المحتوى الرئيسى

رحيل سلمان ناطور.. الجاحظ الفلسطيني

02/16 01:54

سلمان ناطور هو المؤرخ الأدبي للمكان الفلسطيني. لم يترك قرية رحل عنها سكانها إلا بحث عنهم في المنافي، أو نقّب عن وجودهم المسلوب في الآبار وشجيرات الصبار وحواكير المنازل المهدّمة، ثم أعاد صوغ حكاياتهم الدامعة في صشورة أدب يتحدّى المحو. وها هو اليوم يرحل في ذروة اكتماله الإبداعي، وسيعود من حيفا إلى دالية الكرمل في الجليل الفلسطيني البهي محمولاً على كلمات قصصه ورواياته، ليقيم تحت عرائشها، وبين أزهارها البرية وأحراجها الصنوبرية.

وسلمان ناطور علامة وضاءة في الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال، وهو شوط مدهش في مسيرة الكتابة التي تدمي بسخريتها وتثير، في الوقت نفسه، الضحك لكن بمرارة. أسلوبه حار وجارح وكاشف كأنه الجاحظ وقد «تقمّص» في الجليل. ولعله سار على خطا إميل حبيبي في رواية «سعيد أبي النحس المتشائل»، لكنه افترق عنه، وسار في طريق شائك، بينما اختار إميل حبيبي الدرب المعبد، وصار جزءاً من المؤسسة الثقافية الإسرائيلية، ولم يتورّع عن تسلم «جائزة إسرائيل» من يتسحاق شمير، بينما رفض سلمان ناطور حتى المشاركة في «مؤتمر أدباء من أجل السلام» الذي عقد في حيفا في سنة 2010، ونظّمته إسرائيل، وحضره خلسة أدباء عرب «مطبِّعون» أمثال نجم والي ونداء خوري.

عاش أيام حياته يصارع اندثار الأمكنة، فإسرائيل تجهد لمحو آثار المكان الذي عاش فيه الفلسطينيون، ويحترق هو في ترميم ذاكرة أبناء شعبه. وكانت إنجازاته في هذا الميدان جبارة. يقول: «ولدتُ بعد حرب 1948. دخلتُ المدرسة في حرب السويس. أنهيتُ الثانوية في حرب حزيران. تزوّجتُ في حرب أكتوبر. ولد ابني الأول في حرب لبنان، ومات أبي في حرب الخليج. حفيدتي سلمى ولدت في الحرب التي ما زالت مشتعلة» (رحلة الصحراء، عمان: دار الشروق، 2009). وبهذه اللغة صارت الكتابة السياسية على يديه جميلة وعذبة وجذابة وحارقة معاً.

قصصه وابل من الكلمات والعبارات المدبّبة، كأنها طلقات من «قلم رصاص» لا تصيب إلا العنصريين الصهيونيين والذين طأطأوا هاماتهم وساروا في الطابور الإسرائيلي. وفي روايته «أنت القاتل يا شيخ» يقرِّع بغضب الزعامة التقليدية الدرزية لأنها تعاونت مع السلطات الإسرائيلية في مسألة «التجنيد العسكري». وسلمان ناطور نفسه هو أحد رافضي الخدمة العسكرية الإلزامية، وقاسى في هذا الموقف مرارات لا تُحصى.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل