المحتوى الرئيسى

التحريات الفاسدة.. كلمة الظلم التى قضت بالمؤبد عل طفل عمره 3 سنوات

02/21 14:07

كثير من وقائع الاتهام تسقط بسبب التحريات الأمنية، التى عادة ما يصفها المحامون بأنها مكتبية وغير جدية، إلا أن الفضيحة الأخيرة، التى سلط عليها الإعلامى وائل الإبراشي الضوء، بالحكم بالسجن المؤبد على طفل عمره ثلاث سنوات و5 أشهر، ومحاولة الشرطة للقبض عليه، تستوجب وضع حد للاستسهال فى عمل التحريات التى تمس حرية شرفاء، بل وتمس الكرامة دولة كاملة بعد الأزمة الأخيرة.

يُدعى الطفل صاحب الأزمة الأخيرة، أحمد منصور قرني أحمد علي، ويبلغ من العمر 3 سنوات و5 أشهر، وفوجئ والداه بطلب القبض عليه بحجة اتهامه بقتل 4 مواطنين والشروع بقتل 8 آخرين وتخريب ممتلكات عامة أثناء قيامه بالمشاركة في مظاهرة لجماعة الإخوان الإرهابية، والتى قضت فيها المحكمة، بالسجن المؤبد على الطفل و115 شخصا آخرين، بالرغم من كون الطفل وقت الأحداث لم يكن عمره يتجاوز عاما ونصف العام.

وبالرجوع إلى أوراق القضية، نجد أن المتهم فيها يُدعى أحمد منصور قرنى شرارة، وهو يبلغ من العمر 16 سنة وهو هارب، بما يوضح تنافى الاسم والعمر مع بيانات الطفل، إلا أن استسهال رجال المباحث، والخلل فى إجراءات التحرى، فرض الطفل ذو الأربعة أعوام متهمًا، بل وتجبر الضباط للذهاب إلى منزل أسرته للقبض عليه، إلا أن والد الطفل الذى اشتكى من ضيق ذات اليد، اعتاد أخذ الطفل بعيدًا عن المسكن خشية القبض عليه، وظل الأب يبكى ويقول خلال حلقة «الإبراشي» ماحدش هياخد إبنى منى.

براءة العادلى من تهمة الكسب بسبب التحريات

بينما كان «أحمد» طفلًا من أسرة فقيرة، لا يملك والده سوى الاختباء به والبكاء على ولده أمام العامة، بسبب التحريات الفاسدة، والفساد الأكبر فى محاولة إقرارها كأمر واقع، نجد فضائح التحريات تنسف أكبر قضايا الفساد فى بلادنا، وأكبر دليل على ذلك هو حكم براءة حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، بقضية اتهامه بالكسب غير المشروع.

واستندت محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار مصطفى أبو طالب، فى حيثيات حكمها ببراءة "العادلى" من اتهام الكسب غير المشروع والتربح واستغلال النفوذ بما قيمته 181 مليون جنيه، إلى عدم جدية التحريات بشأن المتهم، حيث زعمت زواجه من أجنبية تدعى «أنوشكا»، واعتمدت على أقوال غير صحيحة دون مستند رسمى يثبت ذلك، واتضح أن المدعى عليها متزوجة من شخص آخر ولديها ولدان.

وأكدت المحكمة أن التحريات حاولت إلصاق ثروة «أنوشكا» بثروة المتهم لتضخيمها، إلا أن السيدة تظلمت على ذلك ونفت الزواج المزعوم وقضت لصالحها محكمة جنايات برفع التحفظ على أموالها لانعدام صلتها بالوزير الأسبق.

ولم يقتصر فساد التحريات فى القضية على ذلك، بل أشارت حيثيات المحكمة إلى ضعفها وعوارها فى موضع آخر، وهو اتهام «العادلى» بأنه تحصل على شقق من جمعيات إسكان ضباط الشرطة باستغلال النفوذ، فى حين أن ذلك يخالف الحقيقة لكونه ضابطا له حق الانتفاع بنشاط الجمعية، وبالتالى لا يمكن القول بأنه استغل وظيفته للحصول عليها.

ونفت المحكمة فى حيثياتها ما أوردته التحريات بشأن ثروة العادلى ونقل أملاك منها لنجله القاصر وزوجته إلهام شرشر، بعدما أكدت المستندات التى قدمها دفاع المتهم ولم تشملها التحريات، على أنها غنية قبل زواجها منه، وأنها اشترت مجوهرات قبل زواجها منه بـ3 ملايين و30 ألف دولار، وحصلت على نفقة من زوجها السابق بـ3 ملايين و609 آلاف جنيه، وبعد زواجها من العادلى باعت مجوهرات لها فى 2005 بـ20 مليون جنيه، بما يقطع بغناها وقدرتها على شراء أملاك لنجلها شريف، ولا يُعقل أن تبخل بمالها على ولدها، فضلا عن كونها صحفية بجريدة الأهرام وتتقاضى شهريا 3 آلاف جنيه، بخلاف الأرباح والمكافآت السنوية.

جاء فساد التحريات وعدم كفايتها والخلط فيها لمحاولة إدانة متهمًا، سببًا كافيًا، استندت إليه محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمى، فى حكمها ببراءة محمد الظواهرى، من قضية تنظيم القاعدة الإرهابى، وطلب التحقيق معه فى فيديو منسوب له لا يخص موضوع منفصل عن الدعوى.

وشددت المحكمة على أن الأحكام الصادرة بالإدانة، يجب أن تبنى على حجج تفيد الجزم واليقين لا مجرد الظن، وكل شك يجعل الحكم بالإدانة على غير أساس، فالشك يفسر لصالح المتهم؛ لأن الأصل هو البراءة.

وقالت حيثيات البراءة إن إسناد هذه الاتهامات للمتهمين لا يرقى لإقناع المحكمة، وأن ما أثاره ضابط التحريات في محضره من أن محمد محمد ربيع الظواهري، أسس تنظيما إرهابيا، وعمل على ربطه ببعض التنظيمات الإرهابية، بالداخل والخارج بسلسلة من العمليات الإرهابية بالبلاد، فهذه الرواية لم يقم عليها دليل مادي، إذ لم يضبط المتهم متلبسا بأي من الأعمال الإرهابية، أو حاملا لثمة أسلحة، أو ذخائر، ولم يقرر أي من المتهمين الذين تناولتهم التحقيقات بلقائهم أو تقابلهم معه، الأمر الذي يجعل المحكمة لا تطمئن إلى ما عرضته التحريات، ويساور وجدانها الشك فيما جاءت به.

براءة محمود عامر بقضية اقتحام قسم أوسيم

لأن الأحكام هى عنوان الحقيقة، يطالعنا حكم محكمة جنايات الجيزة، برئاسة المستشار جمال عبد الإله، ببراءة 27 متهما على رأسهم القيادى الإخواني محمود عامر، في قضية اقتحام مركز شرطة أوسيم، في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013، التى أشارت فيها إلى التحريات غير الموثوق فيها، بما اعتبر سببًا لهدم الاتهام.

وكشفت حيثيات الحكم عن أن مُجرى التحريات رئيس نقطة البراجيل التابعة لمركز أوسيم، تجاهل وجود مأمور المركز ونائبه ورئيس وحدة المباحث بديوان المركز في تاريخ الواقعة، ولم يسأل أيًا منهم بالتحقيقات عن معلوماته، ولم يجر أي منهم ثمة تحريات، كما أن العقيد عمرو البرعي وكيل فرقة شمال الجيزة، مجرى التحريات على ما هو ثابت بأقواله إنه كان في إجازة مرضى لمدة 4 سنوات اعتبارا من 29 سبتمبر 2009 حتى سبتمبر 2013، حال أن الواقعة كانت بتاريخ 14 أغسطس 2013..

ووصفت الحيثيات التحريات بأنها غير جدية، لأن تحريات الضابط أحمد محمود، اتهمت مرعى فوزى عبد الرسول بالمشاركة فى الأحداث، والثابت أن المذكور كان مقبوضًا عليه بتاريخ الواقعة 14 أغسطس 2013، وتم استبعاده من الاتهام، كما تضمنت تحريات العميد عمرو محمد البرعى، اسم المتهم العشرين محمد عباس محمد السعيد، حال أن المتهم المقبوض عليه يدعى محمد عباس محمد حسن إدريس، ولدى عرضه المتهم على الضابط بقاعة المحكمة، قرر أنه لا يستطيع تأكيد ما إذا كان المتهم المعروض عليه هو من تضمنته تحرياته باسم محمد عباس حسن إدريس من عدمه.

السخرية من ضابط التحريات أمام المحكمة

شهدت قضية «تنظيم الظواهرى» سخرية منتصر الزيات، عضو هيئة الدفاع عن المتهمين من شهادة ضابط الأمن الوطنى مجرى التحريات، حين سأله عن مكان إقامة المتهم المتوفى فى القضية نبيل المغربى، فأجاب «مش متذكر»، فعلق «الزيات» قائلاً: «يا دنيا اشهدى.. يا أيها الشعب الذى تصدر الأحكام باسمكم.. ضابط التحريات فى القضية مش عارف مكان إقامة أحد زعماء التنظيم الإرهابى المزعوم»، مؤكدًا أن تحريات الأمن الوطنى كانت مكتبية وغير جدية، وتعكس شيوع الاتهام، ولم تحدد دور كل متهم على حدة.

التحريات تلصق اتهامات بأشخاص ولا تدقق اسمهم وسنهم وعملهم

تقول القاعدة القانونية إن أول ما يتعين به أي شخص، يكون اسمه ووظيفته وعمره ومحل إقامته، وهى قسائم متساوية في التدليل بدقة على الشخصية، وبقدر ما تتصف هذه البيانات بالدقة بقدر ما يتصف محضر التحريات بالجدية وبقدر ما يتصف محرر محضر التحريات بالنزاهة والصدق وأول ما يحدد به الشخص الطبيعي اسمه، ومن ثم فإن الخطأ الجسيم في اسم المتحرى عنه يعدم التحريات، وأساس ذلك فوات المقصود من التحري، كوسيلة بحث وتنقيب يفترض دقتها ويتولاها متخصصون.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل