المحتوى الرئيسى

عباءة الزمكان

02/20 21:41

معظم عباءات الحجب الموجودة مصمّمة لحجب الأشياء عن الرؤية. ولكن كما يفسّر مارتن ماكول Martin McCall وبول كينسلر Paul Kinsler، فإنه من الممكن أيضاً صنع عباءة "زمكانيّة" تسمح بجعل أحداث مُختارة غير قابلة للكشف، ومثاليّة لسرقة البنوك.

إنّ نظرتنا للعالم محدّدة بما تراه أعيننا، ما تسمعه آذاننا وما تشمّه أنوفنا، أو بما اصطلحه الفيلسوف برتراند راسل Bertrand Russell "بيانات الإحساس" (sense data). ولكننا نعلم من بعض الخدع البصريّة البسيطة أن أعيننا يمكن أن تُخدع –إذ لا تظهر الأشياء دائماً كما تبدو فعلياً. على أيّ حال، فالتقنيات التي طوّرها العلماء مؤخراً للتلاعب بالطريق الذي يتّبعه الضوء والإشعاعات الكهرومغناطيسية الأخرى هي ليست مجرّد خدع بصرية:

إنّها متقدّمة حقّاً حيث يمكنها أن تقدم بعض التأثيرات المفيدة والمذهلة.

سنتمكن عبر صنع "المواد الخارقة" (metamaterials) المصمّمة خصيصاً لهذة التقنية، من إنشاء نسخة أوليّة لعباءة التخفي الخاصة بهاري بوتر. عند حرف الضوء حول جسم ما سيمكننا بعد تخطي الجسم إعادة دمج الضوء بسلاسة -يشبه هذا الأمر تدفق الماء حول جذع شجرة في النهر، أو افتراق السيارات إلى أحد طرفي الجزيرة المروريّة-. إنّ حواسنا مدمَّرَة وقاصرة، ليس بسبب وقوعها تحت تأثير خدعة، بل لأن أعيننا ستستقبل الضوء الناتج نفسه كما لو لم يكن الجسم موجوداً هناك. عبر تغيير مسارات الأشعة الضوئيّة في الفضاء لإخفاء جسم ما في موقع محدّد، بإمكاننا صنع ما يدعى "عباءة الحيز" (spatial cloak).

ولكن تخيّل لو كان بإمكاننا صنع عباءة يمكنها أن تعمل ليس فقط في المكان بل في الزمان أيضاً. لفهم كيف يمكن لعباءة "زمكان" كهذه أن تعمل، اعتبر بنكاً يحتوي على خزنة مملوءة بالمال. مبدئيّاً، كل الضوء الوارد يتشتت قبالة الخزنة وفي محيطها، كاشفاً عن المشهد الممل إلى حد ما لخزنة هادئة مرئيّة لكاميرات المراقبة. ولكن تخيّل عند وقت معين، بأن ينقسم كل الضوء المقترب من الخزنة إلى قسمين: "قبل" و "بعد"، عند "قبل" تزداد السرعة، ومع "بعد" تتناقص السرعة. هذا سيخلق فترة قصيرة من الظلام في تيار الفوتونات المضيئة. فإذا تخيلنا أن الفوتونات كفيض من السيارات على الطريق السريع، فالأمر كما لو كانت السيارات التي في المقدمة تسرع وتلك التي في المؤخرة تتباطأ، صانعة فجوة مُحاطة بمجموعات السيارات (فترة مظلمة بحواف فاتحة –انظر t3 في الشكل (1)).

الآن تخيّل أنه خلال لحظة الظلام، دخل لص الخزائن المشهد وسرق المال، مع كونه حريصاً على إغلاق باب الخزنة بعد مغادرته. وبعد مغادرة سارق الخزائن، تُعكس عمليّة زيادة سرعة الضوء وإبطائه، مما ينتج عن ضوء منتظم لم يمسه أحد ويعاد تشكيله كما كان. وبما أنّ الاهتمام يدور حول الضوء الواصل إلى كاميرات المراقبة، فإنّ كل شيء سيبدو كما كان سالفاً، مع التذكير على أن باب الخزنة مغلق بإحكام. اقتطع الفاصل الزمني المظلم حرفياً من التاريخ المرئي عندما فتحت الخزنة.

ولإكمال مثالنا عن الطريق السريع، فإن الأمر شبيه بفتح السيارات فجوة أولاً ومن ثم إغلاقها ضمن حركة المرور، دون أن تخلّف وراءها أيّ اضطرابات في تدفق العربات. والآن لا يوجد أيّ دليل على تلك الفترة الفاصلة الخالية من السيّارات، والتي يمكن خلالها أن تعبر الدجاجة المشهورة الشارع دون أن يتم سحقها. إذن وبالتلاعب بالطريقة التي يسافر بها الضوء في زمن ما حول منطقة من المكان، سيمكننا على الأقل من حيث المبدأ بأن نصنع عباءة زمكان بإمكانها إخفاء أحداث معيّنة – لنطلق عليها "عباءة الأحداث" إن أردت.

والملاحظ هو أنّ عباءة الأحداث تترك الأشعة الضوئية غير محروفةٍ عن مسارها من المنبع وحتّى الكاشف، إذ أنّها لا تنحني في الفراغ، بل في الزمكان. فتتغير سرعتها كتابعٍ لكلٍّ من المكان والزمان وليس اتجاهها. لكن وبما أنّ اقتراحنا يعتمد على زيادة سرعةالضوء في بعض الأماكن وإبطائها في أخرى، يجب علينا ضمان أنّ السرعة الوسطيّة للضوء في مادتنا هي أقل مما ستكون عليه في الفراغ. وبعد كل ذلك، وبما أنّه لا شيء يمكنه السفر أسرع من الضوء في الفراغ، فإنّ طريقتنا التي تتضمن زيادة سرعة جزء من الضوء لن تعمل بطريقةٍ أخرى. ويجب أن نضمن نقطة مهمة أخرى وهي أنّ الأشعّة المحجوبة بالعباءة لا تشير إلى الماضي. على الرغم من أنّ عباءة الزمكان البسيطة في الشكل 1b مثاليةٌ للأهداف التوضيحيّة، إلا أنها تتضمن أشعةً كهذه للأسف. ولكنّ لحسن الحظ، بإمكاننا تعديل التصميم لحذف خصائص كهذه.

وأخيراً، من الممكن أن تستخدم عباءة الزمكان للتحكم في تدفق الإشارات في نظام توجيهٍ بصري (الشكل 2d)، حيث تكون إحدى العقد بحاجةٍ إلى استقبال ومعالجة الإشارات في آنٍ واحدٍ من قنوات مختلفة. على سبيل المثال، إحدى القنوات قد تكون إشارة الساعة التي تتطلبها الدارة الخارجيّة دون انقطاع، في حين أنّ القنوات الأخرى قد تضمن بياناتٍ يجب أن تتم معالجتها كأولويّة. هذا الاعتراض يمكن حلّه عبر عباءة الزمكان والتي تفتح ثغرةً لمدةٍ وجيزة في إشارة الساعة. بإمكان العقدة معالجة البتات ذات الأولويّة أثناء هذه الفجوة، ومن ثم تعيد إنشاء إشارة الساعة وبسلاسةٍ عبر إغلاق العباءة. وهذا قد يفعّل بدوره عملية "مقاطعة بدون مقاطعة" interrupt-without-interrupt والتي قد تكون مفيدةً في الحوسبة الكموميّة، التي تتعامل بتلاحمٍ مع قنوات بياناتٍ مترابطة.

على الرغم من أن الرياضيات بإمكانها إخبارنا عن الخصائص الكهرومغناطيسيّة الدقيقة التي تتطلبها عباءة الزمكان، إلا أنّ تصنيع جهاز كهذا أبعد بكثيرٍ من تقنية المواد الخارقة الموجودة حالياً. على سبيل المثال، يجب على المادة أن تزاوج بين الحقلين المغناطيسي والكهربائي بطريقةٍ محدّدة. وما هو مدهشٌ أنّ هذا التزاوج الغريب يملك التأثير الجانبي الذي يجعلها ظاهرةً للضوء، كما لو أنّ الوسط يتحرك على الرغم من بقائه ثابتاً. على أيّ حال، إذا كنّا راضين عن صنع عباءة زمكانٍ غير تامّة، عندها فإنّ جهازاً كهذا سيوضع ضمن مجال التقنية الحاليّة وسيتطلب بناء العباءة من الألياف البصريّة. نستطيع التقدير بأنّ عباءة الأحداث بليفٍ بصريٍّ طوله 3 كيلومترات وجزءٍ مفتوحٍ طوله كيلومتر واحد وجزء التشغيل بطول كيلومتر واحد وجزءٍ مغلقٍ بطول كيلومتر واحد، بإمكانها أن تحجب الأحداث لزمنٍ يصل لعدة نانواتٍ من الثانية.

الألياف البصريّة مُرشّحٌ مُحتملٌ لأنّ معامل الانكسار لديها يمكن زيادته ببساطةٍ بزيادة كثافة الحزمة التي تحملها، وبهذه الطريقة يتم إبطاء الضوء إن استلزم الأمر ذلك. يمكن تنفيذ هذا الأمر عبر زيادة الكثافة بشكلٍ مفاجئٍ لحزمة "التحكم"، فتعبر الكثافة الناتجة المعدلة من خلال الليف البصري لتتسبب في تغيير مسير سرعة الضوء. وفي حال كانت الألياف تتضمن حزمةً ثانيةً ثابتة "للمراقبة"، فإنّ الفوتونات في تلك الحزمة ستسير بشكلٍ أسرع من حزمة التحكم قبل أن تزداد الكثافة، ولكن بشكلٍ أبطأ بعد ذلك، وهو بالضبط ما يتطلّبه فتح الفاصل المظلم في عباءتنا الخاصة بالزمكان.

من ثم يمكننا نقل حزمة المراقبة هذه إلى ليفٍ آخر مع حزمة تحكمٍ جديدةٍ والتي ستنخفض كثافتها هذه المرّة بشكلٍ مفاجئ. وهذا يعكس السرعة السابقة الفرقيّة، مغلقاً بذلك الفاصل المظلم، ويعيد إنشاء حزمة المراقبة الضوئيّة الأصليّة غير المعدّلة. وبالعودة إلى مثالنا عن الطريق السريعة، فالأمر كما لو أنّ الجزء الكثيف لحزمة التحكم هو وابلٌ من المطر يتحرك جنباً إلى جنبٍ مع جزءٍ من السيارات، مجبراً السائقين الواقعين تحت المطر بإبطاء سرعتهم. تُفتح الثغرة في المرور عندما ينهمر المطر على السيارات التي تقع في الخلف ليجبرها على أن تتباطأ، وتُغلق عندما تتحرك غيمة المطر لتمطر على السيارات الأمامية فقط، ما يجعلها تتباطأ في حين تزيد السيارات في المؤخّرة من سرعتها.

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل