المحتوى الرئيسى

عن غادة عبد الرازق وحفلة الليلة وكل ليلة!

02/12 21:06

غادة عبد الرازق تلفت أنظار العالم إلى المالديف (1)

في مقالة عن الدول التي تسمح للمصريين بزيارتها دون تأشيرة أبهرني الكاتب بالعبارة التالية:

"جزر المالديف، التي لفتت أنظار العالم بعد رحلة الفنانة غادة عبد الرازق، ومجموعة كبيرة من الصور للجزر التي أطلق عليها الجميع جزر الأحلام، وهي التي لا يتطلب الذهاب إليها تأشيرة تحصل عليها قبل سفرك، ويمكنك الحصول عليها فور وصولك وتسمح لك بقضاء شهر كامل، بدون تأشيرة".

تخيل عزيزي القارئ أن العالم لم يلتفت إلى جزر المالديف حتى زارتها غادة عبد الرازق!

على موقع Quora كتبت سيدة أميركية عن تجربة خاضتها لمدة أسبوعين بالتعاون مع صديقة متخصصة في علم النفس.. قامت السيدة بفتح حساب وهمي على الفيسبوك.. وكتبت منشورات عن حياة مليئة بالمغامرات مدعمة بصور كثيرة لفتاة جميلة.. وقامت بإرسال طلبات صداقة إلى عشرين شخصًا لا تعرف أيًّا منهم.. قُبلت كل الطلبات التي أرسلتها.. وتدفقت عليها المئات من طلبات الصداقة.. ولخصت المتخصصة في علم النفس ملاحظاتها عن التجربة فيما يلي:

حظت السيدة باهتمام لم تحظَ به من قبل مما أسعدها في بداية التجربة.. وكانت تتعامل بود مع أصدقائها الافتراضيين.. الذين تباروا لكسب ودها.. وبالتدريج تنامى لديها شعور بالتميز والاستحقاق.. تجلَّى في تحول حواراتها إلى حوارات من طرف واحد.. فإذا سألها أحدهم مثلاً: "كيف حالك؟" أجابته دون أدني اهتمام بالسؤال عنه بالمقابل.. ومع احتدام المنافسة تطور الأمر وقام بعض الأصدقاء بإرسال هدايا عينية للفتاة الوهمية.. التي أصبحت وفق ملاحظات المتخصصة أكثر خبثاً وقسوة.. تتجاهل معظم الناس وتتعامل معهم بلا اكتراث.. ويقتصر ودها على من يتفوق على منافسيه بتقديم منافع أكثر..

تقول المتخصصة إن التجربة كانت مفزعة.. فقد حدث تغير كبير في سلوك السيدة في فترة قصيرة لم تتعدَّ الأسبوعين وتساءلت ما هو حال الفتيات اللاتي ينشأن ويكبرن في واقع مماثل للتجربة يحتفي بجمالهن ولا يتأثر كثيرًا بسلوكهن.. وهل الجمال نعمة أم نقمة؟ وما دور الأهل والأصدقاء في تحول الإنسان إلى وحش أناني لا يأبه إلا لنفسه؟

اعترافات عارضة أزياء محترفة (3)

ذكرتني تجربة السيدة الأميركية بمحاضرة ألقتها كاميرون راسل عارضة الأزياء الأميركية الشهيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2012 ضمن محاضرات TED تحدثت فيها عن خبايا العالم السحري البراق لعارضات الأزياء وعن مشاعرها كسيدة جميلة بمقاييس الجمال العالمية الصارمة، والتي صنعت منها نجمة في نظر جمهورها، بينما لا يشعر أحد بصراعها الداخلي وشعورها بالدونية وبأن قيمتها في الحياة لا تتجاوز شكلها الخارجي.. وأنها تود أن تصرخ في وجه كل فتاة صغيرة تسألها "كيف أصبح عارضة أزياء؟" بأنها فكرة سيئة وكارثية.. وأن الأفضل لها أن تمتهن أي مهنة أخرى ذات قيمة حقيقية..

شكت كاميرون من افتقادها للثقة بالنفس.. وأنها في قلق دائم من تغير شكلها وأثر ذلك على مستقبلها.. وعرضت مجموعة من صورها العائلية والاحترافية التي التُقطت في نفس التوقيتات الزمنية تقريبًا على مدار عشر سنوات.. ليقارن الحاضرين بين الاثنين.. كان الفرق شاسعًا في مستوى البراءة إن جاز التعبير.. فبينما بدت كطفلة بريئة أو مراهقة عادية تمارس حياة طبيعية مع أسرتها في صورها الشخصية.. كانت الصور الاحترافية ساخنة تبدو فيها أكبر سنًّا وأكثر إثارة.. قالت كاميرون هذا ما يُعدَّل في الصور.. فالأمر لا يقتصر على تعديل ملامح وجهي أو شكل جسدي لأطابق مقاييس معينة.. بل يتم إعادة تشكيل هويتي بالكامل في الصورة الاحترافية.. لأصبح شخصًا آخر غيري..

أعرف نساء كثيرات يكرهن ملامحهن أو شيئًا واحدًا على الأقل فيها.. فمنذ بداية المراهقة تبدأ معاناة الفتاة مع السؤال الأزلي هل أنا جميلة؟ هل أنا جميلة بما يكفي؟ حتى الأولاد يعانون نفس المعاناة هل يمتلك جسمًا رياضيًّا؟ هل يبدو في الصور فوتوجينيك؟! وزاد الأمر سوءًا بوجود شبكات التواصل وثقافة السيلفي وعدد الإعجابات وعدد المتابعين وعدد التعليقات التي أصبحت جزءًا من الحياة اليومية..

لقد أثبتت إحدى الدراسات التي أُجريت على الطلبة المراهقين في عدة دول منها أميركا وفنلندا والصين، أن المهتمين برأي الآخرين فيهم يعانون انعدام الثقة بالنفس.. ويدفعهم ذلك إلى الأفعال المتهورة المتطرفة لجذب الانتباه.. وأنهم الأكثر عرضة للاكتئاب.. ومن ضمن نتائج الدراسة أن المهووسين بأن وزنهم أكثر مما يجب -وقد لا يكون ذلك حقيقيًّا- يحصلون على درجات منخفضة في الدراسة مقارنة بغير المهتمين بالموضوع حتى لو كانوا زائدي الوزن فعلاً!

المراهقة فترة صعبة بحكم التغيرات النفسية والجسمانية.. ومراهقو هذا العصر بصفة خاصة يتعرضون لضغوط غير مسبوقة.. فخشبة المسرح منصوبة أربعًا وعشرين ساعة.. والمنافسة على أشُدها لا تهدأ.. والأصدقاء لم يعودوا قاصرين على من نعرفهم.. الغرباء صاروا شركاءنا في تفاصيل حياتنا اليومية ربما أكثر من الأقارب.. فيكفي الضغط على زر متابعة لتهب شخصًا غريبًا عنك الحق في أن يبدي رأيه في كل ما يخصك.. بدءًا من شكلك وخفة ظلك إلى معتقداتك وأفكارك..

أصبحنا كأننا جميعاً مشاركين في استعراض لا ينتهي.. يقام الليلة وكل ليلة.. وعلى الجميع التباري لجذب الإنتباه وكسب الإعجاب..

علينا أن نُذكِّر أنفسنا أن مظهر الإنسان هو جزء واحد من هويته وليس هويته بالكامل.. وأن إهدار الوقت والجهد في الاهتمام بالمظاهر على حساب تكوين شخصية قوية ناجحة وفعالة في المجتمع خطأ جسيم..

أن نمدح أبناءنا على سلوكهم وأفعالهم.. على بذل الجهد والمثابرة.. لا على الأمور الشكلية والمظهرية.. أن نوضح لهم أن غادة عبد الرازق لم تكتشف المالديف.. وأن الإعلام في أغلبه يعتمد على الإثارة والأكاذيب ولا يجب أن نقيّم أنفسنا بمعاييره المختلة..

أن نعلمهم أن يحبوا أنفسهم ويحترموها.. وأن ندربهم على مواجهة بلطجة الأقران وضغوط الزملاء.. بأن يكون رأي الآخرين فيهم أمرًا ثانويًّا.. وأن ننمي فيهم القدرة على التمييز بين ما له قيمة حقيقية وما دون ذلك.. أن نعلمهم أن المنافسة والمقارنة منها الصحِّي ومنها الضار.. وأن أفضلها أن ينافس الإنسان نفسه ليكون كل يوم أفضل مما كان بالأمس.. وألا يقارن نفسه بآخر أبداً..

أن نكون أكثر وعياً بما ننشره.. وكيف نعلق عليه.. فنكف عن مدح النساء بجمالهن.. أو التعليق على نجاح بعضهن العملي بافتقارهن للجمال.. أن نشيد ونمدح الجهد والسلوك الطيب والصفات الحميدة والعمل الناجح والإنجاز.. أن نضع على منصة الإجلال والإكبار من يساهمون فعلاً في خير العالم ويضيفون إليه شيئاً..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل