المحتوى الرئيسى

"ديليسبس".. الحائر بين العودة والرحيل عن المدينة الباسلة

02/17 11:52

تمثال ديليسبس.. حطمه أهالى بورسعيد عام 1956.. واستمر لسنوات طوال مهملا فى مخازن هيئة قناة السويس.

أرسلت أحد فنانيها- حينما فكرت في إعادته لقاعدته مرة أخرى-؛ ليعيد تجهيز التمثال وتنظيفه من الأتربة وما لحق به.. ولكن بدأت حملة شعبية ترفض إعادته.

ولم تر القيادات التنفيذية إلا إغلاق الملف؛ ليبقى الوضع على ما هو عليه، وقامت الدنيا مرة ثانية بعدما شرعت مدينة الإسماعيلية فى إنشاء متحف يضم مقتنيات الهيئة والمهندس الفرنسى فرديناند ديليسبس الذى أشرف على حفر القناة.

وأخيرا دارت حوارات مجتمعية فى بورسعيد مابين مؤيد ومعارض.. هل سيبقى التمثال مهملا داخل مخازن الهيئة أم سيرى النور ويعود لقاعدته ليستقبل السفن العابرة لقناة السويس عند مدخلها الشمالي؟- باعتبار أن التاريخ لا يمكن أن يطمسه أحد- وهل سيتم تطوير المنطقة بشكل أفضل لتكون مزارا سياحيا للأجانب والمصريين؟.

ومنذ سنوات حضر إلى بورسعيد أعضاء جمعيتى فرديناند ديليسبس وقناة السويس الفرنسيتين، أثناء زيارتهما للمدينة ضمن جولة بمدن القناة، فى إطار العلاقات المصرية الفرنسية؛ لزيارة مقتنيات المهندس الفرنسي "فرديناند ديليسبس" صاحب فكرة توصيل البحرين الأبيض بالأحمر والمشرف على التنفيذ.

وقام الوفد الفرنسى بزيارة منزله ومبنى هيئة قناة السويس، وذهبوا في جولة بحرية في القناة، ورأوا تمثال المهندس الفرنسى الموجود بمخازن هيئة قناة السويس بترسانة بورسعيد البحرية.

وضم الوفد الفرنسي 32 عضوًا، بينهم حفيد مدير قناة السويس أثناء فترة إفتتاح القناة للملاحة العالمية في نوفمبر 1869- وطرحت قضية عودة التمثال إلى قاعدته بالمدخل الشمالى لقناة السويس مرة أخرى.. إلا أن المحافظ لا يملك القرار وإنما صاحب الرأى فيه هو شعب بورسعيد.

وفي حال موافقة أهل بورسعيد على العرض الفرنسى والاستفادة منه؛ سيتم تحويل منطقة التمثال إلى مزار سياحى عالمى وتحمل فرنسا كافة أعمال تطويره مع تزويد المنطقة بالصوت والضوء تحكى الفترات التى مرت بها قناة السويس من أعمال حفر وافتتاح وإغلاق وحروب ثم إعادة افتتاح وتطوير المجرى الملاحى باعتباره أهم ممر مائى فى العالم.

وعلى الرغم من أن بورسعيد تمتلك موقعاً فريداً لا يوجد له مثيل فى العالم، إلى جانب تمتعها بمكانة سياحية متميزة للغاية؛ إلا أنها حتى الآن غير مستغلة، ولم توضع على الخريطة السياحية لجمهورية مصر العربية بالشكل والمكانة التى تستحقها تلك المدينة الباسلة.. وبعودة التمثال؛ قد يكون مدخلا هاما لجذب السياح ووضع بورسعيد أول لبنة لتكون على الخريطة السياحية المصرية خاصة أنها تمتلك مجموعة من المزارات الجاذبة منها مبنى هيئة قناة السويس ومنزل ديلسبس والبيت الإيطالى.

إضافة إلى ذلك، إذا تم إعادة إنشاء المتحف القومى بجوار ديليسبس على مساحة 12 ألف متر مربع، وحديقة ضخمة من الممكن أن توضع بها التماثيل الأثرية من العصور المختلفة وللفلاح المصرى الذى حفر القناة والجندى الذى دافع عنها والملكة أوجينى إمبراطورة فرنسا التى حضرت الإفتتاح لأول مرة والملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا، على أن يضم المتحف آثارا من العصور الإسلامية والفرعونية ومقتنيات إفتتاح وحفر القناة؛ ليكون منارة جديدة للثقافة المصرية مع إنشاء بانوراما تحكى تاريخ حفر قناة السويس والمراحل التى مرت بها القناة من حروب وأزمات ومراحل تطوير.

وتشمل أعمال التطوير أيضًا، تزويد المتحف بأحدث وسائل العرض المتحفي وكاميرات مراقبة وأجهزة إنذار حديثة وربطه بالمناطق الأثرية ببورسعيد ومدن القناة ، وتحويل الفنار القديم كتراث سياحى وتاريخى ومزارا للجميع والإستفادة من جزيرة تنيس الأثرية والإهتمام بها كأحد المناطق الأثرية القديمة ، بالإضافة للمتحف الحربى الذى يضم قطع حربية ولوحات نادرة عن قصة كفاح شعب بورسعيد منذ عام 56 ومرورا بنكسة 67 وإنتصارات 73 ، وأيضا عدد كبير من المساجد والكنائس ذات الطابع التاريخى التى يفد إليها السائحين عندما تطأ أقدامهم أرض بورسعيد لتكون من أهم المناطق السياحية فى مصر .

ومن مقتطفات للدكتور أحمد يوسف الكاتب المصري وعضو المجمع العلمي المصري من باريس يقول: "كان في عقل ديليسبس أن هذه القناة يجب أن تكون مصرية خالصة بدليل أنه توجه بالمشروع إلى حاكم مصر مع معرفته المسبقة بإمكانياته السياسية والمادية المحدودة، ولقد أراد ديليسبس أن يكون فرمان القناة مصريا أولا وإنطلاقا من مبدأ مصرية القناة الذي تمسك به ديليسبس تفجرت قضية حياد القناة‏".

"ففي ذهن سعيد وديليسبس أن القناة مجرى ملاحي دولي محايد ولكن هذا الحياد لا ينزع عن القناة صفتها المصرية ، فيجب ألا ننسي أن هذا المبدأ الخطير الذي زرعه ديليسبس وسعيد إنطلاقا منها؛ كان هو ذاته الطريق الذي بدأت منه الحركة القومية المصرية كفاحها من أجل إسترداد القناة نفسها ثم من أجل الإستقلال بعد ذلك.. وهي حركة قومية تغذى آباؤها الروحيون من الطهطاوي إلى سعد زغلول إلى طه حسين إلي مصطفي كامل علي أفكار التحرر الفرنسية".

"ولإعادة قراءة ملف فرديناند ديليسبس‏ لمعرفة الحقيقة ورسم صورة للدبلوماسي الذي لولاه لما كانت القناة،‏‏ لأنه يجب الإعتراف بأننا لا نعرف الرجل، وأننا نفتقر بشدة لرؤية إنتقادية لمعالجتنا التاريخية لموضوع القناة‏، وهذا الرجل كانت له ولاشك أخطاء ومصالح شخصية وقناعات فرنسية خالصة.. وكيف لا تكون له أخطاء وهو مقبل علي مشروع يغير وجه الأرض‏ ,‏ وكيف لا يكون فرنسيا خالصا وهو الدبلوماسي إبن الدبلوماسي الذي عاش حروب نابليون بإنتصاراتها وإنكساراتها شرقا وغربا‏، حيث أوفد نابليون إلي مصر عام‏1803‏ مبعوثا شخصيا هو ماتيو ديليسبس أبو فرديناند وكان مقربا لشيوخ الأزهر خاصة علماء الديوان الذي كان نابليون أسسه في القاهرة".

"وبمرور السنوات رحل الأب وعاد الإبن عام‏1832‏ ليكون في سن السابعة والعشرين قنصلا مهما مساعدا لفرنسا بالإسكندرية، وقرأ كتاب وصف مصر ليكتشف فرديناند ديليسبس لأول مرة في حياته شيئا إسمه مشروع وصل البحرين الأبيض والأحمر الذي كان يحلم به نابليون،‏ ومن هنا بدأت ملحمة قناة السويس التي غيرت ديليسبس نفسه وغيرت مصر وغيرت العالم".

"وتقابل مع صديقه القديم سعيد بن محمد علي في صحراء العامرية بالإسكندرية ليلة ‏15‏ نوفمبر‏1845‏ ويفاتح صديقه لأول مرة في مشروع حفر قناة السويس وهو نفس المشروع الذي كان يريده نابليون‏‏ ثم طوى صفحته؛ لأن مهندسيه إعتقدوا أن مستوي البحر الأحمر أعلي من البحر الأبيض..‏‏ وهو نفس المشروع الذي قدمه لسان سيمونين لمحمد علي، ورفضه؛ لأنه خاف على استقلال مصر من طمع الدول العظمي خاصة إنجلترا‏ ومن هنا قبل سعيد باشا المشروع".

ومن مقتطفات لإحدى مقالات الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد إبنة بورسعيد تقول: "احترمت مشاركة الرئيس الفرنسى إفتتاح قناتنا الجديدة وقبلها إحترمت الدور الفرنسى فى صفقات تسليح جيشنا وكسر الإحتكار الأمريكي".

وتابعت: "وبقدر ما سعدت بالمشاركة الفرنسية قدر ما تمنيت قراءة تداعيات تاريخ بلاده مع قصة حفر القناة الأم ومشاعر الرئيس الفرنسى تجاه ما إرتكبه البعض من أجداده بحق مصر وحقوقها فى قناتها، والظلم الذى ارتُكِبَ بحق المصريين إبتداء من حفر القناة بالسخرة وتحت سياط الكرابيج والجوع والإضطرار لشراء شربة المياه أو الموت عطشا فى متتاليات الإستيلاء على أنصبة المصريين وأسهمهم فى القناة مقابل الديون وفوائدها الباهظة، وثقافة وحضارة الشعب الفرنسى هى التى تفرض إحترام الحقيقة وقراءة التاريخ قراءة صحيحة".

وقالت: "وأسمع محاولات لإختصار القناة الأم فى ديليسبس.. وللتذكرة فإن تمثاله كان بمدخل القناة عند بورسعيد وأسقطه شباب المقاومة فى الرابع والعشرين من ديسمبر 1956 كجزء من الرد على جريمة العدوان الثلاثى على بلدهم، وحيث يجب أن يرفع ويخلد ويستقبل سفن الدنيا من حفروها ومن ماتوا من أجلها ومن قاموا بحمايتها، عامل وفلاح ومقاتل، ثلاثية صناعة النصر فى مصر؛ فليوضع التمثال فى متحف ببورسعيد ليضم ما تبقى من مقتنيات حفر القناة، وإلى جانب التمثال توضع الوثائق التى لا تسمح بإختصار القناة الأم فى ديليسبس، أو تسمح بإختصار العلاقات الوثيقة والمحترمة مع فرنسا فى تاريخه مع حفر قناة السويس الأم، وتجليات المصريين فى قناتهم الجديدة وما أضافوه إليها إتساعا وعمقا للقناة الأم، لا يمكن إختصارها فى مغامر إقتنص فكرة القناة وسيطرته ونفوذه تحت جلد حكام مصر دون إحتكام وإحترام لحقوق وكرامة أصحاب الأرض والقناة".

"الرافضون لعودة التمثال لقاعدته مرة أخرى عقدوا إجتماعا عام 2013 ضم عدد من مثقفى وأدباء وفنانى بورسعيد والمهتمين بالآثار بنادى الشبان المسلمين برئاسة أيمن جبر، وتطرقت المناقشات حول عودة التمثال إلى قاعدتة الأصلية من عدمها، وإيجاد أماكن بديلة لوضع التمثال بها، والإستفادة من وجوده على المستوى السياحى والتراثى من ناحية.. ومنع خروجه من بورسعيد وتفويت الفرصة على المتربصين بالمدينة والساعين لإفراغها من تراثها التاريخى من ناحية أخرى.

واتفق الحاضرون على رفض فكرة عودة التمثال إلى قاعدته التى أسقطه الشعب البورسعيدى من عليها يوم 24 ديسمبر 1956 بعد جلاء العدوان الثلاثى عن المدينة الباسلة إحتراما للإدارة البورسعيدية.

ووضع المجتمعون ثلاثة أماكن بديلة لوضع التمثال.. الأول أسفل القاعدة الأصلية على مدخل قناة السويس، والثانى حديقة التاريخ، والثالث متحف بورسعيد القومي.. ورفض نقل التمثال لأى مكان خارج بورسعيد مع مخاطبة مديرية آثار بورسعيد لسرعة تسجيل تمثال ديليسبس كأثر تاريخى وحصر جميع المقتنيات التاريخية الخاصة بقناة السويس بالمدينة لمنع خروج أيا منها من بورسعيد.

ويقود النائب المخضرم البدري فرغلي عضو مجلس الشعب السابق- الذي قاد في الماضي القريب معارك ضد عودة تمثال ديليسبس الي قاعدته- حملات برفض عودة التمثال لقاعدته مرة أخرى , وإستثمار تلك الأثار دون عودتها الي أماكنها الفعلية تمسكا بمبدئ إزاحتها رفضا للإستعمار الأجنبي .

توالت على بورسعيد زيارات متعددة لوزراء الآثار والسياحة والثقافة المصريين والكل زار منطقة ديليسبس وأصدر قرارات بالتطوير ولكنها حبيسة الادراج.

فمنذ حوالى 4 أعوام، تفقد وزير الآثار– آنذاك- الدكتور محمد إبراهيم، مكان المتحف القومى لبورسعيد الذى يقع عند المدخل الشمالى لقناة السويس وتعهد بالبدء فورا فى أعمال البناء والتطوير بعد الانتهاء من هدم المبانى القديمة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل