المحتوى الرئيسى

أسامة شعث: اتفاق الدوحة لا يسحب البساط من تحت أقدام القاهرة

02/21 10:35

الدكتور أسامة شعث المقرب من الرئاسة الفلسطينية، ومستشار فى العلاقات الدولية الفلسطينية ومناضل وأسير فلسطينى، حمل هم القضية الفلسطينية داخل تخومها وخارجها يتحدث مداعفاً عن السلطة الفلسطينية، ويفسر باسم قضية، نجح مخطط التقسيم فيما نجح فيه أن ينسينا الجرح الأكبر والقضية الأم، كأنه لم تنزف دماء شهدائنا من أجلها، ولم توقع على أرضها أقدام محمد وعيسى ومريم كأنه تبدل كرسى العاشق بكرسى العزول ولم نكتب فيها أبيات الغرام يوماً.

ومن جديد يحاول الدكتور الأكاديمي شعث أن يذكرنا بمعشوقتنا بعد أن داهم القلب «الزهايمر» ويوقظ ضميراً وينبه العقل إلى فارق جوهرى بين القضية الفلسطينية وبين حماس، شبيه بالفارق بين مصر والإخوان.

> كيف كانت البداية.. وكيف انخرطت بالانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987؟

- نشأت بمدينة رفح الفلسطينية، وعندما بدأت انتفاضة الحجارة شاركت فيها، فداهمت على إثرها قوات الاحتلال مرات عدة بهدف اعتقالى وشقيقى خضر وكان هذا الاعتقال الأول والأصعب والأكثر قسوة، فلم أكن قد تجاوزت الثالثة عشرة حينها.

> كم أمضيت فى المعتقلات الصهيونية وكيف كانوا يعاملونك؟

- أول مرة اعتقلت فيها كانت فترة قصيرة، ولصغر سنى خرجت بكفالة مالية، والاعتقال الثانى كان لمدة ثلاثة شهور فى معتقلى أنصار 2، وأنصار 3، والاعتقال الثالث كنت أبلغ حينها سبعة عشر عاماً، وأمضيت فيه خمسة أعوام متنقلاً بين معتقل «عسقلان» و«نفحة» و«بئرالسبع» و«النقب» وفى تلك الفترة بدأ الوعى الوطنى والسياسى يتشكل داخلى من خلال الاحتكاك المباشر والمتواصل مع زملاء المعتقلات الذين كانوا من طليعة المناضلين ونخب السياسيين والفدائيين والمقاتلين والقادة الفلسطينيين والعرب والأجانب الذين انتصروا لقضيتنا العادلة، وكانوا أسرى داخل المعتقلات، فلا يعلم كثيرون أن عدد الأسرى منذ عام 1967 وصل إلى مليون أسير فلسطينى وعربى، ومعاملة الكيان الصهيونى لنا فى الأسر كانت وحشية، لكن بعد مراحل التعذيب والقهر، كان الصليب الأحمر ومعه السلطة الفلسطينية يقومان بمتابعتنا فتتم معاملتنا بشكل حسن، ويقدمان لنا الدعم المادى.

وعلى كل حال خرجت من المعتقل أواخر عام 1997 وكانت السلطة حينها قد أقيمت بموجب اتفاق أوسلو، ثم أكملت مسيرتى التعليمية إلى جانب عملى السياسى، وعندما اشتعلت الانتفاضة الثانية عام 2000 دمرت قوات الاحتلال بناية العائلة لكن ذلك لم يثننا عن مواصلة كفاحنا ضد الاحتلال.

> ما جوهر الخلاف بين حركتى فتح وحماس؟

- أولاً أحب أن أؤكد أن جميع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح، يؤكدون فى برامجهم السياسية والوطنية أن كافة وسائل وأشكال النضال والمقاومة مشروعة، لاسترجاع أرضنا المحتلة، وفقاً لمواثيق وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، فالمقاومة لا تعنى بندقية فحسب وإنما هناك أشكال أخرى يمكن أن تؤثر وتوجع الاحتلال منها الحراك الدولى والسياسى والدبلوماسى والقانونى، والمقاطعة الإعلامية والأكاديمية والاقتصادية والمواجهة الشعبية تقضى بلا شك إلى عزل الاحتلال لكن الخلاف يكمن حول شكل المقاومة التى يجب أن تستخدم فى هذه المرحلة، ففتح وفصائل المنظمة ترى أن المقاومة المسلحة لن تحقق لنا أى مكسب سياسى فى الوقت الراهن، أما حماس فترى أن المواجهة المسلحة هى الشكل الأنسب لإنهاء الاحتلال.

> السلطة الفلسطينية تعتبر الانتفاضة «هبة شعبية» وحماس تصفها بـ«الانتفاضة الشعبية» ما الفارق بين الوصفين لغوياً وأيديولوجياً؟

- المواجهات الشعبية الجارية الآن فى الضفة الفلسطينية هى بدعم ومباركة سياسية كاملة من الرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية، والسبب أن القيادة تدرك أن نموذج المقاومة الشعبية للاحتلال يجب أن يظل فى إطار العمل الشعبى والفردى كذلك، لأنه يفقد الاحتلال توازنه السياسى، إضافة إلى أن الاحتلال ذاته اعترف فعلياً أنه عاجز عن وقف عمليات الطعن والدهس ضد جنوده ومستوطينه، وسبب نجاح ذلك أنها عمليات فردية لا يمكن كشفها، أما رؤية حماس وفق هذا التعبير، فهى تريد تطويرها وتصعيدها لتتحول إلى انتفاضة مسلحة ضد الاحتلال، مما يسمح لها بإحداث فوضى أمنية تفضى إلى رفض شعبى ضد السلطة، وتجربة انتفاضة 2000 كانت خير نموذج على ذلك، حيث عمت فوضى السلاح وأنتجت من بين ما أنتجته انقلاباً دموياً فى غزة قادته مجموعات حماس المسلحة أدى فى نهاية الأمر إلى انقسام جيوسياسى مؤلم ومؤسف نراه الآن، ومازلنا نعانى ويلاته على الصعيدين الداخلى والخارجى.

> هل تسحب الدوحة البساط من تحت أقدام القاهرة باتفاق المصالحة الأخير الذى سيجرى على أراضيها؟

- أى اتفاق فى العالم سواء فى الدوحة أو غيرها سيكون وفق اتفاقات القاهرة من قبل، لكن القيادة المصرية لم ترحب بحماس التى تساند جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ضد الدولة المصرية، فليس من المعقول بعد ما تفعل مصر لصالح القضية الفلسطينية ثم تخرج حماس بعد الاجتماعات معلنة أن مصر راع غير نزيه على خلاف الواقع.

> هل إذاً المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ممكنة؟

- برأيى الشخصى أعتقد أن تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ممكن شريطة أن يتوفر أمران، الأول.. النوايا الصادقة والثانى الإرادة الحرة بإنهاء الانقسام، وأعتقد أن الشرطين لا يتوافران الآن، فالنوايا غير صادقة، والإرادة منزوعة ومرهونة بمرجعيات إقليمية.

> هل هناك توضيح أكثر لهذه الإجابة؟

- اتفاق القاهرة عام 2011 م كان يفترض أن يتم توقيعه فى عهد الرئيس مبارك فى أكتوبر 2009 م، وحماس وقتها تهربت منه، بتوجيهات إيرانية وسورية، ثم عادت ووقعته فى 2011 م دون تغيير بسبب تغير المشهد السياسى فى المنطقة، وعندما تولى الإخوان الحكم تلكأت حماس فى تنفيذ الاتفاق، ثم بعد سقوط «مرسى» جرى اتفاق الشاطئ عام 2014، وبمجرد تشكيل حكومة الوفاق تهربت حماس من التزاماتها، ومن يومها لم تتقدم المصالحة خطوة واحدة.

> ما المرجعيات الإقليمية التى أثرت على حماس؟

- منها العلاقات الخليجية الإيرانية، وفقدان حماس للحليف الإيرانى القديم، وهناك تقارب تركى سعودى فى كثير من القضايا يجعل تركيا تعيد ترتيب حساباتها، لذلك هناك إشارات لحماس بضرورة التوجه إلى تحقيق المصالحة، وهذا يعنى أن إرادة حماس لاتزال مرهونة بالأجندات الإقليمية، ولكن على أى حال آمل أن تنجح الجهود المبذولة فى الدوحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ووضع جدول زمنى لتنفيذ اتفاق المصالحة بحسب اتفاق القاهرة فى 2011 م.

> تراجع المد الشعبى العربى الداعم للقضية الفلسطينية وبخاصة بعد ثورات الربيع العربى.. كيف ترى هذا التراجع؟

- هناك مسألة مهمة هى أن القضية الفلسطينية كانت ومازالت قضية العرب الأولى، والشعوب العربية لا ولن تنسى ما فعله الاحتلال الصهيونى بشعبنا الفلسطينى وأمتنا العربية من جرائم ومذابح ضدنا، فهل يمكن أن ننسى مذبحة بحر البقر أو دير ياسين ورفح وغزة وجنين أو حتى مجازر صبرا وشاتيلا وقانا وغير ذلك فقائمة جرائم الاحتلال تطول، ولهذا أعتقد أنه من الصعب نسيان كل تلك الجرائم، فالقضية الفلسطينية فى قلب وعقل كل إنسان عربى، ولكن يمكن القول إن هذا التراجع الشعبى جاء بسبب انشغال الشعوب العربية بهمومها الداخلية، التى خلقتها أحداث هذا الربيع العربى، إضافة إلى ذلك هناك أدوات عديدة أثرت عموماً على مكانة القضية الفلسطينية منها تمدد وتغلغل الأفكار والثقافات المتطرفة والدموية العابرة للحدود، وهى بالمناسبة ليست ثقافتنا العربية الأصيلة ولا علاقة لها بثقافة التعايش السلمى الذى تعلمناه فى أدياننا السماوية بخاصة الدين الإسلامى الحنيف.

> هناك خفوت فى الأعمال الإبداعية لصالح القضية الفلسطينية ولماذا لم تفرز القضية شاعراً جديداً مثل محمود درويش؟

- صحيح أن هناك قصوراً كبيراً لدى إعلامنا العربى من تعبئة وحشد الرأى العام، وأعنى هنا ليس وسائل الإعلام الإخبارية، وإنما تعزيز الثقافة العربية وتوجيهها كالفنون والشعر والقصة وأشكال التعليم المختلفة، وبالطبع الإبداع الفنى أحد طرق الإعلام الهادف لتوجيه الرأى العام لقضية معينة، فقديماً كانت الأغانى الوطنية والثورية والأفلام الوطنية والبطولية عاملاً أساسياً مشتركاً فى كافة وسائل الإعلام الرسمية، أما الآن فقد حدثت تغيرات فى وسائل الإعلام صنعها عالم النت بفضائه المتنوع، إضافة إلى سيطرة القطاع الخاص على الفضائيات، واهتماماته بالأساس ليست سياسية وإنما استثمارية وبالنسبة للشعراء بعد محمود درويش فهم كثر وعلى رأسهم الشاعر تميم البرغوثى ومن قبله سميح القاسم، لكن درويش هو شاعر القضية الأكبر فهو بالإضافة إلى قامته الإبداعية انخرط فى العمل السياسى، وسمى شاعر الثورة لقربه من الرئيس أبوعمار، وبسبب عمله كعضو فى منظمة التحرير باللجنة التنفيذية، وهو منصب مفوض عام أو وزير، فقد كان الشعر بالنسبة لدرويش هو ذاته عملاً سياسياً.

> هل ترى أن الحراك الدولى الذى يقوده الرئيس أبومازن والقيادة الفلسطينية سينهى الاحتلال؟

- الرئيس أبومازن يدير الصراع بحكمة واقتدار، ويعمل على إدارته بنموذج التجربة الهندية والجنوب أفريقية انطلاقاً من مبدأ أنه لا يمكن لأى دولة فى العالم مهما بلغت قوتها وعظمتها أن تعيش فى القرن الواحد والعشرين دون أن يكون هناك اعتماد اقتصادى متبادل بينها وبين العديد من دول العالم، وإذا ما استطعنا أن نصل إلى مرحلة إقناع العالم بأن مصالحهم عموماً معنا كدولة عربية وبالتحديد فلسطين مرهونة بالقضية الفلسطينية سيكون ذلك مؤثراً جداً، فملاحقة الاحتلال قضائياً تجعله مجرماً أمام الرأى العام الدولى، ويهز من صورته، وبالتالى الإعلان عن مقاطعته اقتصادياً يقلل من فرصته فى التعاون الدولى فى المجالات الأمنية والصناعات العسكرية، فهذه مسألة طردية، فكلما تعاظم الاقتصاد الإسرائيلى زاد الإنتاج العسكرى، وهناك أشكال أخرى للمقاطعة منها المقاطعة الرياضية والأكاديمية والدبلوماسية والأمنية وجميعها تؤدى إلى مرحلة العزل الكامل لإسرائيل، وإذا نجحنا فى ذلك أبشرك من الآن بأن الاحتلال سيسقط وينتهى، وهناك حملة المقاطعة لإسرائيل BDC التى انتشرت فى العديد من دول العالم وأوروبا وبعض البلدان العربية منها مصر، وقد نجحت هذه الحملة فى هز صورة إسرائيل وفضح جرائمها وممارساتها وعدوانها على شعبنا، وفى تعميم المقاطعة الاقتصادية، والتى أدت إلى خسائر فاقت العشرة مليارات دولار فقط عام 2015.

> لكن كيف ننهى الاحتلال وهو يملك قوة عسكرية ونووية؟

- نحن نتفق جميعاً كفلسطينيين على أن كافة وسائل المقاومة وأدواتها مشروعة كما ذكرت لك، ومن حقنا استخدامها للدفاع عن أنفسنا فى مواجهة هذا الاحتلال «الكولونيالى»، لكن دعنى أقول لك إن هناك تطوراً كبيراً فى أشكال الحروب والصراعات بين الدول والشعوب، قديماً كانت الأعمال المسلحة هى السلوك الوحيد لحسم الحروب والصراعات بين الدول والشعوب، وبعد الحرب العالمية الثانية تطورت أشكال الحروب والصراعات لتتخذ أشكالاً جديدة وعديدة منها الصراع الاقتصادى العالمى، ثم السباق التكنولوجى، وتغيرت مفاهيم كثيرة لدى الشعوب المطالبة باستقلالها، وقد نجحت تجربة الهند بنيل الاستقلال وكنس الاستعمار البريطانى بالمقاطعة الاقتصادية والاعتماد على الاقتصاد المنزلى والاكتفاء الذاتى، وأيضاً الحراك الدولى الذى خاضه الشعب الجنوب أفريقى نجح فى عزل وإسقاط نظام الأبارتيد، وغير ذلك من التجارب، وإن إرهاصات الانتفاضة الشعبية الثالثة على الأبواب، فهناك إجماع شعبى على المقاومة التى دعمتها حركة فتح منذ فبراير 2005 عندما انطلقت المقاومة الشعبية فى قرية بلعين المحاذية لرام الله وتبعتها عشرات القرى الفلسطينية المحتلة، فالاحتلال وعصاباته الاستيطانية الإجرامية تستخدم كل يوم القوة المفرطة فى مواجهة وقتل الشعب المدنى الـأعزل، وهذه الاعتداءات واستخدام البطش وعمليات مصادرة الأراضى والهجمات والاقتحامات الصهيونية للمسجد الأقصى عززت لدى كل شاب ثقافة رد الفعل على الجرائم.. وبالتالى كل فرد فلسطينى لا يمكن أن يصمت إزاء تلك الجرائم، وتتواصل عمليات الطعن ضد المستوطنين وجيش الاحتلال تتم بواسطة الشبان الصغار الذى لا ينتمون لأى فصيل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل