المحتوى الرئيسى

آدم يس مكيوي يكتب: شبرحون عبد الشنفكرير

02/21 16:35

أتذكر أنه بعد ثورة 25 يناير بفترة وجيزة في عام 2012 في فورة الإنعاظ العام، قام إنسان ما برفع قضية على عادل إمام يتهمه فيها بإزدراء الأديان، وذلك لأنه تفوه بألفاظ في مسرحية “شاهد مشافش حاجة” التي عرضت في نهايات السبعينيات، رأى فيها هذا الرجل أثابه الله وأكثر من أمثاله أنها تمثل تعديا على لفظ الجلالة، وخاصة في إفيه ” شبرحون عبد الشنفكرير”، وقتها قمت بالذهاب لقاعة محكمة لأول مرة في حياتي، وقتها فكرت في نصح الكائن الذي قام برفع القضية على عادل إمام أن يطالب بمنع أفلام إسماعيل يس، لأنها تحتوي على إفيهات تسخر من النصوص المقدسة مثل “إنا اسفهناكم” و”خلق فشلفط”، أو يحاكم رفات فريد شوقي الذي خرج مع ليلى رستم في حوار يقول إنه يتناول يوميا في غير أيام التصوير ثلاثة أقداح من الويسكي. ردهات متسخة بها العديد من الرائحين والغادين وأتى في بالي خاطر، ربما هذا الرجل هو نفسه شبرحون عبد الشنفكرير الذي يلاحق الناس في كل مكان رافعا عصاه مثل المطوع السعودي بتشجيع من الدهماء والغوغاء، الذي يطرب أذانهم المتسخة بالشمع خطاب الأخلاق، أوليس مرتضى منصور أحد دعاة الأخلاق في بلادنا؟!

ناس في بؤس مدقع ينتظرون أن تعطف عليهم السماء بالفرج، الذي لا يأتي إلا بطلوع النفس، وعساكر غلاظ يدفعون الناس، ورائحة صنان عبقت المكان، ومحامون متسربلون بالرداء الأسود، ومرواح علاها التراب والعنكبوت تئز في الأسقف.. نظرت داخل القاعة المزدحمة حيث تلمح القضاة بالكاد جالسين على منصتهم، أمامهم العديد من الأوراق، بينما بسبب إنعدام الصوت يقف أمامهم عدة محامين منهم المدعي ومنهم محامي المتهم، يقومون بعرض بانتومايم صامت، ثم يسكت القاضي، أحاول أن اتبين ملامحه وسط الضجيج، وصوت المرواح والبشر والأوراق الطائرة في الهواء.. فيم يفكر هذا الرجل الآن؟ هل سيعطي براءة أم سيدين عادل إمام على إفيه قاله من أكثر من 30 سنة؟ الرجل أعطاه براءة، وهلل البعض وانزعج البعض الآخر، لكن لمّ أعطاه حكما في أول درجة؟ لمّ من الأساس تحال هذه القضايا الركيكة إلى محاكم وينظر فيها وتسمع مرافعات وتهدر أوقات وتضيع سنون من عمر البشر في هذا البله والعبث؟

علمتنا الحياة في مصر أن القوانين مثل الجوارب تستطيع ارتدائها في أي قدم، وأنه من اليسير جدا أن تجد نفسك مدانا في قضية قد أخذت فيها هي نفسها براءة.. وقد تقنع القاضي حيثيات المدعي وفي نفس القضية قد تقنع قاضي آخر حيثيات الدفاع، فيعطيك براءة في دولة سكسونيا أو بطرمونيا على رأي إبراهيم نصر في زكية زكريا.

المشهد تكرر مرة أخرى في محكمة أخرى مع إسلام بحيري، ونفس الردهات ونفس روائح الصنان.. الرجل الذي حمل على عاتقه قضية تجديد الخطاب الديني وتنقية التراث، والطبقات الدهنية الثخينة للفقهاء والعملاء والمفسرين والرواة التي تكونت فوق النص فخنقته.. كان إسلام عنيفا وتأثيره واسع، أقلق مضاجع المؤسسة الرسمية الكهنوتية صديقة الحكام، وبلغ حد السطحية مبلغه من رأس الدولة أن يخرج علينا علنا ويقول بصوته الهاديء: أنا اتكلمت عن إصلاح ديني، لكن لم اتحدث عن إصلاح بهذا الشكل، وكأن رئيس الدولة لويس الرابع عشر.. الملك الشمس نور الأعين ومدفيء القلوب، هو من يضع قواعد الإصلاح الديني.. هو من “السلاطين الفائقة” كما قال بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية، والسلاطين الفائقة هي من ترتيب الرب ولا يجوز الخروج عن ترتيب الرب.

لقد استعمل نظام السيسي إسلام بحيري وأخذه لحما في حربه ضد الإخوان (خصومه السياسيين)، ثم رماه عظما للذئاب الجائعة رافضي أي تجديد وأي عبث في المعتقدات وأي إعمال للعقل.

شيوخ المثقفين بدعم من الأجهزة قاموا باحتلال مبنى وزارة الثقافة في 2 شارع شجرة الدر، وأقلقوا مضجع سكان الزمالك، اعتراضا على وزير الثقافة الإخواني علاء عبد العزيز.. كان كرنفالا رقصوا فيه زوربا، وعزفت إيناس عبد الدايم، وخطبت فتحية العسال في الحشود، وجحظت أعين جلال الشرقاوي، وبرزت عروق خالد يوسف دفاعا عن الهوية المصرية التي كانت ستنسحق تحت أقدام الفكر البدوي الرعوي.. كانت أوراق تمرد توقع أمام الوزارة، وماما سميرة أحمد رمز الأخلاق والزمن الجميل ظهرت في مشهد كاشف لتؤيد الاعتصام والهوية المصرية.

هؤلاء المثقفون ارتاحوا لما فعلوه، ولم يعد يهمهم انتهاك حقوق الإنسان وحرية الرأي التي تذبح يوميا على هيكل النظام المصري.

لقد ارتاح فؤادهم إلى خلع المرسي بالله، واطمأنوا أن السيسي بالله سوف يكون الحبيب بورقيبة II وسيقودنا للإصلاح العلماني المصري، محافظا على مصر الجميلة.. سيدة برأس رجل بشارب،  كما صورها مصطفى حسين في رسومه (البديعة)!

مصر في حضن سلطة لا تقل تزمتا عن الإسلاميين، بل وتزايد عليهم بحبس المبدعين والمثقفين وأصحاب الرأي، كما حدث مؤخرا مع أحمد ناجي، الذي لا ريب أن مشهد القاعة قد تكرر، والإصرار الشديد من نيابة الأخلاق على محاكمة ناجي على مقطع من روايته رأه مشيناً وخادشا للحياء، مثلما رأى الكاتب الإسلامي الفحل محمد عباس رواية “وليمة لأعشاب البحر” لحيدر حيدر منافية للأداب، ومثلما رأى إسلاميون روايات مثل “قبل وبعد” و”أبناء الخطأ الرومانسي” بها مشاهد حسية وجنسية صريحة، رغم أن أفلام البورنو باختلاف أنواعها، حتى نكاح الحيوانات “الزوفيليا” متاحة على الإنترنت للقاصي والداني.

تعالوا إذن أعزائي المحافظين المنزعجين من عبارات ناجي في روايته، نحاكم الإمام السيوطي مفسر القرآن وصاحب أكبر عدد من الكتب الأيروطيقية في تاريخ الأدب المكتوب بالعربية قبل أن تظهر لنا ترجمات خليل حنا تادرس.. تعالوا إذن نحاكم نجيب محفوظ مرة أخرى على “أولاد حارتنا” أو نحاكم مثلا العهد القديم بناء على كتابي جوناثان كيرش ونذير جزماتي “حكايا محرمة في التوراة”.

وفي النهاية قررت أن أرتدي قميص مفيد فوزي المزركش وأبعث ببرقيات مطولة لبعض الناس:

عزيزي المسلم المحافظ الذي يكره الفن والفنانين والإبداع والمبدعين، ويصب عليهم لعناته وأقذع قواميس شتائمه، ثم يختلس النظر لأفخاذ وأوراك وصدور الفنانات في التلفزيون، أو يحمل فيلم بورنو ويشاهده، أو حتى يجاهد النفس ويمتنع عن الفرجة.. اليوم العالم أصبح مفتوحا، وكل شيء متاح علنا، وأقصى ما يمكن أن تطالب به هو منع العمل، لكن كيف يقضى كاتب سنتين من حياته وراء القضبان، لأنه ليس على مزاجك؟

هل تطالب بعودة عصور كان يسجن فيها من في الحكم مخالفه في الرأي، أو يعذبه مثلما حدث مع ابن المقفع وابن حنبل وهما من معسكرين متضادين؟

هل انت سعيد بحبس إسلام بحيري وأحمد ناجي، لكنك تنزعج من سعادة البعض الآخر بقتل وتعذيب الإخوان، ومن لف لفهم، فلا تكون مثل نبيه الوحش وسمير صبري “المحامي وليس الممثل” وشبرحون عبد الشنفكرير الذي يرفع قضايا الحسبة على روحه؟

عزيزي المسيحي المحافظ مؤيد السيسي أناء الليل وأطراف النهار، والمنزعج من قساوة الألفاظ.. ألا تعلم أن وقع هذة الألفاظ على غضاريف أذنك الهشة، مثلها مثل وقع كلمات سيد القمني  وإسلام البحيري -اللذين تحبهما- على المسلم المتدين، وأنك لم تكن تطيق كلام الأنبا مكسيموس، وباركت الكنيسة حين أبعدته؟

ألم تكن تنزعج عندما كان يخرج أبو إسلام ويقول إن الإنجيل “العهد القديم” يحتوي على كلام سكس؟! أم إنك تؤيد النظام حين يسحل ويقتل المعسكر الآخر من الإخوان وتصفق له، لكن لو أتى أحد وداس على طرف حيائك المزعوم، تدمع عيناك بدموع التماسيح المصطنعة؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل