المحتوى الرئيسى

ونعم.. «الأخلاق»

02/15 21:56

عانيت الأمرين حتى وافق الأستاذ «شريف عبدالحق»، مدرس الفيزياء، على أن يُعطى ابنتى درساً خصوصياً.. وأن يُلحقها بالمجموعة الثالثة من السنتر الذى يضم مائتى طالب وطالبة.. بعد أن نلت من توبيخه الشىء الكثير.. فقد اتهمنى بالتسيُّب.. والاستهتار والغفلة التى تشى بانعدام «الأخلاق» وموت الضمير لعدم حرصى على مستقبل كريمتى بإهمالى الاتصال به لحجز مكان لها منذ نهاية العام الدراسى السابق.. ثم أصر على أن يتقاضى أجر عشر حصص مقدماً.. فلما أبديت دهشتى وطلبت منه تفسيراً.. أفحمنى برجاحة منطقه وشفافية تبريره، قائلاً:

- فلتفترض أن نجلتك تخلّفت عن حضور إحدى الحصص.. أليس ذلك معناه أنها قد أجرمت فى حق زميلة لها وحرمتها من فرصة الالتحاق بالسنتر والاستفادة من التحصيل؟!

إن أقل عقاب لها أن تتحمّل أجر الحصة.. وفى هذا إرساء لقيمة العدل.. والعدل لو تعلم أحد المبادئ الأخلاقية المستقرة التى أتبعها دائماً..

- هل تعلم أن انطلاق حملة (أخلاقنا) شجعنى على إنشاء ائتلاف هدفه تدعيم (الأخلاق الحميدة).. اسمه (الخير جواك لكنه محتاج من يكتشفه).. وقد استوحيت الاسم من شعار الحملة.. والائتلاف يسعى إلى تدعيم الحملة وزيادة نشاطها، بحيث لا تكتفى فقط بالإعلانات التليفزيونية القصيرة التى تُركز على أهمية تفعيل قيم الأخلاق داخل المجتمع.. والإعلانات على الطرق الرئيسية وفى وسائل المواصلات العامة.. وتنظيم ندوات ومباريات كرة فى المدارس، بحضور رموز الحملة والقيام بأنشطة أخلاقية بمراكز الشباب.. وإنتاج كليبات صغيرة عن الأخلاق وعرضها على شبكة الإنترنت و«إنفوجرافيك» على شاشات عرض الشوارع ومشاهد صامتة فى الأندية، بل أيضاً بتدريس مادة للأخلاق لطلاب وطالبات المراحل التعليمية المختلفة من الصف الأول الابتدائى وحتى الثالث الثانوى.. فنحن فى حاجة إلى إعلاء القيم الأخلاقية والإنسانية وإعادتها إلى المجتمع «فلا يمكن أن تنهض أى أمة دون التركيز على الأخلاق.. والتقدُّم لا يقتصر على الاقتصاد فقط..

لن تقضى تلك المبادرات على الظواهر السلبية المتراكمة، التى صارت جبالاً من الفساد بجميع أشكاله، والعنف بمختلف آلياته.. وتوجهاته وأنواعه من التحرّش بالمرأة وجرائم أخلاقية، وصولاً إلى العنف الذى يرتدى قناعاً دينياً.. والإهمال فى العمل والتراخى والأنانية والرشوة والمحسوبية والانتهازية والكذب والخداع والطائفية التى طغت على المواطنة.. وهكذا، لكن ضرورة الاهتمام بترسيخ رؤية فكرية تُعنى أولاً بمعالجة أسباب ذلك التدهور الأخلاقى من خلال دراسة مستقصية متأنية لحصاد السنوات الثلاثين الماضية بكل ما أسفرت عنه من إفرازات لظواهر صبغت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحوّلت إيجابياتها التى كنا نفخر بها إلى سلبيات، وأدت إلى اختفاء القدوة الحسنة التى تُعتبر أهم أسباب انتشار وترسيخ الأخلاق فى المجتمع.

لن تسمو الأخلاق بالحملات والإلحاح بشعارات ما تلبث أن يتبخّر تأثيرها ويتبدّد.. لكن بخطة دقيقة وشاملة تستند إلى العلم وتفصل بين الخطاب الدينى الوعظى الإرشادى.. وبين الخطاب السياسى والاجتماعى والاقتصادى.. وتضع يدها على الأسباب الرئيسية للتحولات التى حدثت للشخصية المصرية وطرق علاج سلبياتها على جميع المستويات، فإحلال القيم الإيجابية بدلاً من القيم السلبية ليس بالأمر الهين الذى تعالجه وصايا ونصائح إعلامية.

- المهم أننى بمجرد تكوين «الائتلاف» طرحت فكرة الكتاب على حملة «أخلاقنا»، فوافقوا عليها بالإجماع، وسوف أقوم بتأليف الكتاب وتدريسه، ابتداءً من العام الدراسى المقبل.

تملكنى الذهول، وأنا أردد له:

- كيف وأنت تخصُّصك الفيزياء.. وهى مادة علمية، تؤلف وتدرس «الأخلاق»، وهى مادة أدبية.

- يبدو أنك لا تعيش زماننا يا أخ.. ألم يخبرك أحد أننا نحيا فى كنف العولمة؟!.. وما العولمة؟!.. إنها تعنى أن العالم قد صار قرية واحدة، أذيلت فيها الحدود بين الدول والقارات، واختلطت الثقافات والمعارف، وفى ظل العولمة تنمو وتتقدّم الدول المدنية.. ونحن عُدنا إلى أحضان الدولة المدنية بعد ثورة «30 يونيو».. بعد أن كاد الإخوان يحولونها إلى دولة دينية ضد التقدّم.. وضد العلم وضد الحضارة.. أم يا تُرى أنت ما زلت تتصور أننا ما زلنا نعيش فى دولة الإخوان؟!

ثم ما لبث أن نصحنى بأن أحجز مكاناً لابنتى فى السنتر الذى يزمع تكوينه من الآن لإعطاء دروس خصوصية فى تلك المادة.. والدفع مقدماً..

لم أجد مفراً من أن أصيح:

فهتف على الفور بحماس وحمية مكرراً «الشعار»:

- والخير جواك.. لكنه محتاج من يكتشفه.

قالت لى ابنتى: إذا كان هناك إصرار على تدريس تلك المادة، فلماذا لا يدرسونها أولاً لسائقى الباصات بالمدرسة؟!

- لأننى إذا تأخرت نصف دقيقة عن الميعاد.. ينصرف السائق ويتركنى.. بينما يظل واقفاً منتظراً زميلتى «نانا» أكثر من ساعة حتى توقظها أمها.. وترتدى زى المدرسة.. وتُمشّط شعرها وتتناول طعام الإفطار.. ذلك لأن والدها الثرى يُنقده مبلغاً شهرياً محترماً؟!

- يجب ألا تكونى متشائمة، وألا تنظرى إلى نصف الكوب الفارغ.. ألم تقرأى فى الصحف عن جرار زراعى موصل به مقطورة مغلقة بقفص حديد كبير تحول إلى وسيلة نقل تلاميذ حضانة فى مدينة قويسنا بالمنوفية.. والسائق يحصل على أموال مقابل عملية نقل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 و5 سنوات؟..

من الأخلاق الحسنة أن تشعرى بالرضا بحالك بالمقارنة بحال هؤلاء الأطفال الصغار أحباب الله.. الذين ينحشرون فى وسيلة غير آدمية ليذهبوا إلى مدارسهم.

- ثم لماذا لا يُدرّسون تلك المادة لبواب المدرسة الذى يرفض دخولى المدرسة إذا تأخرت ويفتح الباب على مصراعيه لـ«طاطا»، حتى لو وصلت بعد انتهاء الحصة الأولى للسبب نفسه الخاص بـ«نانا»؟!.. ثم لماذا لا يُدرّسون تلك المادة للمدرسين والمدرسات؟! هل تعلم أن مس «عفيفة عبدالرحيم» تتوعّدنى بالرسوب، لأنها لا تعطينى درساً خصوصياً، بينما انحنت فى امتحان نصف السنة الماضى لتلتقط البرشامة التى وقعت من «طاطا» على الأرض وقدمتها لها، مرددة بحنو وحنان بالغين:

- خدى يا حبيبتى.. دى وقعت منك.

- ما زلت تتصيدين الأخطاء.. بدلاً من أن تشيدى بمجهودات السيد الوزير للقضاء على الغش فى الامتحانات، ابتداءً من البرشامة حتى الغش بالموبايل.. وهذه خطوة إصلاحية جبّارة لو تعلمين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل