المحتوى الرئيسى

أمنية طلعت تكتب: عندما تعجز عن إطعام الأفواه.. ارفع راية الأخلاق.. واقفل زنازينك علينا

02/21 10:41

على مدار العصور، لا يرفع حاكم أو متنفذ في أحوال الناس راية الأخلاق، إلا عند عجزه عن سداد احتياجات الناس، وإقرار الأمن بينهم، فالـ “صوت” لا يمكن رفعه في الوجوه دون إيجاد مبررات، وبالطبع لا يوجد مبرر أفضل من إقرار الأخلاق والآداب العامة، والتي هي في حقيقة الأمر لم يوضع لها إطار واضح أو بنود محددة لاتباعها، ففي الوقت الذي حاربوا فيه السلفيين الذين رغبوا في دخول البرلمان بفيديوهات جنسية، نسوا أنهم أول من يمارس الجنس غير المؤطر اجتماعياً، وفي الوقت الذي أحبوا فيه أن يدللوا على خيانة سيدة -تعمل بالسياسة- للوطن، نشروا لها صورا تظهر أصدقاءها وهم يحتفلون بعيد ميلادها، بينما تظهر زجاجات للبيرة على الطاولات، ونسوا أن شرب الخمر وبيعه وتداوله وصناعته مقنن، وأن لديهم أموالا تجلب لهم الخمور الفاخرة من الخارج، وأن الأحياء المهمشة تعوم في بحر من خمر وحشيش، وعندما لم يستطيعوا تحسين الاقتصاد والمستوى المعيشي للمواطن، أطلقوا حملة “أخلاقنا”!

هكذا تقع الأخلاق دائما ضحية في يد من لا يرحم، فتُرفع رايتها في غير موضعها، فقط لإحراز هدف في شبكة الخصم، الذي يحاول أن يفعل شيئا حقيقيا على هذه الأرض، لكنه يعلم تماما أن الأفعال التي تحاول رفع وعي المواطن وتحريره من قيد عبودية المتنفذين، تسحب طوبة من صرح بقائه على قمة هرم الديكتاتورية التي تضمن بقاءه.

كل يوم هناك كبش فداء يُقدم إلى المحرقة، وهو ليس معنيا بذاته، لكن حظه العاثر هو الذي أوقعه في يد السلطان، ليقذف به إلى العامة، كي يبرهن أنه يخاف عليهم وعلى مصلحتهم، وبما أنه لم يستطع توفير احتياجاتهم الأساسية، فلينصب نفسه قيّما على الأخلاق، وهذا للأسف ما استطاع حكامنا لأكثر من أربعة عقود أن يفعلوه، فراية الأخلاق المرفوعة منذ نكسة 67 لم نر غيرها، وللأسف؛ كلما تطاولت راية الأخلاق لتنافس السموات، كلما انحدرت الأخلاق إلى أسفل السافلين، وكلما زاد عدد الخرائب، ازدحمت الوطاويط والغربان، ولم نعد نرى أو نسمع، فانغلقت بوابة الفهم والإدراك.

هذا تماما ما حدث ويحدث وسيستمر في الحدوث، فأمس تم الحكم على الكاتب أحمد ناجي بالحبس عامين لنشر مواد أدبية تخدش الحياء العام، وتنال من قيم المجتمع، ولا أدري في حقيقة الأمر عن أي قيم يتحدثون هم؟! هل هي قيم قتل الأبرياء إذا ما طالبوا بحقوقهم، مثلما حدث مؤخراً مع سائق الميكروباص في الدرب الأحمر؟ أم حبس الأطفال مثلما تم الحكم على طفل يبلغ أربع سنوات بالسجن؟ أم قيم الفوضى والإتاوات والرشاوى التي يتم التعامل بها علنا وفي وضح النهار في أي مكان يتبع الحكومة السعيدة؟ أم قيم ترك المخدرات تُباع على أعين الشهود في أرقى وأشهر الأحياء في مصر؟ أم قيم فرض الضرائب فوق الضرائب لإثقال كاهل المواطن الشقيان دون رجال الأعمال والمليارديرات الذين يبتلعون البلد بما فيها في بطونهم ويمعنون في تسخير البشر لهم دون وجه حق، والقانون العظيم أعمى، والقائمين عليه لا يرغبون في تطبيقه في مواضعه الإصلاحية الحقة!

لقد ذكرت النيابة في أمر إحالتها التالي: “ما لبث المتهم أن ينشر سموم قلمه برواية أو مقال حتى وقعت تحت أيدي القاصي قبل الداني والقاصر والبالغ، فأضحى كالذباب لا يرى إلا القاذورات، فيسلط عليها الأضواء والكاميرات، حتى عمّت الفوضى وانتشرت النار في الهشيم”

وبغض النظر عن الأسلوب الأقرب ليوسف بك وهبي وهو يصيح على المسرح في بداية القرن العشرين، أتمنى أن أعرف على أي أساس معلوماتي بنت النيابة الموقرة، رأيها البلاغي الفصيح، فأي مقال هذا الذي وقع تحت أيدي القاصي والداني والقاصر والبالغ …. إلخ.. ألم يخبره أحد أن جريدة أخبار الأدب لا توزع أكثر من ألفين نسخة ولا تطبع سوى سبعة آلاف نسخة على أقصى تقدير؟ وأنها جريدة لا يقرأها سوى خاصة الخاصة؟ فأي قاصي وأي داني يا نيابة يا حصيفة يا بليغة؟ّ!

أليس من الأولى أن تهتم النيابة بالحفاظ على أخلاق العامة بالاهتمام بقضايا التحرش؟ أليس من الأولى الالتفات إلى الأغاني المسفة التي تنتشر كالنار في الهشيم فعلاً؟ أليس من الأولى يا حكومة أن تهتمي بإطعام البطون الجائعة وتوفير الوظائف للعاطلين، وإنقاذ الجنيه من الموت تحت سنابك الدولار؟

بالطبع لا.. فالأخلاق أهم، ورواية أحمد ناجي وخطورتها على تطور مصر الاقتصادي، هي الأحق بالتركيز عليها ووضعها هي وصاحبها عند حدهما!

في مذكرات الأديب اليوناني نيكوس كزانتزاكس “تقرير إلى غريكو”، يذكر الكاتب أنه نهر امرأة فقيرة تجلس على قارعة الطريق وقد كشفت عن فخذيها قائلاً: “احتشمي يا امرأة”، فأجابته السيدة بالقول: “عندما تجوع المعدة لا يفكر الإنسان في الحياء”.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل