المحتوى الرئيسى

واشنطن بوست: الطريق إلى موجات الجاذبية: كيف حارب العلماء على مدار 100 عام لإثبات فرضية آينشتاين - ساسة بوست

02/13 20:06

منذ 2 دقيقتين، 13 فبراير,2016

أوردت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أمس الجمعة 12 شباط/فبراير 2016 تقريرا تشرح فيه كيف تنبأ ألبرت آينشتاين بموجات الجاذبية قبل 100 عام من إثباتها عن طريق أجهزة استشعار متقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي كان بمثابة الحدث الأكبر علميا في القرن الحالي. كانت أجهزة الاستشعار قد رصدت لأول مرة موجات جاذبية ناتجة عن اصطدام ثقبين أسودين يبعدان 1.3 مليار سنة ضوئية عن الأرض.

كانت أذن العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين هي أول من سمع صدى تلك السيمفونية الكونية الكبرى، قبل أن يتمكن العلماء ـ الخميس الماضي ـ من رصد موجات الجاذبية لتعلن إنطلاق آفاق جديدة في البحث العلمي ستمكن الفيزيائيين من معرفة الكثير من الأسرار عن هذا الكون، والتي كان قد طال البحث عنها وفق التقرير.

زابولكس ماركا ـ عالم الفيزياء الفلكية بجامعة كولومبيا- صرح لوكالة أسوشيتد برس مشبها تلك الموجات بالموسيقى، حيث يقول: “حتى هذه اللحظة، كنا نوجه أنظارنا نحو السماء، دون أن نستطيع الاستماع لتلك الموسيقى”. ماركا هو أحد أعضاء الفريق العلمي الذي توصل لهذا الاكتشاف الكبير، حيث يرى أن نظرة العلماء للكون ستختلف تماما منذ هذه اللحظة.

بالعودة إلى ما فعله آينشتاين، فقد تنبأ بوجود تلك الموجات كجزء من النظرية النسبية العامة التي قدمها عام 1916، حيث شملت المائة عام التالية من تلك السنة الكثير من الجدل والفرضيات والآراء، وقرارات تمويل كبرى؛ بحثا عن الأمر، حيث بلغ حجم الإنفاق قرابة 272 مليون دولار ظن الجميع أنها أُنفِقت هباء إلا أن توقعات آينشتاين أثبتت صحتها بعد مرور 100 عام.

ترجع الصحيفة بداية الأمر منذ أن بدأ آينشتاين عام 1915 في تقديم مجموعة من المحاضرات عن نظريته النسبية، شرح فيها أن الزمان والمكان يشكلان ما يشبه الخيوط المتصلة التي يمكن أن تتشوه بفعل أي شيء ذي كتلة، وأن أثر هذا التشوه هو الجاذبية، تلك القوة التي تجبر جميع الأشياء، بداية من الضوء ووصولا إلى سقوط ثمرة تفاح من شجرة على اتباع مسار معين في الفضاء. افترض أينشتاين في العام التالي وجود ما أسماه بموجات الجاذبية كنتيجة طبيعية لتلك النظرية التي وضعها.

يفترض آينشتاين أنه إذا كان الفضاء هو النسيج المكون لهذا الكون، فإن الأحداث الكبرى التي تحدث – كاندماج ثقبين أسودين على سبيل المثال- لابد أن ترسل ذبذبات خلال هذا النسيج تشبه التذبذب الناتج من سقوط كرتي بولينج على سطح ترامبولين. تلك الذبذبات أطلق عليها اسم “موجات الجاذبية”، والتي يفترض أنها تحيط بنا من جميع الاتجاهات، وتسبب تضاغطا وتمددا لحظيا للفراغ حولنا دون أن نشعر بذلك؛ حيث إنها ضعيفة للغاية بحيث يصعب رصدها وفق حسابات آينشتاين، إلا أنها موجودة.

تشير الصحيفة الأمريكية أن موجات الجاذبية كانت تماما كالنظرية النسبية العامة، هي مجرد نظريات، أو بمثابة معادلات تم إثباتها نظريا، ولكنه لم يتم رصدها عن طريق تجارب عملية، ولهذا السبب كانت كلا الفرضيتين مثيرتين للجدل علميا. يعتقد الكثيرون في الأوساط العلمية أن الشكوك التي دارت حول نظرية آينشتاين، بالإضافة إلى معاداته الصارخة للسامية كانت سببا رئيسا في عدم حصوله على جائزة نوبل على ما قدمه في هذه النظرية (إلا أنه حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 لتفسيره الظاهرة الكهروضوئية). كان الكثير من العلماء قد حاولوا إجراء عدة تجارب للنظرية النسبية، كان أبرز تلك التجارب عام 1919 والتي قام بها الفيزيائي البريطاني السير آرثر إدينغتون، والذي استغل وجود كسوف للشمس ليرى إذا ما كان الضوء المنبعث من النجوم يسير في مسارات منحنية في طريقه إلى الشمس أم لا وفق فرضية آينشتاين، وقد تأكد ذلك بالفعل.

وفق مجلة كوزموس العلمية الشهيرة، فإنه عندما سأل آينشتاين عن ماذا كان ليفعل إذا أثبتت التجارب خطأ فرضيته، أجاب آينشتاين قائلا: “في هذه الحالة، سأشعر بالأسف تجاه إلهي، لأن النظرية صحيحة”.

بمرور الوقت، أثبتت التجارب العلمية صحة أجزاء من النظرية النسبية تباعا، حتى تم التحقق من كل أجزائها باستثناء ما يتعلق بموجات الجاذبية، فلم يستطع أي شخص إعطاء دليل كامل على وجودها، حتى آينشتاين نفسه، حتى إدينغتون نفسه الذي كان شديد الحماس تجاه نظرية آينشتاين أعلن فيما بعد أن تلك الموجات ما هي إلا مجرد حسابات رياضية، وليست ظاهرة فيزيائية، وقال: إن الصفة الوحيدة لهذه الموجات هي قدرتها على الانتقال بسرعة الضوء. انتهى المطاف إلى كون الأمر مشكوكاً فيه، حتى من جانب آينشتاين نفسه، حيث أعلن في أحد المرات عن أن تلك الموجات غير موجودة، قبل أن يعود ليؤكد وجودها مجددا وفق ما نشرته واشنطن بوست.

بعد فترة من تلك النظريات، حدثت فترة الركود العالمي وتبعتها الحرب العالمية، ما كان سببا في توجيه أنظار الجوائز العلمية في الاتجاهات العسكرية ولقاحات الأمرض المستعصية كشلل الأطفال، ثم في ستينات القرن الماضي، قرر جو ويبر: وهو أحد أساتذة الهندسة بجامعة مريلاند، إعادة محاولات رصد موجات الجاذبية التي كان رصدها مستحيلا، حتى بالنسبة لمكتشفها نفسه. اعتمدت تجربة ويبر على اسطوانتين من الألومنيوم موضوعتين في الفراغ في معملين في مريلاند وشيكاغو، حيث افترض أن موجات الجاذبية سيتردى إلى صوت في تلك الاسطوانات يشبه صوت الجرس، وأنه في حالة رصد ذلك الرنين في الوقت نفسه في المعملين، فإن ذلك سيعني وجود نتيجة ما.

وفق صحيفة نيويوركر الأمريكية، كانت أول نتيجة يتوصل لها ويبر هي عام 1969، حيث تم استقبال نتائج ويبر بحفاوة كبيرة في البداية، ثم بالكثير من التشكيك بعد ذلك مع فشل المعامل الأخرى في الولايات المتحدة في التوصل لنتيجة مشابهة. لم يتخل ويبر أبدا عن مشروعه، حيث واصل زعم حصوله على نتائج جديدة، حتى وفاته عام 2000، إلا أن الكثير من المشروعات التي كانت تهدف إلى رصد تلك الموجات توقفت؛ لعدم توصلها إلى النتائج المنتظرة. الفيزيائي راينر ويس صرح لصحيفة نيويوركر قائلا: “كل من قالوا بأنهم رصد تلك الموجات هم كاذبون وغير حريصين، الله يعلم هذا الأمر”، حيث كان راينر دائما من المشككين فيما يفعله ويبر، كما حاول دائما التوصل لطريقة فعالة لرصد تلك الموجات وشرحها لطلابه.

وضع ويس تصوراً للجهاز الذي يمكن استخدامه في رصد تلك الموجات، وكان تصوره بمثابة حجر الأساس لبناء جهاز الليزر المستخدم في عملية الرصد الأخيرة (ليجو) وهو عبارة عن اثنين من المستشعرات الضخمة يقع أحدهما في واشنطن فيما يقع الآخر في لويزيانا وتمكنا من رصد موجات الجاذبية رسمياً ولأول مرة.

على الرغم من أن موجات الجاذبية تلك يفترض أنها تحيط بنا، إلا أنه من الصعب تواجد موجات لها قوة كافية تسمح لنا برصدها على الأرض. ومن ناحية أخرى، فمن الصعب وجود أدوات بحجم وقوة التصميم الذي رغب ويس في تنفيذه، والتي تتطلب تقنيات حديثة ربما لم تتوصل الابتكارات العلمية لها بعد، كالعاكسات المتطورة، وأجهزة الليزر بالمواصفات التي افترضها، بالإضافة إلى آلات ضخمة؛ لتفريغ الهواء؛ أملاً في تجنب أية أشياء قد تشوش أو تضعف الموجات التي يتم التقاطها، بالإضافة إلى الحجم الكبير للاسطوانات المستخدمة. نظرا لكل تلك الأسباب، لم يكن من السهل على الإطلاق بناء ذلك الجهاز، وبالتأكيد لم يكن رخيصا، فكيف سيكون الأمر مع بناء اثنين من تلك الأجهزة. هكذا رصد التقرير حجم الصعوبات التي واجهت العملية بأكملها.

الحاجة العلمية الملحة للتوصل إلى نتائج بهذا الشأن دفعت العلماء إلى الاستمرار، إلى أن قدمت مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية تمويلا لويس وزملائها بمقدار 272 مليون دولار لمواصلة أبحاثهم. وفق صحيفة نيويوركر، فقد كانت هناك الكثير من الشكوك حول التوصل لنتيجة ما، إلا أن تلك الشكوك انتهت بعد 21 عاما بعد الكثير من عمليات التطوير على مختبر ليجو، حتى تم التوصل لنتيجة مؤكدة.

ماركو دراجو، الباحث في هانوفر بألمانيا، تلقى بريدا إلكترونيا من برنامج الكمبيوتر الذي يقوم بتصنيف البيانات الواردة من مرصد (ليجو) الذي يركز على إلتقاط موجات الجاذبية. كان الأمر تقليديا، حيث يتلقى دراجو مثل تلك الرسالة بشكل يومي وفق ما صرح به لمجلة Science Magazine، حيث يقوم البرنامج بإرسال أية إشارات مثيرة يلتقطها المرصد، إلا أن الإشارة كانت كبيرة للغاية هذه المرة، حيث كان اليوم الأول لتشغيل الأجهزة بعد آخر تطوير لها. وضعت تلك الإشارة الباحثين في حالة ترقب شديد إلى أن تم التأكد من صحة الإشارة، ما كان معناه حدوث ما انتظره العلم طيلة 100 عام.

شاد هنا – أستاذ الفيزياء بجامعة بنسلفانيا وأحد أعضاء الفريق البحثي لـ”ليجو”- صرح لموقع the Conversation بأنه لم يكن يتوقع أبدا، هو وزملاؤه، أن تتمكن الأجهزة من التقاط الموجات في أول يوم بعد تحديثها مباشرة. كما يقول دافيد ريتز المدير التنفيذي للمشروع أنه أصيب بالذهول لدرجة أن لم يستطع تصديق ما يراه في كل مرة يرى فيها البيانات.

بالنسبة لـ”ويس” (مؤسس المشروع)، كان الأمر بمثابة الانتصار، حيث قضى الرجل أكثر من نصف حياته بحثا عن موجات الجاذبية، وصرح لموقع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قائلا: “لقد كان الأمر أشبه بوجود قرد على كتفي طيلة 40 عاما يخبرني في كل يوم (كيف يمكنك أن تعرف أن ما تفعله صحيحا؟ إن لديك الكثير من العاملين في هذا المشروع، ماذا إذا لم يكن ما تفعله صحيحا؟)، الآن نزل هذا القرد”.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل