المحتوى الرئيسى

كارولين كامل تكتب: يعني كان لازم تحرق نفسك يا بوعزيزي!

02/16 23:29

"يعني هو كان لازم بوعزيزي يحرق نفسه.!" هي جملة أرددها ويرددها آخرون كلما شعرنا باليأس من بطء التغيير وأن كنا الآن في مرحلة البيات الشتوي والله أعلم، إلا أن الجملة ذاتها رددتها في تونس ولكن علي استحياء، فوجدت أنه السؤال ذاته الذي يطرحه الأشقاء في تونس رغم التغييرات الحقيقية التي تشهدها تونس والخطي الثابتة إلي حد كبير لثورتهم إلا أنها بطيئة أيضاً من وجهة نظر البعض هناك.

بعد الثورة انقسم "الجمهور المستهدف" من القراء وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي إلي فريقين، الفريق الشعبي وهو المواطن العادي الذي ربما لا يمتلك حسابا علي "فيسبوك" أو يمتلك ولكنه لا يستقي منه الأخبار، بل يلعن ويسب ليل نهار انتشار الأكاذيب علي حوائطه التي تشوه صورة مصر وتُشعل الفتن. وهذا الفريق ذاته ينقسم إلي من يعتمد علي برامج "التوك شو" والصحافة القومية مسلماً لها تفكيره ومنطقه "تسليم أهالي"، وآخرون تتنوع مصادرهم الإخبارية ولكنهم يظلون بمنآي عن الانخراط فيها.

وهناك الفريق الثاني الذي يعيش جزء كبير منه نصف حياته محلقاً في الفضاء الإلكتروني، ويشعر أحيانا بتميزه وتواتيه الجرأة بأن يصف نفسه بالصفوة، ويحتكر المعرفة لذاته، ويري الحقيقة تنفرط من لسانه كلما فتح فاه حتى وأن كان لتناول الطعام، ويرفض أي محاولة للاستفسار،فكلامه منزه عن الشرح، وكل من هو مخالف لرأيه إما جاهل أو عبد.

وفي كل الأحوال أنت متهم كل مرة تكتب أنك تلعب ضمن قوانين إرضاء أي من الفريقين، وكانت هذه المقدمة الطويلة العريضة محاولة مني لمنع الخوض في نقاش مفاده "من أنا" بعد أن أتحدث قليلاً عما عرفته حديثاً ويمس أحد "التبوهات" التي لها علاقة بثورات الربيع العربي كما نهوي تسميتها، فأنا من فريق أخر وحيد "لم يجد من يحنو عليه" وهو الصحافة، فمرات أكون متلقي ومرات أخري أكون مرسل، وبالرغم من عملي في الصحافة إلا أني لم اصطدم يوماً بهذه المعلومات التي أدهشتني، ولم يطرحها أمامي أحد للحوار، وأظن أن كثيرون بالتأكيد يعرفونها، ولكن كلماتي لمن لم تتاح لهم المعرفة مثلي.

أيقونة الثورة التونسية كما نحب نحن أن نسميه، وأقول نحن أي المصريين لأني عدت تواً من دولة تونس الشقيقة، وكان الانطباع الذي تولد عندي من سرد قصة البوعزيزي في أجواء تونسية بأن المصريين أضفوا عليه رهبة وقدسية ربما لم يحظى بنظيرتها في بلده، وفقد أخر ما تبقي له من ذكري لدي شريحة من التونسيين بعد أن تركت أسرته تونس في الذكري الخامسة للثورة وانتقلت للعيش في دولة كندا كلاجئين سياسيين.

لم تكن قصة اللجوء وحدها الغريبة بالنسبة لي ولكن خبر تبرئة القضاء التونسي للشرطية فايدة حمدي التي اتهمها البوعزيزي بصفعها له أيضاً من المعلومات الجديدة التي أضُيفت لمعرفتي، وجاءت التبرئة بعد قضائها 4 شهور في الحبس، حيث كان إلقاء القبض عليها وزجها في السجن قرار سياسي من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لتهدئة التونسيين والمنظمات الحقوقية وليس بحكم قضائي كما يردد البعض، وقالت هي عن نفسها بعد أن نالت حريتها أنها كانت كبش فداء للنظام الذي لم يقو زيفه علي الصمود كثيراً فسقط، وأنصفها القضاء التونسي النزيه.

أوضحت المحكمة أنها قررت عدم سماع الدعوة لعدم توفر أركان الجريمة، ولم يتوافر سوي شاهد واحد وهو بائع متجول صديق للبوعزيزي يؤكد الصفعة، بينما كان شهود النفي اربعة، أكدوا أن فايدة لم تصفعه، بالإضافة إلي المطالب الشعبية من أبناء سيدي بوزيد لإطلاق سراحها، وتنازل أسرة بوعزيزي عن الدعوي.

عادت الشرطية لعملها وحضرت في ديسمبر الماضي احتفالات مدينة سيدي بوزيد بمرور 5 أعوام علي الثورة في الوقت ذاته الذي لجأت فيه أسرة بوعزيزي الذي يعزي إليه البعض الفضل في ثورات التحرر العربية لدولة أجنبية، وبررت الأسرة في تصريحات صحفية أنهم أصبحوا ضحية لشائعات مغرضة.

وإحقاقاً للحق تساءلت عن حقيقة تبرئة القضاء للشرطية وعودتها لعملها بل واحتفالها مع زمرة التونسيين في الشوارع بمرور 5 سنوات علي ثورتهم، هل يشبه البراءة التي نالها البعض في مصر، وهل احتفال شريحة من المصريين في الشوارع _أو بالأصح المسموح لهم بالتجمعات دون أن يطبق عليهم قانون التظاهر_ بعيد الثورة ولكنهم في حقيقة الأمر يحتفلون بعيد الشرطة التي ثار عليها وبسببها المصريون، فكانت الإجابة "تونس مش مصر".

يبدو أن تجربتنا كمصريين في "حفلات البراءة للجميع" خلفت لدينا "كلاكيع" جعلتنا لا نصدق أن القضاء في أي بلد ينصف الضحية، والشرطة ربما تكون أحيانا علي حق، حقيقة الشرطية فايدة التي ربما استخدمها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ككبش فداء لتهدئة التونسيين، مثلما تضحي الأنظمة برجالها إذا ما جاء الطوفان علي أمل الاستمرار في الحكم، أصابتني بتساؤلات متناقضة، ماذا لو تمت تبرئتها منذ اليوم الأول هل كانت للثورات المنسوب للبوعزيزي الفضل في تفجرها وتغيير خريطة العالم العربي أم لا، وأن كان مصيرهم ومصيرنا أن نثور، لماذا تشوب أساطير أبطالنا التساؤلات؟!.

وأن كان الأشقاء في تونس قد أدركوا حقيقة بعض الوجوه سريعاً لماذا لم يخجلوا بالتصريح بها، بينما نظل نحن المصريين نُمجد البعض في الداخل والخارج وننسب لهم الفضل في خروجنا للشوارع بكامل إرادتنا ودون أن يدفعنا أي من هؤلاء للتعبير عن آرائنا، بل ويرفض أتباعهم حتى فكرة السؤال عن وجودهم سواء المادي أو المعنوي علي الساحة المصرية بعد 5 سنوات من الثورة.

قبل عودتي بيوم من تونس تناولت أحد محطات الراديو التونسية خبر تشكيل هيئة للدفاع عن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتبرئته من كافة الجرائم، فما كان من المذيع إلا أن يستأذن جمهوره في التعليق بصورة شخصية علي هذا الخبر قائلاً "الزين بده حملة لتبرئته.. نحب نقوله تونس مش مصر.. واللى بيحصل مع مبارك عمره ما بيحصل في تونس.. احنا ما بنسمح لك".

أن كنت تكتب لجمهور "التواصل الاجتماعي" فعليك أن تبرز هويتك الثورية حتى لا تنهال عليك تساؤلات من عينة "فين الخرطوش اللى في جسمك عشان تتكلم"، لذلك بكل صدق أنا لا أزعم أني من شباب الثورة الأجلاء، ولم أصاب بالخرطوش ولم تضربني هراوات الأمن، أصبت فقط بداء حساسية مزمن بسبب قنابل الغاز أعجز معه أحيانا عن التنفس بصورة طبيعية في البرد الشديد، وربما لم يكن من قنابل الغاز فالشرطة تستورد لنا أفخر الأنواع.

ترددت كثيراً قبل كتابة هذه الكلمات، ولكن قبلها ظللت أطرح هذا السؤال علي كل من أعرفهم في مصر "انت عرفت أن الشرطية المتهمة بصفع بوعزيزي خدت براءة.. وأسرة بوعزيزي لجأت لكندا"، فكانت علامات الاندهاش تؤكد لي "أنا مش لوحدي.. ده احنا كتير".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل