المحتوى الرئيسى

الصحافة بلا هيكل

02/17 19:11

رحيل الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل

محمد حسنين هيكل يصارع المرض

وفاة الصحافي المصري محمد حسنين هيكل

رحل الكاتب والصحافي المصري الشهير محمد حسنين هيكل تاركاً خلفه سيرة مثيرة ومُفعمة بالحيوية والجدل في مجال السياسة والصحافة وصناعة القرار، وفيما يعتبره البعض استاذًا ترك بصمته أينما حطت به الرحال، اعتبره البعض الآخر صانعًا وهميًا لتاريخ يضج بالإدعاء والزيف والروايات البوليسية.

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: كان الصحافي العتيد محظوظًا، حيث رحل بعد أن غادر كل معاصريه سابقين او لاحقين اثناء حياته، فشاء له الحظ أن يكتب ما يشاء عن حياتهم وأن يروي مواقف معهم وهم تحت  التراب لا يملكون الرد او الدفاع عن أنفسهم، وإذا كان أشهر صحافي مصر يملك كفاءة عالية في الصحافة والمهنية، والتأثير في إعلام القرن العشرين حيث عاصر الصحافة المكتوبة ثم الراديو وأخيرا التلفزيون الا ان هذه المهنية وحسن الأسلوب تضعف امام المصداقية، والاحترام المهني، وخيال الرواية.

بدأ الصحافي الكبير حياته مترجما للروايات البوليسية مثل شارلوك هولمز. فتأثر عميق التأثر فيها وخلقت لديه حسًا دراميًا، مع ضعف في تجويد القصة وتأكيدها وفق قواعد التوثيق المتعارف عليها. لقد تعلمت أجيال عديدة وتشوهت مهنيتها بمدرستين تنتميان لبيت واحد.

لقد ذهب مصطفى وعلي أمين الى إنكلترا فالتقطت تجربة صحافة الإثارة والمبالغة، بل صحافة الرصيف البريطانية حسب جريدتي «ذَا اكسبريس» و«ديلي ميرور»، فكانت آخر ساعة والأخبار وأخبار اليوم. هذه الصحافة أنتجت صحافيا أصبح فيما بعد "الأستاذ" هيكل، ونشبت حرب بينهما جربت فيها كافة الأسلحة الرديئة والقاتلة ولم تنته حتى سجن مصطفى أمين بسبب وشاية اتهم فيها هيكل، وغادر علي أمين مشردا في الخارج حتى مات، ولم يكتب تلميذهما "الاستاذ" حرفا واحدا رثاءً لهما.

ولد محمد حسنين هيكل، لأسرة متوسطة، لأب تزوج مرتين، وكان يرغب والده في أن يصبح عالماً من علماء الأزهر، إلا أن والدته سحبته من المدرسة الأزهرية في غياب الأب أثناء سفره للتجارة في السودان، وألحقته بمدرسة خليل أغا، ليلتقي فيها بالكاتب الراحل إحسان عبد القدوس. وبلغة سياسية يصف هيكل ما فعلته والدته بـ "بالإنقلاب"، وقال: "أمي عملت إنقلاباً جذرياً في حياتي".

وبينما كان والده تاجراً للحبوب يحترف الترحال بين البلدان وراء تجارته، كانت أمه مثقفة وتتحدث الإنجليزية بطلاقه ولديها قدرة على رواية الحكايات، وساهمت هي وشقيقها سلام، الذي كانت تمتلك مكتبة ضخمة، في تشكيل وجدان هيكل طفلًا وشابًا، ليتجه لاحقًا نحو الصحافة والكتابة، تلك المهنة التي يصفها محترفوها بـ "مهنة البحث عن المتاعب".

بدأ هيكل مشواره الصحافي في صحيفة "إيجيبشان جازيت" عام 1942، وعمل أولًا في قسم الحوادث، وكان أول عمل صحافي ينجزه عبارة عن استطلاع رأي مع فتيات الدعارة، وعن رأيهن في قرار حكومي بإلغاء نشاط البغاء في مصر، ثم أنجز تحقيقاً آخر عن انتشار وباء الملاريا في الصعيد.

انتقل هيكل إلى مجلة آخر ساعة، التي كانت إحدى إصدارات مؤسسة أخبار اليوم التي أسسها الاخوان مصطفى وعلي أمين. وشكل العمل في المجلة أول اتصال حقيقي لـ "هيكل" بعالم السياسة، وعن تلك الفترة يقول: "هكذا وجدتني باحثًا عن المتاعب في كل مكان، أغطي الحوادث الساخنة في الشرق الأوسط وحوله، من الحرب الأهلية في اليونان وقد شملت كل البلقان، إلى حرب فلسطين من أولها لآخرها، إلى سلسلة الانقلابات العسكرية في سوريا، إلى عمليات الاغتيال الكبري في المنطقة، من اغتيال الملك عبد الله في القدس إلى اغتيال رياض الصلح في عمان إلى قتل حسني الزعيم في دمشق، ثم إلى ثورة مصدق في إيران، ثم اتسعت المسافات، فإذا أنا أغطي المشاكل الملتهبة في قلب أفريقيا، ثم حرب كوريا والحرب الهندية - الصينية الأولى".

وأضاف: "اكتشفت أن كثيرين من الناس يهتمون بما كنت أكتب، ثم أصبحت على إطلاع بما يحدث في دول أخرى، ثم أقمت اتصالات مع رجال سياسة، ومع جيل كامل من الصحفيين في كل أنحاء العالم، لكن الأمر الأكثر حسمًا هو أن أبواب السياسة المصرية قد فُتحت على مصراعيها أمامي".

وأهلته هذه الاتصالات السياسية سريعاً ليتولى رئاسة تحرير "آخر ساعة"، بتاريخ 18 (يونيو) حزيران 1952، ومنها إنتقل إلى رئاسة تحرير "الأهرام"، أكبر الصحف في الشرق الأوسط، وذلك بتاريخ 1 (أغسطس) آب 1975، وتركها في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وتفرغ للكتابة الحرة، بعد خلافات حادة مع الرئيس الراحل.

في الفترة التي تلت ثورة 23 (يوليو) تموز 1952، لعب هيكل دورًا سياسيًا بارزًا في مصر، لا سيما أنه صار ملازمًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان "مستشارًا ومنظرًا وصديقًا" له.

وجاءت الأدوار السياسية التي لعبها هيكل إنطلاقاً من قاعدة تعلمها من أستاذه محمد التابعي، لخصها الكاتب الصحافي صلاح عيسى في كتابه "شخصيات لها العجب" بالقول: " تعلم هيكل من أستاذه محمد التابعي أن الصحفي يمكن أن يكون صاحب جلالة حقيقية، وملكًا يملك ويحكم دون أن يغادر مقعد رئيس التحرير، لأن الصحافة صاحبة جلالة فعلية ما دام الفرعون لا يستغني عن الكاهن، ولا يعيش دونه، فمن واجب الصحفي أن يرتقي بمهمته ومهنته من مجرد نشر الأخبار إلى المشاركة في صنعها".

مكنت الفترة التي التصق فيها هيكل بالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر من الحصول على وثائق ومستندات ومعلومات لم يتحصل عليها أي صحافي آخر، وصارت لديه خزانة معلومات الدولة المصرية، وسياستها العليا، وجميع صداقاتها وعداواتها، واستخدمها فيما بعد لتحقيق أهداف وأمجاد شخصية، وانحرف في بعضها، ووظف معلومات وروايات حقيقية في نسج روايات أخرى مزيفة.

وقد شارك هيكل في صنع القرارات السياسية المهمة في الحقبة الناصرية، ومنها "الإصلاح الزراعي"، و"عدم الإنحياز"، والعداء بين عبد الناصر والمملكة العربية السعودية، وصاغ له خطاباته وقراراته وقرأ عليه البرقيات والصحف الدولية، ولم يكن هناك شخصية أكثر تأثيراً منه على "ناصر"، لدرجة أن صلاح عيسى رئيس المجلس الأعلى للصحافة حالياً، وصفه بـ"الكاهن الأكبر".

وصف "الكاهن" استخدمه أيضًا الكاتب الصحافي أيمن شرف في كتابه "هيكل.. كاهن يبحث عن فرعون"، الذي حاول فيه تفنيد كتاباته ورواياته.

ويرجع  الفضل إلى "هيكل" في تخفيف مصطلح "هزيمة" 5 (يونيو) حزيران 1967، واحتلال هضبة الجولان وسيناء وأجزاء واسعة من فلسطين، حيث اطلق على الهزيمة الكبرى في تاريخ العرب الحديث لفظ "النكسة"، رغم أنه شارك فيها باعتباره "الكاهن الأكبر" في نظام يعتبره بعض المؤرخين نظاماً شمولياً، تتحكم فيه أجهزة الأمن والاستخبارات وتلتصق فيه بالإعلام وجماعات المصالح.

وفي الوقت الذي استخدم هيكل عبارات التجميل مع هزيمة يونيو 1967، اعتبر أن انتصار أكتوبر 1973 هزيمة، وربما يرجع ذلك إلى أسباب شخصية، لا سيما بعد أن أبعده الرئيس الراحل أنور السادات عن المشهد السياسي، وحرمه من الأضواء والمعاملة "الملكية" التي كان يلقاها في زياراته الخارجية، وقد وصل كره هيكل لـ"السادات" إلى حد أن أصدر كتابه "خريف الغضب"، ووصف فيه الرئيس الراحل صاحب انتصار أكتوبر بأنه "يعاني من عقدة اللون الأسود".

ويوضح الكاتب الصحافي أحمد المسلماني السر وراء محاولات هيكل تزييف التاريخ والوعي بشأن حرب أكتوبر، وقال: "هيكل يكره حرب أكتوبر حقيقةً، ومهاجمته لانتصار حرب أكتوبر ربما نابع من شعوره بإنه إنتصارٌ عليه، وهزيمةً له، حيث كان دائماً يتكلم عن استحالة الانتصار واستحالة عبور خط بارليف واستحالة تحرير الضفة الشرقية للقناة".

ويعزي "المسلماني" كره هيكل لإنتصار أكتوبر لأسباب شخصية أخرى، وقال: "الفريق سعد الدين الشاذلى قال إنه لم يكن يثق فى هيكل، وانه أمر بعدم دخوله إلى الجبهة، حيث كان دوره قائم على الإحباط دائماً ومحاولته لتيئيس الجنود مرتدياً قناع التحليل السياسي".

إلى ذلك، امتلك هيكل قدرة عالية على السرد ورواية القصص والحكايات عن الملوك والزعماء الذين التقاهم، وكيف أنه حصل على وثيقة نادرة ومستندات سرية، وكيف أنه يبني تحليلاته على تلك المعلومات، إلا أن كثيرين، ومنهم الكاتب الراحل علي سالم، يرونه مزيفاً للتاريخ والوعي، وكتب مقالاً نشر بتاريخ 7 (إبريل) نسيان 2015، قال فيه: " كانت مفاجأة حقيقية عندما عرفنا من الأستاذ هيكل أن التآمر على مصر وضربها وحرمانها من مياه النيل أمر قديم للغاية، منذ 800 عام على وجه التحديد؟! وفى حواره مع السيدة لميس الحديدى، الذى نشرته جريدة الأهرام بتاريخ 4 (إبريل) سنة 2015، قال إنه شاهد وثيقة لم يُسمح له بتصويرها، غير أنه لم يقل لنا من هم هؤلاء الذين سمحوا له برؤية هذه الوثيقة، ولا أين كان ذلك".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل