المحتوى الرئيسى

ثورة بك.. أو عليك

02/14 17:24

هذه السطور معادة، عمرها عام بالتمام، وسبق نشرها فى هذه الصحيفة.. حاول أن تقرأها اليوم بعقل مفتوح، وفى ذهنك مشهد الجمعة فى نقابة الأطباء، ومشاهد متعددة من التجاوزات "الفردية" لبعض المنسوبين للشرطة، والشبهات حول مقتل الشاب الإيطالي، وتصريحات الرئيس عن عدم القدرة على الاستمرار فى الدعم، وتصريحات رئيس الوزراء عن الإجراءات الصعبة المنتظرة، والملف الاقتصادى المتخم بالأمراض المميتة، وغضبة الأولتراس، وموت السياسة، وتباطؤ الإصلاح، وعدم النية فى الاقتراب من مناطق التوتر بإجراءات مسبقة لنزع الفتائل قبل تطورها، والتصعيد ضد كل خطاب منتقد بدعوى الحفاظ على الدولة، وعدم الاقتراب من ممارسات وسياسات من قبل محسوبين على الدولة لا وصف لها سوى أنها تهدم الدولة، وحديث الرئيس عن المشكلات التى يكتشفها كلما وضع يده فى منطقة أو ملف دون إشارة لوسائل التصدى لتلك المشكلات أو آليات إصلاح وتأهيل الأجهزة المنوط بها التصدى للمشكلات، وخريطة المظالم التى تتسع، والصدامات التى تنفجر فئويا واجتماعيا ومهنيا، والأستاذ هيكل الذى يرقد الآن على الجسر، بعد عام أيضا من دعوته للسيسى بالثورة على نظامه.

عندما خرج الناس فى ٣٠ يونيو ثائرين وملتفين حول مطالبهم، المؤكد أنهم كانوا يفكرون في أن تكون الثورة الأخيرة على الأقل خلال مدى زمنى طويل نسبيا، لا أحد يتمنى أن يتواصل الاضطراب فى بلده وعدم الاستقرار، وأيضا لأن الرهان القائم كان يذهب إلى أنه لن يكون هناك نظام عاقل بمقدوره أن يكرر أخطاء نظامين سابقين، وألا يعتبر من نتائج ثورتين فى أقل من ٣ سنوات.

كانت ٣٠ يونيو لحظة ذهبية ونادرة، وفرصة للانطلاق من جديد فى فضاءات المستقبل والتحرر من إرث دولة الاستبداد التى أسقطها الشعب فى ٢٥ يناير، وأوهام الدولة الدينية التى تم إجهاض مشروعها قبل أن يفرض نفسه فى ٣٠ يونيو، لتبقى فقط القيم المشتركة للثورتين، فيما يخص بناء الدولة الحديثة التى تحمى الحياة والتنوع والحقوق والحريات، وتُقيم العدل والمشاركة، وتتلافى كل ما ارتكبه السابقون من خطايا كانت سببا واضحا فى إسقاطهم.

لكن الواقع الآن لا يكذب، السيارة تعود إلى الخلف، ليس فقط لعدة سنوات عند حدود الرابع والعشرين من يناير ٢٠١١، وإنما يجرى دفعها بإصرار لأعوام كثيرة موغلة فى الماضى، فى محاولة لاستدعاء نموذج الدولة الوصي بكل تجلياته الأمنية المرتكزة على العصا والزنزانة، والقانونية المرتكزة على استغلال القانون ومحاولة اختراق المؤسسة القضائية لخدمة السياسة الأمنية وتحصين القائمين عليها، والإعلامية فى محاولات احتكار الإعلام والسعي لتوحيده عبر وسائل شتى بين ترهيب وترغيب وتنسيق وتوزيع أدوار، ليخرج خطاب إرشادي يكاد يكون واحدا لا يختلف إلا فى نوع الحنجرة الذى تتحدث به.

الرئيس السيسى الذى توافرت له ميزات لم تتوافر لثلاثة حكام غيره بعد الثورة، شعبية كبرى، دعم داخلي غير محدود، مبايعة وولاء من أجهزة الدولة، معرفة مسبقة بمشكلات الدولة باعتباره قادما من قلب دولابها ومن أهم مؤسساتها، تجربة واضحة فى الحكم من خلال مشاركته فى إدارة الفترة الانتقالية الأولى كعضو مجلس عسكرى والثانية كوزير دفاع ونائب لرئيس الوزراء، حيث دعمٌ خارجيٌّ وإقليميٌّ قوىٌّ حتى لو كانت واجهته تحديات كبرى لا نستطيع أن نغفل أهميتها فى مواجهة الإرهاب، وتقلبات الإقليم، لكنه فيما يخص القطيعة مع الماضى يتحدث وفقط، حتى بات مفعول الكلام المعسول والحاني غير كاف ليصمد أمام السياسات والتقصير والتجاوز والموت والانفلات والفساد وسوء الأداء وإفلات المقصرين والمتجاوزين غالبا من أى محاسبة حقيقية أو عقاب، بما يطغى على أى إنجاز، ويعرقل أى مسيرة، ويلوث أى نيات حسنة.

باتت الدولة بأجهزتها، إما أن لديها سوء تقدير بالغًا، ولا تدرك عواقب سياساتها فى هدم ما تبقى من آمال للمصريين فى دولة ترتكز على الأقل على قضاء مستقل وعادل وناجز، يفتح التحقيقات وينهيها بمحاكمة متهمين حقيقيين، وإرادة سياسية تواجه العجز والفشل والتقصير وسوء الأداء، وكبح الميل الدولتي نحو قهر الناس وتصفية حسابات الثأر معهم، وجدية كاملة فى التعاطى مع قضايا الفساد والاستثمار وبناء الصورة الذهنية الإيجابية لجذب المستثمر والسائح، أو أنها تدرك كل هذه العواقب وترمى لاختبار غضب ناس وشحنه بالمزيد من مسببات الانفجار، من أجل موجة تغيير أخرى يجرى الدفع فى اتجاهها من داخل الدولة، ولا حل أمامها سوى تحويل الرئيس الذى كنت تراه ضرورة فى وقته، إلى رئيس عبء، لا يمكنه الحفاظ على الدولة وبقائها حتى كهيكل شبه متماسك إلا بتقديمه قربانا لانفجار قادم، لن يعرف له عنوانا أو هدفا سوى الرئيس.

تخبط النظام اقتصاديا، وتركيزه فى مشروعات بعيدة الأثر، يجعل العائد الذى يخص المواطن الفرد يتأخر كثيرا، مع تحميله كل فاتورة الإصلاح الاقتصادى من رفع الدعم وتضاعف للأسعار، مع استمرار تردى الخدمات، وغياب مشروع واضح غير الخطابة الرنانة العاطفية، واستثمار الغضب المستحق من الإخوان، وخطابات الالتفاف فى زمن الحرب على الإرهاب للتغطية على كل ذلك، ويتوازى معه إحساس بأن وجود السيسى على رأس الدولة لم يغير شيئا فى ممارسات الشرطة ولا منهجها فى التعامل مع المواطنين، ولا تورطها فى قتل ضحايا بسبب أخطاء أفراد فيها، أو عقم سياسات وسوء أداء وتمسك أمنى بإحراءات لا تقيم وزنًا لحياة المواطن، ما جعل السجل الحقوقي لفترته الرئاسية يزداد لونه قتامةً، حتى فى القضايا البعيدة عن محاربة الإرهاب بسبب تلك الممارسات.

هناك إذن من يصنع الانفجار من داخل الدولة أو يساعد على ذلك، مما قد يجعل موجة تغيير كبرى قادمة، بعد أشهر بعد سنوات، لا يهم توقيتها، قدر أهمية أن يفهم الجميع أن هذا الطريق لا نهاية له سوى الانفجار، وأمام السيسى خياران لا ثالث لهما، فإما أن تأتى ثورة به، فيثور على نظامه كما نصحه هيكل بحزمة إصلاحات عميقة وحقيقية، وإعادة هيكلة جرئية تستهدف أجهزة الدولة أولا وسياساتها، وإرساء حقيقى لدولة قانون للجميع وعلى رقاب الجميع، لا ينفذ منها المتواطئون والمقصرون والمتجاوزون والمنتهكون لكرامات الناس وحقوقهم، ولا تتورط فيها الدولة فى خصومات تبدأ فردية جدا وتحولها السياسات التى تحابى المتجاوزين إلى خصومات صارخة مع الدولة ورئيسها، أو فلينتظر ثورة عليه، لأن تلك هى المحطة المنطقية اللاحقة لتلك السياسات، ولا يتصور لحظة أن تخويف الناس من التغيير يمكن أن يؤمّنه من مصير السابقين، حتى وهو يسير أبعد من خطاهم فى الاستهانة بالشارع.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل