدم، بإمكانه استكشاف أمواج ثقالية من أجسام على بعد يصل حتى 800 مليون سنة ضوئية. وفقاً لأشتيكار، هذا ليس بالبعد الكافي ليكون هناك تأثير ملحوظ للثابت الكوني.

مع ذلك، فإن على ليزا (LISA) وتيليسكوب أينشتاين أن يكونا قادرَيْن على اكتشاف أمواج ثقالية من الجانب الآخر للكون المرئي، ويجب إعادة النظر في المعادلات الرياضية لهذه الإشارات.

يقول مارتن هندري Martin Hendry من جامعة غلاسكو والذي لم يُشارك بأعمال بنسلفانيا: "أنا مأسور بالتصريح بإمكانية وجود بعض النتائج القابلة للقياس لمصادر أطوال موجية كبيرة وعلى مسافة كبيرة يمكن سبرها مستقبلًا"

يقول ب.س ساذيابراكاش B S Sathyaprakash من جامعة كارديف Cardiff والذي لا يشارك في الأعمال الحالية: "ربما تحمل إشارات الأمواج الثقالية المكتشفة عبر المسافات الكونية بصمة الطاقة المظلمة"، ويمكن استخدامها لسبرها، ويُضيف: "سيكون لكيفية تعديل إشاراتنا بإدراج التصحيحات التي تنبأت بها أعمال أشكيتارا أهمية بالغة، وهذا ما نتطلع للقيام به في السنوات القادمة".

إن المراصد أمثال ( LISA: Laser Interferometer Space Antenna Project) وتيليسكوب أينشتاين الفضائي لن تكون جاهزة للعمل قبل الثلاثينيات من هذا القرن، مما يتيح الفرصة للنظريين لإعادة صياغة المعادلات.