المحتوى الرئيسى

محمد يحيي يكتب: كيف تصبح شخصية قادرة على تغيير العالم | ساسة بوست

02/14 18:28

منذ 2 دقيقتين، 14 فبراير,2016

بخلاف ما تتناوله العديد من كتب التنمية البشرية من مناهج معتادة عن كيفية اكتساب المهارات السلوكية التي تتيح لك التعامل مع واقعك دون عناء، وددت أن أتوجه في هذا المقال إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فلقد اتضح لي أن القضية أعمق من ذلك بكثير، حتى أنني قد حاولت قدر الإمكان الاقتضاب في تناول كل خطوة من الخطوات العشر؛ فربما أسعى فيما بعد إلى تسليط الضوء على كل منها على حدة في مقال مفصل من نفس الزاوية أو من زاوية أخرى، وقد تم ترتيب الخطوات في المقال طبقا للأهمية والأولوية، ولكن بالشكل الواقعي تتداخل تلك الخطوات عند التطبيق.

من الواضح في مقالي هذا تناولي التنمية البشرية الخاصة بجوانب الإنسان الثلاثة الروحي، والفكري، والسلوكي؛ حيث إذا تمكن الإنسان من الارتقاء بجميعها معًا قد يكتسب حينها قوة ذاتية هائلة تمكنه من تغيير واقعه إلى النحو المتفق مع رؤيته،  فأتمنى من القارئ المهتم أن يكون من ذوي الرؤى السديدة الخيرة.

تم تقسيم المقال على جزئين سأتناول في هذا الجزء الجانبين الروحي والفكري،   واللذين يتضمنان معًا ثلاث خطوات، وفي الجزء الثاني سأتناول الجانب السلوكي الذي يتضمن سائر الخطوات.

1- احسم صراعك مع الواقع بنجاح

حينما يأتي واقعك مخالفًا لأهوائك يتولد بداخلك صراعٌ عنيف يعكس صراعًا بين عالمين عالمك الذاتي والعالم الخارجي. حينها تقف أمام ثلاثة خيارات؛ فالخيار الأول أن تضاجع ذلك الواقع فتصبح جزءًا منه؛ حيث أنه يخيل إليك أنك قد تبنيت يومًا ما معاييرَ خاطئة؛ لأنها تعتبر السبب الرئيسي في عزلتك عن العالم الخارجي، وما عليك سوى تبنِّي تلك المعايير الجديدة التي ستتمكن من تحقيق التواصل بينك وبين عالمك الخارجي، أما الثاني فهو أن تهرب من ذلك الواقع، وتقرر أن تلتزم صومعتك وتنزوي بنفسك في عالمك الخاص؛ حينها ربما تكون ذا شخصية أقوى مما فضلت الخيار الأول، ولكن إذا كنت من مفضلي الخيار الثالث؛ فهذا يعني أنك من أولي العزائم، وهو مواجهة واقعك ومحاولة تطويعه وفقًا لمعاييرك، وإعادة تشكيله بحيث يصبح متفقًا مع رؤيتك الخاصة، فبذلك الخيار تكون قد نجحت في إتمام خطوتك الأولى نحو شخصية قادرة على تغيير العالم إلى الأفضل.

“بعد 5 دقائق من ولادتك، سيقررون اسمك، جنسيتك، دينك وطائفتك.. وستقضي طوال حياتك تقاتل وتدافع بغباء عن أشياء لم تخترها…”.

هذه الجملة التي تعكس تعبيرًا عن حالة معينة قد ترددت مؤخرًا بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي ربما لا تخالف واقعنا إن أسقطناها عليه بتلك الوضعية التي صيغت بها، بل ويمكن أن نزيد عليها “سيقررون مسكنك وأسلوب تعليمك وصفاتك الشخصية وآراءك السياسية… إلخ” لأننا حينها نكون قد تلاشينا ماهية الإنسان التي تجعله متفردًا عن باقي الكائنات، بل افترضنا أنه مسير كالنملة التي تؤدي دورها في المملكة لا مناص لها منه بحكم الطبيعة التي نشأت عليها.

إن أي اعتقاد نؤمن به بناءً على تقالدينا الموروثة والسير بدون وعي وراء الأفكار المجتمعية يكون زائفا مرائيا يسهل تقويضه أو التلاعب به، وصياغته بشكل جديد  وفق أهواء البعض؛ ففي الحقيقة مثل هذا الاعتقاد يكون قد تأسس بدافع من الخوف والرغبة في الانضواء وسط الجماهير للشعور بدفء الجماعات؛ فيصبح أقرب إلى الحمل الثقيل الذي يعرقل خطانا من كونه دافعًا قويًا يمثل وقودنا الذاتي الذي يحركنا ضد معوقات الحياة، ويمكن أن يتجلى ذلك الزيف في تلك النوبات العصبية والتشنجات الحادة التي تعتري الجماهير، حينما تتناهى إلى أسماعها انتقادات موجهة إلى معتقداتها وأفكارها الاجتماعية؛ فالمؤمن الحق بأفكاره لا يستفزه ذلك، بل يقابله رابط الجأش، وقد يجادل بالأدلة المقنعة والحجج المنطقية دون أي شعور منه بالتعصب؛ لأن إيمانه يكون قد بلغ من القوة التي ترغمه على عدم تبني ذلك.

“كم هو عدد الجماهير التي ضحت بأنفسها بنوع من البطولة من أجل عقائد أو أفكار لا تفهمها إلا بالكاد”.                                                                                                                                          غوستاف لوبون

يمكن أن نسقط ذلك القول على كثير من البشر بدءًا من ضحايا النازية في الحرب العالمية الثانية، مرورًا بضحايا الجيش العراقي في حرب الخليج، وحتى ضحايا الجنود الأمريكان في الدول التي يقتحمونها زعمًا من قادتهم أن ذلك من أجل حفظ السلام؛ فجميعهم ذهبوا أدراج اعتقادهم أنهم يقدمون خيرًا للبشرية، ذلك ما يعكس تلاعب القادة السياسيين بمعتقدات الجماهير التي لا تتفهم جوهر حقيقتها؛ حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم النكراء.

ولكي تستطيع الإفلات من تلك الحبائل ليس أمامك سوى أن تنقح اعتقاداتك بأن تفكر بعمق في داخلك، وتسلك مسارًا روحانيًا يصل بك إلى اعتقاداتك التي تتفق فعليًا مع نفسيتك؛ حينها ستصبح وقودًا ومحركًا ذاتيًا يكسبك القوة والاستقرار النسبي.

كان منظر الليبرالية الشهير “توماس بين” من أشهر المدافعين عن الثورة الأمريكية ضد المستعمرات الإنجليزية على الرغم من كونه إنجليزي الجنسية، وكان لمؤلفاته أثر بالغ في التعجيل بإعلان الاستقلال، ولم يكتف بذلك قط، بل ودافع أيضا عن الثورة الفرنسية في كتابه “حقوق الإنسان” الذي هاجم فيه الحكومة الإنجليزية وسياسة الإنكليز المناوئين للثورة الفرنسية، مما أدى إلى محاكمته، فهرب إلى فرنسا، وكان من أشهر أقواله “العالم هو بلدي، جميع البشر إخوتي، وفعل الخير ديني”.

والجدير بالذكر – وردًا على المتزمتين المتعصبين المناوئين لأي محاولة للتفكير والنقاش – قول الله تعالى في القرآن الكريم “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ“. الأنفال (22)، حينما وصف الله هذا النوع من البشر – والذي يمكن أن نسميه الدوغماتيين – بأنهم شر الخلق، كان تشديدًا منه على إعلاء قيمة العقل والتأمل والتجرد، والنظر إلى الأمور بموضوعية، وعدم الاندراج وراء العادات والتقاليد والأفكار المجتمعية وآراء الآباء والأجداد دون إعمال العقل.

فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ (33( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)                                                                                                                                                (عبس)

“استفت قلبك والبر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك”.

3- ابحث عن الهوية والمركزية

هل يمكن أن نحيا بدون إيمان؟

العديد من البشر يستطيعون العيش بدون حرية، ولكن جميع البشر لا يستطيعون العيش بدون عبودية، والأساس الذي ترتكز عليه الحرية الحقيقية هو العبودية لله؛ لأن نقيض العبودية لله هو العبودية للبشر، ولا يوجد بيننا من لا يؤمن بأية معتقدات حتى الملحد؛ فاعتقاده بعدم وجود إله هو في حد ذاته إيمان بهذا المعتقد.

عادةً قد لا ترى اتساقًا واضحًا بين ما تدعو إليه العقيدة وما يؤمن به صاحبها،    وهذا نتاج طبيعي عادةً ما ينجم عن دوغمائيته، واتباعه العادات والتقاليد والأفكار المجتمعية مع تخليه عن أمور التأمل والتجرد والاختيار التي سبق وأن أوضحنا أهميتها.

فالملحد على سبيل المثال قد تجده مؤمنا بأخلاقيات لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتفق مع المذهب المادي الذي يدعي أنه يتبعه، وكذلك كثير ممن قد تراهم متدينين تجدهم ينتهجون سلوكًا ماديًا بحتًا لا يمكن أن ينبع من أي دين أخلاقي. وها أنا أتطرق إلى عرض محادثة لي مع شخص لاأدري مثالًا على ذلك.

“إننا مش هينفع نحط نفسنا منصب الإله أو الطبيعة”.

باسترقاقك النظر في تلك الجملة تشعر بمدى التناقض الذي تحويه؛ فقد اعترف بوجود الإله ليدافع عن مبدئه؛ لأنه حقًا لا يمكن تسويغه إلا بالدين؛ فالمذهب المادي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يساوي بين البشر؛ لأنهم بحكم الطبيعة التي نشؤوا عليها غير متساوين وعلى درجات متفاوتة من الذكاء والقوة واللون… إلخ؛ فالطبيعة التي عطفها هنا على الإله لا يمكن أن تتمثل في المذهب المادي، بل وعلى الأرجح هو اللفظ المتداول عند المؤمنين بالإلهية الحلولية، وهو بمعنى من المعاني اعتراف بوجود إله.

كان فليسوف المادية الشهير “أبيقور” ذا موقف من الأخلاق؛ فبرغم أنه علم تلاميذه أن السعادة مصدرها اللذة إلا أنه نصح بما سماه “الأتاركسيا” أي هدوء العقل؛ حيث رفع قدر المتع الروحية على المتع الحسية، ولكن تلاميذه أزاحوا هذا التناقض من فلسفته حتى تصبح متسقة مع نفسها؛ إذ لا يمكن أن تجتمع المادية والأخلاق في نسق واحد؛ فأصبحت الأبيقورية اليوم مرادفة للمتعة الحسية باعتبارها الحياة المثالية.

في حين أنك قد آمنت بالمعقتدات التي تتسق مع ذاتك، يجب أن تأتي هويتك جلية معبرة عنها، ومتسقة معها في ذات الوقت لا تناقضها، أما المركزية فهي بمثابة قمة الإطار الذي تعمل في داخله، أو النقطة التي تفضي إليها جميع أعمالك، فعلى سبيل المثال إذا كنت تؤمن بوجود الله وأن الإسلام هو ديانتك (المعتقدات)، فأنت تعبر عن ذاتك من خلال إيمانك بالمعايير المستمدة من هذا الإيمان، وتنتهج سلوكا مبنيًا على أساسها، فهذه المعايير هي الركيزة التي تثبت عليها، وهي تتضمن أيضًا عوملَ أخرى كاللغة الأم، والجنسية… إلخ (الهوية)، وكل عمل تؤديه، وكل هدف تتوخاه، وكل يوم تحياه هو من أجل إرضاء الله (المركزية)، فباتساق تلك المفاهيم الثلاثة مع بعضها البعض عند الإنسان، وعملها داخل نسق واحد، وعدم تنافرها؛ يكون قد اتسق مع ذاته ونجح في الوصول إلى منهل حقيقي للقوة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل