المحتوى الرئيسى

نتنياهو يسابق ليبرمان

02/15 02:32

تنافست الحدة التي هاجم فيها نتنياهو أعضاء الكنيست من التجمع إثر اجتماعهم بعائلات مخربين جثثهم محتجزة في إسرائيل فقط بسرعته المذهلة. كان أول من أدان. وسبق نتنياهو أسرع مهاجم في البرلمان عندما يتعلق الأمر بأعضاء عرب: أفيغدور ليبرمان الذي تلكأ هذه المرة. وقد رد ليبرمان على هذا الغزو الفظ وغير المسموح إلى مجاله الحيوي بوحشية استثنائية حتى بمعاييره غير اللطيفة، إذ كتب في صفحة حزبه، «إسرائيل بيتنا»، على الفايسبوك بعد يوم من كلام نتنياهو أمام جلسة الحكومة: «كالعادة، كلمات نتنياهو خالية من المضمون. بالمقابل فإن قبور أبناء شعبنا تزداد امتلاء».

وهذا الرد غير المباشر بين القوزاقي المسلوب (من أجندة مطاردة العرب) على القوزاقي السالب منه بفظاظة كان مشهدا جانبيا في قضية الأسبوع الفائت، وهي قضية التجمع. فالانشغال المكثف، الاستحواذي، من جانب نتنياهو بهذه المسألة خرج عن كل معيار. إنه جسد واقع أن الأشتال التي غرس أوائلها يوم انتخابات الكنيست في توجهه الكاذب والاستغلالي لناخبيه بإنقاذ أرواحهم من العرب «الذين يتحركون بكميات هائلة إلى صناديق الاقتراع»، تجذرت وصارت سياسة، رسمية وعلى جدول الأعمال.

وخطاب المتحركين إلى صناديق الاقتراع ذو النكهة العنصرية، خطاب التحريض الليلي وبث الرعب ضد «الوسط العربي» في شارع ديزنغوف في تل أبيب إثر العملية التي نفذها ابن المثلث، والومضات العشوائية لكن المنهجة من على منصة الكنيست في كل مرة يختبر فيها عضو كنيست عربي حدود صبرنا، تشهد على أن نتنياهو 2016 هو بنفسه إيفيت الجديد. (ايفيت هو لقب ليبرمان). وفي ظل غياب أرانب جديدة في كمّه، تبنى نتنياهو ورقة معاداة العرب. وقد أحال كراهية لعرب إلى «لمسة» خاصة به. فالخوف من ليبرمان الذي تعزز في الاستطلاعات الأخيرة هو ما يقوده في هذا المسار السام، على طول الطريق نحو الانتخابات المقبلة. وهذا ليس فقط إلهابا للغرائز بين اليمين واليسار وبين اليهود والعرب. إنه سلوك اعتراضي لكنه مدروس يخاطب فيه نفس الناخب اليميني. وهو يبطل لجان الاختيار بدعوى «أننا انتخبنا لنحكم»، وهو يعين سكرتير حكومته مستشارا قضائيا للحكومة من دون دقيقة اعتزال. كما أنه يضم لنفسه حقائب الإعلام والخارجية والاقتصاد، وهو يستخف بالجميع.

والاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران، الذي أخفق نتنياهو في إحباطه، يغدو يوميا أمام أنظارنا ملموسا. فمليارات الدولارات واليورو تتدفق إلى خزائن الحكومة في طهران. وحملة الطعن، إطلاق النار والدهس في مدن إسرائيل وفي المستوطنات تستمر من دون عراقيل. والغضب والمقاطعات والمبادرات في العالم ضد إسرائيل تتعاظم، ورئيس حكومتنا يجد لنفسه ما يشغله: أعضاء الكنيست الثلاثة، وهم استفزازيون، منبوذون حتى في اليسار البرلماني ويستغلون بشكل مثير للغضب الديموقراطية الإسرائيلية. في الوقت نفسه هم يجسدون للعالم كونه هذا كبيئة لا تعاني من فائض في هذه السلعة.

ودشن نتنياهو حملة تصريحات أطلق فيها بشكل متكرر في كل اتجاه تعابير «الكرامة القومية» و»هناك حدود» ـ في مستهل جلسة الحكومة، وفي كتلة الليكود وفي القاعة العامة. وفعل ما يشك في أن أي رئيس حكومة سبق وفعل مثله، تقديم شكوى للجنة الأخلاق في الكنيست. كل هذا مجرد مقدمة لمشروع القانون الذي بادر إليه والذي يمكن الكنيست بأغلبية خاصة من طرد أعضاء كنيست متمردين ـ والمشبوهين المباشرين هم العرب ـ ممن ارتكبوا «سلوكا غير مناسب». وحدد سقف 90 عضو كنيست، أكثر من الثلثين، عالما بأنه مشكوك جدا وأبدا أن تتوفر أغلبية كهذه للإطاحة بعضو كنيست. والأمر حقا لا يهمه ـ 90 أو 80 أو 70. ما يهمه أساسا العثور على عدو لمحاربته، للخطابة ضده وتحديه، وللتلويح بالعصى في وجهه. لأن نتنياهو من دون أعداء متوفرين ومباشرين أشبه بالطباخ من دون مواد الخام.

وقد نسينا، لكن نتنياهو يجلس على كرسي مناحيم بيغين، أحد أكبر البرلمانيين في تاريخ اليمين. ولم يكن بيغين في أحلامه الأشد تطرفا يجرؤ على أن يخطر بباله دعم قانون يسمح للأغلبية بمعاقبة نظرائهم عن طريق إبعادهم عن المجلس التشريعي الذي تم انتخابهم له بأيدي مواطني الدولة. وأعضاء حركة حيروت، التي غدت الليكود، كانوا على مر السنين أقلية مقاطعة وملاحقة من حكم مباي. وبيغين لم ينس ذلك لحظة، حينما تم انتخابه، والاحترام الذي عامل به الأقليات نموذجي (خسارة أن أحدا لم يسمع حتى الآن صوت ابنه، عضو في كتلة الليكود، في هذه المسألة).

وفي حربه المقدسة الطاحنة ضد «العرب»، لا يتورع نتنياهو بشيء. فكل مهمة ليست ضئيلة أو حقيرة لديه، وكل مناورة خادعة ليست مرفوضة عنده. لقد أحال الحكومة، الكنيست وإجراءات التشريع فيها إلى نكتة محزنة. من الجائز أن هدفه المقبل في حملته الحازمة لتقويض الديموقراطية وإضعاف مؤسساتها، هو المحكمة العليا. حتى الآن، فقط المحكمة العليا كانت صاحبة الصلاحية لمنع قائمة من التنافس للكنيست. وطوال 30 عاما لم يجسد القضاة صلاحيتهم. نتنياهو يريد نقل الصلاحية للكنيست، على الأقل نظريا، للتلويح للمحكمة العليا بأن الكلمة الأخيرة لم تعد لها.

ووصلت الأمور للدرك الأسفل، يوم الأربعاء هذا الأسبوع في لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست. رئيس اللجنة نيسان سلوميانسكي (البيت اليهودي)، دعا لنقاش عاجل لمشروع قانون نتنياهو للإطاحة. وحضر أعضاء اللجنة ولأول مرة في تاريخ هذه اللجنة الفاخرة والمحترمة، يجدون طاولة فارغة. إذ لم تقدم لهم مسودة مشروع القانون، ولا مذكرة، ولا إيجاز، ولا قصاصة أو أي شيء. لقد طلب منهم إجراء نقاش حول ما سمعوه في وسائل الإعلام وقرأوه في الصحف. وهذا منطقي بالقدر الذي يطلب فيه من محامي الدفاع عن متهمين من دون لوائح اتهام. هذا ليس لأن رؤساء حكومات في السابق لم يحاولوا ترجيح كفة اللجنة في الجهة المريحة لهم. فدوما عرف رئيس اللجنة كيف يكبحها، إلى أن وصل هذا الناشط الأبدي سلوميانسكي، الذي يجسد كل ما كان سيئا ومشؤوما في المفدال سابقا. وافق شن طبقة.

إن القانون الذي يمنح أغلبية برلمانية أدوات عقاب هائلة كهذه هي بصقة في وجه مفهوم «الديموقراطية وإدارة ظهر للقيم الديموقراطية. وكنا نتوقع أن مشروع قانون من هذا النوع سيقدم بأيادي أنماط مثل أورن حزان، ميكي زوهر، يارون مازوز، نوريت كورن وطحالب الجدار ممن يمجدون المقاعد الخلفية لكتلة الليكود في الكنيست. فقبل فترة غير بعيدة، في أيام أكثر اتزانا، كانت المنافسة على من يتهجم على العرب أكثر وسيلة لنيل 30 ثانية في نشرة الأخبار والتي كانت محجوزة لأعضاء الكنيست السابقين الليكودي داني دانون والكهاني ميخائيل بن آري. وهم بدورهم كانا ملوك التلة بلا منازع. الآن دانون غدا سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، وصار نتنياهو دانون.

تقريبا في كل أسبوع يحظى مواطنو إسرائيل بلقمة إضافية من كل ما لذّ وطاب لدى النخبة البرلمانية التي أوصلتها حركة الليكود لقاعة الكنيست العشرين. وفي كل مرة يخيل لنا أننا نصل إلى الدرك، وإلى الأدنى والأشد سخافة، والأكثر إخجالا وإرباكا، نصاب بالخيبة. دوما تجد قعرا أدنى ودوما تجد ذلك الليكودي المناوب يتمرغ في أوحال العنصرية و/أو الحماقة و/أو الفظاظة.

هذه المرة كان دور عضو الكنيست الدكتورة عنات باركو لعرض المشهد البائس لها من على منصة الكنيست، حين زعمت بأنه ليس هناك أبدا شعب فلسطيني لأن حرف p ليس موجودا في قاموس ولغة الفلسطينيين. صباح الخير، عدنا إلى سنوات الستينيات. وكانت المرة الأخيرة التي احتلت فيها السيدة باركو العناوين حين اقترحت إجراء تفتيش جسدي لأعضاء الكنيست عند دخولهم إلى المقر، خشية أن يكون أحدهم لا سمح الله ينوي المساس برئيس الحكومة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل