المحتوى الرئيسى

الحب لا يفنى

02/14 11:51

في يوم ما.. ذهب إلى غرفته وهو في غيبوبة تامة من الحب. لم يخلع حذاءه ولا ربطة عنقه، فما أجملها من ليلة! يريد أن يبقى كما هو بملابسه، بعطره. لا يريد أن يخلع هذه الأمسية من ذاكرته. في طريق العودة لم يشعر بشيء، لا قطة الرصيف الحزينة، ولا السائل المتسخ. لم يشعر بدخان المصانع في أنفه، لم يسعل كعادته، ولم يتعثر في فراغات السلم القديم أسفل البيت.

جلس يحدق في سقف الغرفة، لأول مرة يراه بهذا الخيال لم يرَ الشقوق التي عبرت عن حياته المرهقة، ولم يرَ المصباح المعلق الذي يكاد ينطفئ مثل روحه، لم ير تجمع المياه على جانبي الحائط، فقد خدره الحب.. هو يريد أن يرجع بالوقت للوراء.. مطعم صغير.. قهوتان.. عيناها.. صمتها الذي أنقذه.. وروحها القمرية.. فهي ليلة لن تُنسى.

أخذ يترقب هاتفه، متمنيًا، منتظرًا صوتًا، لم يكن يريد أي شيء أن يغير من رتابة أيامه، كالسجين في الظلام الذي لا يريد نورًا لكي لا يتشبث به، ولكن قانون الحب مختلف، فلا مفر منه، حتى إن أغلقت فمك وعينيك وخبأت روحك وشُلَّ جسدك.. لا مفر منه.

ظل محدقًا في هاتفه، يتحرك يمينًا ويسارًا، تتسارع دقات قلبه. شعر ببيته يضيق عليه؛ بدأ يُطرَد خارج خياله.. لم تتوقف ساقيه عن الاهتزاز قلقًا، لم يتعذب هكذا من قبل، فكانت حياته خالية وبابه موصدًا وروحه تائهة.. فلماذا أتت؟ 

كسره الأرق واغتاله التفكير؛ أخذ ورقةً وقلمًا وبدأ يدون.. كتب بعض الكلمات الزائفة التي لم ترضِه، كلمات شاهدة على ضعفه، كلمات تحرق ما قبل هذا اليوم، وتذكره بالبحث عنها في أدراجه.. في كتبه.. بين أعين الغبار المتراكم.. لعل يجد لها طريقًا خياليًا يطفئ من صبره السلسال.. هو خط يده.. هو أنا.. هو أنت.. يسأل مجددًا ببكاء مكتوم لئلا يوقظ أحجار البيت المترهلة.. يسأل مجددًا: "لماذا أتت؟".

جاءت هي كمّلته.. وجدت القطع الضائعة.. وخلقت فيه صورةً لم يكن يدرك وجودها.. توقف عقله عن العمل أمام المس الصادر منها، حركت مياه العشق الراكدة فيه، ألقته غريقًا، وشاهدته يحارب لكي لا يموت فيها، وابتعدت.. هي حبه الأول، وهي في الحب جاهلة.. ذاقت من مرارته وبصقت، وصدت، وكسرت سهامًا إليها مسرعة، وذهبت عكس الدنيا وتاهت.. اختطفت قلبه وتركته بلا قلب.. بلا نبض.. باغتته وأخذت معها الدنيا، واختفت.. وغابت.. وقد ضاع هو بينها وبين نفسه.. وضاعت هي بينها وبين الغيب. 

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل