المحتوى الرئيسى

أسامة العيسة.. تراجع الأدب الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو

02/15 02:18

كعادته، يُشخص الواقع، يرصد الخيبات والآمال المجهضة في الواقع الفلسطيني ولا يرغب في تحويل الهزائم إلى انتصارات واهمة. لا يتحدث عن انجازات لكنه بكلماته يحاكم، ودائماً ما يتساءل.. لماذا؟. أدرك مبكراً أن القارئ هو شريكه في رحلة استكشاف وبحث توصله إلى عوامل الدهشة، لا تقدم أجوبة بقدر ما تطرح من تساؤلات، وهذا ما بدى جلياً في روايته الأخيرة «قبلة بيت لحم الأخيرة» (الصادرة حديثا عن «دار الفسائل» في القدس)، وأحبّ أن تشكل ثنائية واقعية مع سابقتها «مجانين بيت لحم»، ينظر عبر سطورهما إلى مسقط رأسه «بيت لحم»، ويجعل بينهما روابط بشكل غير مباشر، حتى يؤكد ما أَحبّ. عندما يُسأل عن أهم أعماله يقول: «من الصعب بالنسبة إلي، تحديد أهم أعمالي الأدبية. عندما أكتب، لا أعرف إلى أي مدى نجحت في اختبار الكتابة، أحتاج دائما إلى قارئ، يقول لي، إذا كان ما كتبته، يصلح، للقراءة، أم لا». غير أن كتابه «ظله على الأرض» ـ وهو قراءة في الألقاب التي تركها الحكام المسلمون على النقوش الحجرية، على جدران المسجد الأقصى ـ له وقع خاص، حاول فيه، دراسة جذور الاستبداد العربي.

أما بالنسبة إلى القُرّاء، فإن رواية «مجانين بيت لحم»، لاقت اهتماما خاصا، علاوة على أنها حازت «جائزة الشيخ زايد للكتاب» (فرع الآداب عام 2015). سامي الكيلاني، أحد روّاد السرد في الأراضي المحتلة عام 1967، في أمسية نُوقشت خلالها الرواية تحدث عمّا علق في ذهنه كقارئ لهذا العمل الإبداعي: «إنه مقطع عرضي من الزمن الفلسطيني، زمن طويل جداً بما حمله من تفاصيل، لكن عندما سينظر إليه بعد عقود سيتعجب الناظرون إليه كيف كان ممكناً له أن يعج بهذه التفاصيل العجائبية: ما بين تاريخ يشكله المستعمرون لأرض وشعب، فعندما ينظرون إلى الأرض يتناسون أن فيها شعباً، وعندما ينظرون إلى الشعب يتناسون أن له أرضاً تنغرس فيها جذوره، سيتعجب الناظرون إليه عندما يرون السياسة فيه خالية من الدسم السياسي اللازم لسياسة تتحول إلى قيادة قادرة على التصدي لجسامة المهمة، سيعجبون عندما يرون شعباً عاش كل أفراده على خيط رفيع فاصل بين الحياة أو مغادرة هذه الحياة برصاصة طائشة أطلقت عمداً من أجل القتل، كما سيعجبون حين يرون خيطاً فاصلاً بين الجنون العاقل والعقل المجنون لا يمحى ويندثر رغم توفر كل العوامل الكفيلة بمحوه.»

تأتي رواية «ُقبلة بيت لحم الأخيرة» لتستكمل حديثا عن مدينة السلام التي لم تر سلاما لليوم. يعالج فيها «العيسة» (ابن مخيم الدهيشة)، الحقبة الوطنية داخل الجامعات الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي التي شهدت تجاذبات وخلافات وصلت أحيانا حد الاقتتال، مرورا بسنوات من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي التي لم يوثقها أحد. محاولاً تسليط الضوء على شخصيات ربما لم تأخذ حقها الكامل في وعي الإنسان الفلسطيني، كما يشير إلى تغييرات حصلت لا يلمسها إلا من غاب طويلا في السجن أو في الغربة. الروائي الفلسطيني إبراهيم جوهر يلخص وصفه للرواية قائلا إنها «موجعة وتعري وتفضح وتشخص»، ففيها تشخيص الواقع المؤلم وانقسام الفلسطينيين إلى تيارات وأحزاب، وحديث عن تغلغل الفساد في هياكل السلطة، وعن هزيمة اليسار الفلسطيني، وكيف تحول شخوص من مناضلين كبار كانوا يتصدرون الصفوف في الثورة، ثم باعوا أنفسهم للمنظمات الأهلية في محاكمة قاسية لهم ولفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى..

الروايات والقصص كان لهما النصيب الأكبر من إنجازات الروائي «العيسة»، إلا أن بداياته مع الكتابة كانت مثل كل الأدباء العرب، وربما المواطنين العرب، بالشعر الفصيح، والشعبي، ألّف أهازيج وهتافات للمظاهرات الطلابية، ولكنه سرعان ما تحولت إلى كتابة القصة، ونشر مجموعة قصصية في العام 1984، وقصة طويلة عام 1985، ومن ثم الرواية، ولكنه لم ينشر روايته الأولى التي كتبها في العام 1987 حتى الان، لأنه مؤمناً بأهمية التأني بالنشر. عن تجربته في عالم الكتابة يقول العيسة: «ما يمكن تسميته دافعا للكتابة، تغير بالنسبة لي من وقت لآخر، عندما كتبت مبكرا، اعتقدت بأنني أخدم قضية وطني، وقضايا العمّال والفلاحين، وفي فترات اعتقدت بأنني أكتب لنفسي، ما دام من أكتب لهم، من الهامشيين، لا يقرأون ما أكتب. وفي النهاية، أضحت الكتابة، بالنسبة إلي مشروع حياة، كل أنشطتي الحياتية، تقريبا، من قراءة، وصحبة، ولقاءات، ورحلات ميدانية، مُجيرة للكتابة. ويضيف: «أعتبر نفسي كاتبا محترفا، أكتب بشكل يومي، ومنظم، أعمل وفق أجندة، وخطط، في الكتابة والنشر، لا توجد لدي ذرى معينة للكتابة».

وحول نظرته للأدب الفلسطيني، لا يعده كتلة واحدة، بل يتوزع، من حيث الجغرافيا، على الأقل، في جهات الدنيا الأربع، ويرى بأنه بعد اتفاق أوسلو، تراجع ، فما انتجته تلك المرحلة كان أدبا مغرقا في الذاتية، مع غياب الإبداع، «ومن حسن حظنا انه في خلال السنوات الأخيرة، بدأت أسماء عديدة تفرض نفسها على المشهد العربي، وكثير من هذه الأسماء، لم تجئ من الوسط الثقافي التقليدي الذي يعاني، من أمراض كثيرة منها مثلا الشللية».

نظرته تلك مستوحاة من قناعته بأن العمل الأدبي هو شكل إبداعي، وجديد، ومدهش، إذا لم يتحقق ذلك فيه، فيمكن أن نطلق عليه، شيئا آخر، مشيرا إلى أشياء كثيرة غائبة اليوم عن الأدب الفلسطيني، من أهمها صناعة النشر، وتغيير النظرة إلى المنتج الثقافي، والكف عن رؤيته كمنتج، غير صالح إلا للإهداء.

ومغامرة جديدة في الشكل والمضمون، يفصح عن خباياها الروائي الفلسطيني في مجموعة قصصية قيد الإعداد للطباعة بعنوان (رسول الإله إلى الحبيبة).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل