المحتوى الرئيسى

هاني فوزي يكتب: ناجى والمجال العام.. والغضب

02/21 10:36

هذا ليس فقط تضامنا مع مبدع، وليس فقط دفاعا عن حرية فكر، إنما دفاع عن الحق فى “استخدام الحياة”، دفاع عن حقنا كمواطنين أن نحيا أحرار، وأن نحيا آمنين، أن نحيا بلا خوف، حقنا أن تتوقف كل ممارسات الإنحراف باستخدام السلطة من قبل كل من لديه سلطة، أن يتوقف العنف الذى تمارسه الدولة – ماديا ورمزيا– ضد كل من يخالف كتالوجها للمواطن.. حقنا أن “نوجد” وأن نعبر عن أنفسا كما نشاء  فى “المجال العام”، الذى تؤممه الدولة وسلطاتها  لصالحها وصالح من تختاره فقط.

من حق الجميع الظهور فى المجال العام وكل يحمل وجهات نظره وإبداعه وفنه وقناعاته وذوقه ويعبر عنهم بكافة الصور.. اتفقوا أو اختلفوا مع الآخرين.. أى آخرين.. اقتربوا أو ابتعدوا عن المركز، مادام كل هذا لا يسبب إيذاء مباشرا ماديا، أو يدعو لعنف ضد أى طرف آخر.

وهنا الاختلاف ليس منة من أحد، بل هو حق أصيل للجميع، وبلا أى نوع من التمييز.. ليس من حق أحد أن يستأثر بالمجال العام، لا أحد هو “صاحب الوطن”، لا الرئيس ولا حكومته ولا قضاءه ولا برلمانه، ولا من يهتفون لهم جميعا.

“الشارع لنا ” بغض النظر عن أى انتماءات أضيق أو قناعات أضيق.. مصر للجميع، لا يحق لطرف نفى أى فرد ارتكازا على أفكاره أو قناعاته أو إبداعه،  مهما كانت درجة اختلافهم أو تناقضهم مع أى ذائقة / قناعة  داخل المجال العام.. “استخدام الحياة” حق للجميع.

من حق أى شخص أن يحمل تحيزاته وأفكاره، وأن يعبر عنها، أن يستخدم خياله ويكتب ويصنع فنا، مرة أخرى مادامت تلك الأفكار لا تتسبب فى ضرر مادى مباشر حقيقي  لأحد، كما تتفق كل المواثيق الدولية، وكما فى كل المجتمعات التى تجاوزت القرون الوسطى.

لا يوجد شئ اسمه “الحياء العام”، يوجد فقط “مجال عام” هو حق للجميع، مفاهيم مثل “الحياء العام” اخترعتها الدولة لتنتهك “المجال العام”، لتمنعنا من الفعل والحركة،  كلمات أحمد ناجى وروايته لم تؤذ أحدا أو تحرض على عنف ضد أحد، لم يُجبر أحدا على قراءتها، من لا تعجبه أو حتى  تغضبه تلك الكلمات يحق له النقد، لكن أن يُعاقب من أجل أن كلماته “خدشت حياء” مواطن، أو أغضبت البعض – كثيرا أو قليلا- بسلب حريته لسنوات، فهذا جنون!

فى المقابل هناك خطابات كراهية وتحريض على العنف ضد المواطنين -أفرادا وجماعات- تخرج من الدولة ومؤسساتها وموظفيها التنفيذيين وإعلامها وتابيعها.. الدولة وأجهزتها ومؤسساتها تنتهك الدستور والمعاهدات الدولية، تنتهك الإنسانية ذاتها كل يوم، ثم تحبس روائيا نشر فصلا من رواية فى جريدة اسمها “أخبار الأدب”، لأن كلماته خدشت هذا “الحياء العام”!

لا أعرف تحديدا النسبة المئوية للمواطنين التى يزداد غضبها يوميا من إساءة استخدام السلطة من قبل الدولة ومؤسساتها.. من تضييق مساحات الحركة.. من مصادرة المجال العام.. من زيادة الأعباء والضغط العصبى.. من زيادة المخاطر.

اعرف فقط أن هناك الملايين من المصريين موزعين فى جسم الهرم الاجتماعى كله، لديهم الكثير من المشاعر السلبية التى تختلف فى حدتها – ولاحقا فى نتائجها ومتتاليتها– تجاه ما يحدث فى هذا الوطن، مشاعر أصبحت حديثا يلهج  فيه المصريون –إلا من يحكمون-  ليل نهار مهما اختلف واقعهم الاجتماعى أو الثقافى.. مشاعر متفجرة بالغضب والخوف من المستقبل فى “جمهورية الخوف الذى يأكل الروح”.

هل ستتطور هذه المشاعر السلبية إلى ما هو أبعد؟ هل سيظل الغضب مكبوتا؟ إلى أى مدى سيصل التعبير عن هذا الغضب فى لحظة ما؟ هل مشاعر انعدام الأمل والخوف من المستقبل ستظل صامتة، أم ستتحول إلى طوفان غضب -قد يختلف كثيرا هذه المرة عن يناير 2011 كما وكيفا- خسائره فادحة؟ هل يرى النظام خطورة المحنة الحالية التى يمر بها الوطن، ويساعد -هو بحماقاته- على تعميقها؟ هل هناك من يهتم بفهم التحولات العميقة التى تحدث داخل وبين أبناء هذه الأمة وتأثيراتها فى المستقبل القريب والبعيد؟ هل هناك نية / قدرة للتعامل مع مشاكل وهموم ومخاوف يعانيها ويمارسها المصريون كل يوم؟ هل ستستمر هذه الحالة من الإنكار من الدولة ومعها لا فعل ولا حركة؟ وماذا لو استمرت؟ هل هناك من يلاحظ ويقّيم أداء مؤسسات الدولة المصرية وأجهزتها؟

هل هناك من يلاحظ مظاهر وتجليات الوهن الذى أصاب تلك المؤسسات وانعكس على أدائها لوظائفها وحتى على خطابها؟ هل هناك من يلاحظ أن قدرات / حجج أجهزة الدولة وأبواقها – مهما كبرت مواقعهم- للدفاع عن الوضع القائم والأداء الحالى، أصبحت متهافتة، لا تقنع أحدا على الإطلاق؟ هل هناك من يهتم؟

الغضب يتراكم مع كل حادثة، مع كل حكم قضائى، مع كل ارتفاع أسعار، مع كل فشل اقتصادى أو سياسي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل