المحتوى الرئيسى

الفيلات الآيلة للسقوط.. صداع يهدد «رؤوس» أصحابها

02/14 11:31

فيلات قديمة تملأها الشروخ والشقوق، بعضها أوشك على السقوط فوق رؤوس أصحابه بسبب التصدعات التى رسمت علامات الرعب والذعر على وجوه سكانه البائسة، وبعض السكان أكثر بؤساً، فقرروا تركها بالفعل وأصبح مصير أصحابها سكناً أقل من طبيعة سكنهم المرفَّهة طوال 60 عاماً، منتظرين انهيار الفيلا فى أى لحظة، ولسان حالهم يقول: «العمارة أرحم».

«إبراهيم»: مش هاخرج منها مهما حصل.. روح أمى وأبويا فيها

3 فيلات فى مناطق مختلفة لا يُستدلّ عليها برقم طمسه الزمن، سوى واحدة تحمل لافتة صغيرة الحجم برقم «33»، علّقها صاحبها إبراهيم أحمد، على عمود سور فيلته الآيلة للسقوط بشارع خورشيد فى المنيل، لعدم تميُّزها وسط الفيلات القديمة بالمنطقة التى تحمل أرقاماً، خوفاً من إلقاء الضوء عليها وإبلاغ الحى بتهالكها: «ركّبت لافتة جديدة بالرقم، ودهنت الفيلا من بره مرتين، عشان الشروخ ماتبانش ويتنفذ قرار الإزالة، بس مهما عملت بترجع تانى التشققات تبان وبيقولوا لى لو فضلت جواها هتقع عليك».

لم يكن ضيق الحال هو الدافع وراء إصرار الرجل السبعينى على البقاء فى الفيلا القديمة، دافع آخر جعله أكثر تعلُّقاً بها، فقد عاش بداخلها ذكريات جميلة مع أسرته، قبل أن يعيش وحيداً بعد وفاة الأهل، «عندى قدرة إنى أخرج من الفيلا، لأن طبيعى أعيش فى بيت بعمارة أحسن من الفيلا اللى ممكن تنهدم عليا فى أى لحظة، لكن أنا ماقدرش أخرج منها مهما حصل، كفاية روح أمى وأبويا فيها».

قبل غروب الشمس، اعتاد «إبراهيم» الوقوف خارج سور فيلته المتهالكة، يتأمل فيها حتى الظلام محاولاً استرجاع ذكرياته مع الأهل، قبل 70 عاماً: «الفيلا قديمة جداً، كان أبويا وارثها عن جدى، يعنى بقالها فوق الـ100 سنة على الأرض، وكانت الناس كلها بتحسدنا عليها وإننا عايشين فى فيلا وقتها، دلوقتى أنا اللى باحسدهم على نعمة البيت اللى ساكنين فيه وهما مطمّنين، كفاية إن مش فى أى لحظة ممكن يقع عليهم زيى، والاسم إنى عايش فى فيلا».

يضيف «إبراهيم»: «كنت دايماً باقف عند الجنينة اللى قدام الفيلا مع بابا، وكان بيحكى ليا ذكرياته فيها وإنه عاش فيها طول حياته، وكان بيخلينى أوعده طول الوقت إن مايجيش يوم عليا أبيع الفيلا، ولا لو حالتها بقت صعبة أقبل بهدمها، لأن ماليش إخوات، وأنا الوحيد اللى عايش فيها من بعدهم، عشان كده عمرى ما أفرّط فيها أبداً ولو هتتهد عليا وهينفذوا قرار إزالتها وأموت جواها».

فيلا «أنور».. تركها أصحابها منذ 30 عاماً وتُسبّب الخوف والقلق للجميع

«إبراهيم»، موظف حكومى على المعاش، حياته مليئة بالتفاصيل المرعبة داخل فيلته القديمة، لم يُخفِ رعبه من النوم فى غرفته الذى يسكنها بمفرده قبل سنوات، فالنوم خاصم عينَى الرجل، خوفاً على ضياع ذكرياته تحت أنقاض هذا المبنى العريق فى حال سقوطه، أو تنفيذ قرار هدمه، «من بعد ما أمى ماتت من 25 سنة وأنا عايش لوحدى فى الفيلا، وقرار الإزالة طلع من 3 سنين بس، لما الفيلا بقت حالتها صعبة جداً، لدرجة إن عمود من العمدان اللى فيها متهالك تماماً من أساسه، بس ماحدش قادر ينفّذ القرار لأنى رافض الخروج من الفيلا».

محاولات ومساومات عدة من مسئولين بالحى والسكان المجاورين، ليتنازل «إبراهيم» عن قراره وتمسُّكه بالبقاء فى الفيلا، والموافقة على هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى: «أنا ماتجوزتش ولا مرة فى حياتى، ومعنديش عيال، وكنت عايش مع أهلى مبسوط، مافكرتش أتجوز لأنى ماباحبش المسئولية، وحياتى كلها من دماغى ومابخافش على حاجة، وطلبوا منى أكتر من مرة أمشى ويهدّوها وبعدين أطلع بيها تانى، لكن ماقدرش على هدمها، وأنا قابل أعيش فيها وهى كده، عشان كده مش هاخرج منها إلا على نقّالة، أو تحت ترابها، ده كل حيطة فيها ذكرى حلوة من زمان، عشان كده باحاول أجدد فيها من بره بدهانات وترميم، وعارف أن مافيهاش فايدة وأساسها متهالك وممكن تقع عليا فى أى وقت».

شروخ عميقة فى الجدران، تصدُّعات فى السقف والأعمدة، تآكل شديد فى درجات وسور السلم، تهالك فى الجدران الخارجية وصل إلى حد تساقط أجزاء من الطوب.. هكذا حال فيلا عائلة «أنور باشا» القديمة التى طُمست أرقامها بفعل الزمن فى شارع 205 بمنطقة المعادى القديمة، والتى تركها أصحابها قبل 30 عاماً، لكنها ظلت باقية حتى الآن، تشكِّل مصدر خوف وقلق للجميع، الذين يسكنون بعقارات تجاورها، والمارين إلى جوارها، لا أحد يأمن فيلا «عائلة أنور المهجورة»، الآيلة للسقوط.

الأزمة التى يعيشها جيران الفيلا الآيلة للسقوط تتضاعف مع مرور الأيام، فى ظل عدم اهتمام المسئولين بقرار إزالتها وهدمها، والخطورة الكبيرة التى تشكِّلها، لا سيما أنها تجاور عقاراً يكتظّ بسكانه. «الفيلا عبارة عن طابقين، وقديمة جداً وفيها شروخ كتير من يوم ما وعيت على الدنيا»، قالها مصطفى عبدالحميد، 42 عاماً، أحد جيران الفيلا القديمة، مشيراً إلى أن الحى لم يقرِّر إزالتها أو يلقِ الضوء عليها حتى الآن.

«الفيلا مُحاطَة بسور حديدى، ومُقفَلة بالقفل ومافيهاش حد عايش إلا غفير بييجى كل فترة يشوفها ويمشى، لكن من يوم ما اتولدت وانا فى المعادى، ودايماً باشوفها لأنى ساكن جنبها وعارف من صغرى إنها ملك عائلة أنور باشا، ودى عيلة معروفة أصولها من زمن الزمن، تقريباً من أيام الخديوى إسماعيل سنة 1889، وعدّى عليها الزمن واتبنى حواليها عماير ومدارس، وأكيد خطر علينا».

يتعجب الرجل الأربعينى من عدم استغلال المسئولين الفيلا، كمكان أثرى أو خدمى، رغم تهالكها الشديد، ووضوح آثار تصدعاتها وشقوقها: «من 3 سنين حصل فيها ترميم، مش عارفين من الحى ولا أصحابها، عشان الطوب اللى بدأ يقع منها، لكن على حالها، لا حد ساكن فيها ولا مستغلين المبنى فى أى حاجة»، مضيفاً: «حاولنا نستفسر عن العيلة ونعرف مين اللى عايش منهم، بس ماعرفناش، والغفير مابيتكلمش مع حد، كل اللى عرفناه منه، إن أصحاب الفيلا سابوها بعد تهالكها وساكنين دلوقتى فى شقة عادية فى المعادى عشان خايفين تقع عليهم أكيد. الحمد لله على نعمة البيت اللى أنا فيه، الناس عندها فيلا وسايبينها وعايشين فى بيت عادى زيّنا».

التهالك الذى تعانيه فيلا عائلة «أنور» القديمة بالمعادى، هو نفسه الذى تعانيه فيلا أمجد عبدالهادى، 36 عاماً، الوريث الوحيد لعائلة «عبدالهادى» بمنطقة المهندسين، حالها لا يختلف كثيراً عن سابقتها، تركها «أمجد» مع أسرته منذ سنوات، بعد تعرُّضها لشروخ وتصدعات كادت تهدم الفيلا فوق رؤوسهم فى أى لحظة.

«أمجد»: كل ما تظهر تشققات نعالجها علشان نتجنّب قرار الإزالة

يقول «أمجد»: «من 20 سنة خرجت من الفيلا مع أهلى عشان كان حالتها صعبة جداً، أصحابى طول الوقت لحد دلوقتى بيحسدونى لما يعرفوا إن أبويا وارث فيلا عن جدى قديمة فى مكان زى المهندسين، وإنها هتبقى ملكى بعد كده، مش فاهمين اللى فيها، ده احنا سايبين الفيلا وقاعدين فى بيت عادى جداً، والفيلا أصلاً ممكن تتهد فى أى وقت ومش هنستفيد بيها، غير إننا ممكن نبيعها حتة أرض، بس والدى رافض يهدها أو يبيعها». «أمجد» وأسرته اعتادوا زيارة الفيلا القديمة، رغم تهالكها الشديد واحتمال سقوطها فى أى لحظة، «والدى معوّدنا نروح نشوف الفيلا دايماً عشان ذكرياته كلها فيها، وبيبقى حريص إننا نروحها زيارة بانتظام، لكن صعب نعيش فيها لأنها متهالكة تماماً، خصوصاً جواها صعبة جداً، والحيطان كلها مشقَّقة ومهما كنا بنعالجها تظهر تانى، لكن من بره مقبولة، عشان دايماً والدى بيعالج شقوقها عشان يتجنب قرار إزالتها».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل