المحتوى الرئيسى

إيمان ريان تكتب: استبدلي الشوكولا بالقراءة | ساسة بوست

02/11 23:43

منذ 1 دقيقة، 12 فبراير,2016

من منّا كبرت دون أن تسمع ولو لمرّة واحدة “إنت بنت” “عيب” “حكي النّاس”.

هل شعرت في بعض المرّات بأنّك تقفين وحيدة بعد جدال أو شجار مع عائلتك، حبيبك، أو المحيطين بك بخصوص كونك فتاة؟

نعم أنا فتاة، وأشعر بالوحدة أحيانـًا وكأنّ العالم أصبح واحدًا يقف أمامي بكلّ ما فيه، قد أتعب من الصراخ، ومن الرفض، ومن المقاومة، ماذا أفعل حينها؟

نعم، قد تكون القراءة سلاحًا في يدك إذا كنت من الفتيات اللواتي يبحثن عن رسالة ما أو صوت خفّي يأخذ بأيديهنّ نحو مكان يجدن فيه الحريّة التي يرغبن.

أقرأ، وأشعر بأنّني أمتلئ بتلك القصص التي أبدأ برسمها في مخيّلتي والشخصيات التي تتسرّب إلى دمي وتملئني بحواراتها وتحيطني بأحداثها، ومن قوّتها آخذ قوّتي التي ضاعت منّي للحظات، إن كنتِ مثلي، هذه بعض الكتب التي قد تأخذ بيدك كما فعلت معي:

هذا الكتاب بحدّ ذاته تجربة كاملة، يتناول حياة الإنسان كرحلة أكثر منها محطّة، حيث كلّ يوم يجب أن يحمل قيمة بحدّ ذاته، دون أن ينصبّ الإنسان في قالب حياتيّ معيّن، ويمضي طوال حياته بالتمثيل أمام الآخرين بأنّه “يحيا”.

تقدّم إليف شفق في هذه الرواية حكاية “إيلا” وهي امرأة عاديّة تحيا حياة رتيبة في ظلّ زوجها وأبنائها، قراءة البطلة كخبيرة لرواية تتحدّث عن علاقة جلال الدين الرومي بشمس التبريزي تترك أكبر الأثر في حياتها حيث تقرر أن تترك حياتها السابقة وتلحق بمؤلف الرواية لتعيش معه المعنى الصوفي للحياة؛ حيث الهدف الوحيد منها هو العشق.

في فصول الرواية تقدّم الكاتبة العديد من القواعد التي قامت بإطلاق مسمّى “قواعد العشق” عليها حيث تشكّل نهج حياة كامل للمرء الذي يبحث عن حريّة روحه وارتقائها نحو منازل العشق والحياة.

من أكثر القواعد تأثيرًا في نفسي هي القاعدة التاسعة عشرة، التي تحتوي تلخيصًا لحياة البطلة حيث:

“لا تهتم إلى أين سيقودك الطريق، بل ركز على الخطوة الأولى، فهي أصعب خطوة، يجب أن تتحمل مسؤوليتها. وما أن تتخذ تلك الخطوة، دع كل شيء يجري بشكل طبيعي وسيأتي ما تبقى من تلقاء نفسه، لا تسر مع التيار، بل كن أنت التيار.”

نجحت هذه الرواية يومًا ما بجعلي أقرر البدء من الصفر بدلاً من المضيّ في دوّامة لا تشبهني.

ألف شمس مشرقة، حجر الصبر:

لا أستطيع أن أذكر الأولى من دون ذكر الثانية، الرائعان خالد حسيني وعتيق رحيمي يبهران القارئ دائمًا بالأدب المبني على تفاصيل المجتمع الأفغاني، من كلّ ذلك الألم يقدّمان لنا كلّ هذه الدهشة المركّزة والشخصيّات التي تأخذنا حيث عالمها.

ألف شمس مشرقة عن بطلتين تتداخل حياتهما معًا بثلاثة فصول مختلفة وفي كلّ واحد منها نشعر بالألم في داخلهما أكثر، الخوف والموت والقوّة والحبّ المتركّز في هذه الرواية مخيف إلى أبعد حدّ.

أثناء القراءة، كوني على استعداد لدخول عالم غنيّ ومختلف تمامًا يجعلك تدركين كم هي مهمّة صعبة أن تكوني امرأة تبحث عن أبسط حقوقها بأن تكون “إنسانًا”.

“كل ندفة ثلج هي تنهيدة ثقيلة من امرأة محزونة في مكان ما في العالم، كل تلك التنهيدات التي تنساق باتجاه السماء تتجمع في الغيوم ثم تتساقط بهدوء على شكل قطع صغيرة على الناس.”

حجر الصبر تجعلك تنتظرين بفارغ الصبر اللحظة التي تقوم بها البطلة بالتخلّص من الأغلال التي يحاصرها بها المجتمع والبيئة المحيطة فتقرر أن تقوم بتحويل زوجها الواقع في غيبوبة إلى “حجر الصبر” الخاص بها.

تقول الأسطورة الأفغانيّة أن حجر الصبر هو حجر تستطيع إخباره بكلّ همومك حتّى يتشظّى فترتاح منها.

“- سأبوح لك بكل شيء يا حجر صبري، بكل شيء علّني أتخلص من آلامي، من أحزاني، وعلّك…

تصمت عن البقية تاركة الزوج مسجى.. تغادر الغرفة.. تغادر الفناء.. تغادر البيت.”

بشكل عام مؤلفات نوال السعداوي كـ “امرأة عند نقطة الصفر”، “المرأة والدين والأخلاق” و”الحب في زمن النفط” وغيرها تعطي القوّة لأيّة فتاة بالمضيّ قدمًا دون الالتفات إلى قوالب المجتمع وأكذوبة “الدور الطبيعي” للمرأة والذي كبرنا عليها.

في كتابها “مذكراتي في سجن النّساء” تقدّم السعداوي نموذجًا للمرأة التي تمتلك كيانـًا مستقلاًّ يستطيع الوقوف في وجه المجتمع والسلطة على حدّ سواء، المرأة التي لا تنكسر شوكتها ولا تساوم بمبادئها مهما كانت الخسائر التي تنتظرها، المرأة التي لا يمكن أن تقف وحيدة أبدًا ما دامت تقف دائمًا إلى جانب نفسها.

في قراءاتي لمؤلفات السعداوي وبعيدًا عن الجدل الديني والاجتماعي على هذه الشخصيّة الأدبية الكبيرة، لا يستطيع أحد أن ينكر عظيم الأثر والجدل الذي تركته مؤلفاتها وما زالت تفعل، هذه المرأة التقدميّة تسعى دائمًا إلى صدق التعامل ووضوح الداخل والخارج دون أن تتوقّف عن طرح التساؤلات أبدًا في كلّ ما يقدّم لها.

تبدأ الكاتبة الكتاب بمقدّمة هي ثورة بحدّ ذاتها؛ فهي تقول:

“لكنّ الجريمة الكبرى أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، وولدت بعقل يفكّر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل، أبي كان حرًّا وأمي كانت حرّة، منذ الطفولة جرت الحريّة في عروقي مع الدم، رأيت أمي متمرّدة ترفض سلطة أبيها العسكرية وتثور على زوجها إذا ارتفع صوته في البيت، ورأيت أبي غاضبًا ثائرًا في وجه الحكومة والملك والإنجليز. وجدّتي الفلاحة الفقيرة سمعتها تغنّي ضدّ الظلم وضدّ الفقر وحزن السنين.”

لا أدري كيف لرواية عربيّة نشرت في عام 1958 وناقشت قضايا التمرّد على قوالب المجتمع التي تُصبّ مسبقـًا للفرد بشكل عام وللأنثى بشكل خاص أن تصف واقعنا في العام 2016. لم يتغيّر شيء! كلّ هذه الثورات لم تُيقظ الأفراد المضطهدين ومن بينهم النّساء للمطالبة بحقوقهنّ والرفض، وكل هذه السنين لم تكن كافية لتغسل الخوف من قلوب الكثيرين، ولإصلاح الدّمار.

بين سطور الكتاب رأيت نفسي عشرات المرّات، رأيت صديقاتي وكثيرًا من النّساء من حولي، رأيت الخوف ، وأكثر من كلّ هذا، الرّغبة بفعل شيء ما إزاء ما يحصل.

“لينة” بطلة الرواية تقدّمها ليلى بعلبكي على شكل فتاة تشعر بالغربة عن عائلتها والمكان الذي تعيش فيه لذلك هي تسعى للعمل والبحث عن الاستقلالية وإثبات ذاتها، تقول البطلة:

“وإذا كانت تعني: لست قادرة على إبداء رأي قيم في السياسة، كقيمة رأي في حمرة “ماكس فاكتور”، والروائح والعطور.. فأنا سأثبت له ولغيره، أنني قادرة، قادرة…”

أن تصدر رواية في عام 1959 تعترف فيها البطلة عن قصّة حبّ عاشتها وعلاقتها بعائلتها واختلافها عن المجتمع المحيط ورفضها له بالنّسبة لي هو قمّة في الشجاعة، تلهمني جدّا هؤلاء النّساء كالكاتبة كوليت الخوري اللواتي وجدن أصواتهنّ مبكّرًا من حياتهنّ فتغلّبن على الظروف وقمن بتحدّي كلّ القيود من أجل أن يستمعن للصوت من داخلهنّ.

“ريم” الفتاة التي اختارت أن تتعلّم، تعمل، تحبّ، وتغامر على الرغم من قسوة الظروف المحيطة وعيون المجتمع الذي كان ينهش اختلافها، هي مثال للشجاعة في زمن كانت وما زالت الفتيات يمارسن حقّهن بالاعتراف برغباتهنّ بالخفاء، هذه الفتاة لم تخش أن تعترف بحاجتها للحبّ وللرجل أو الصديق الذي يقف إلى جانبها اختارت درب المغامرة قائلة:

“قد تكون المغامرة نارًا أحترق بها، ولكن، على الأقل، يومًا ما، في المستقبل، سأشعر بأن وجودي لم يكن تافهًا، وبأن روحي أصبحت قيّمة لأنها تكون قد احترقت وأضاءت أكثر من أرواح الآخرين… السعادة؟”

في نهاية المطاف اكتشفت بأنّها لا ترغب بأن تكون “فقّاسة” أطفال للرجل الذي أحبته ولم يقابلها بهذا الحبّ بالطريقة التي أرادتها، واختارت أن تتفرّغ لفنّها “الكتابة” حتى تجد حقّا ما الذي ترغب به في الحياة دون أن تكون حبيسة أيّ شيء حتّى وإن كانت نفسها.

قد لا يحمل هذا الكتاب صفة الرّواية فهو عبارة عن مجموعة من الإيميلات كانت الكاتبة ترسلها قاصة فيها حكايات صديقاتها ضمن المجتمع السعودي المحافظ.

جرأة الكاتبة رجاء الصانع في تقديم تفاصيل عن علاقات تلك الفتيات ألقت الضوء على كثير من مشاكل المجتمع وقضاياه التي يتمّ عادة تجاهلها بدلاً من التعامل معها، بالنّسبة لي لا يهمّني شكل الرّواية التقليدي أو أيّ أسلوب أدبي ما دام الكتاب يحمل فكرة ما جديدة و”تقدّمية”. القصص والتفاصيل بحدّ ذاتها ثورة وتلقي الضوء على أمراض كثيرة في المجتمع العربي والتي تجعل أفراده يعيشون “معايير مزدوجة” في علاقاتهم.

أكثر من رائعة، جريئة، وجميلة:

“نكشت شعري، ولطخت شفتي بالأحمر الصارخ، وإلى جانبي صحن من رقائق البطاطس المرشوشة بالليمون والشطة، كل شيء جاهز للفضيحة الأولى.”

تتناول هيفاء البيطار في هذه الرواية تابوهات محرّمة كالجنس والدين، حيث عانت البطلة من كليهما خلال حياتها بدءًا بحبها الفاشل ومن ثم زواجها حتّى وجدت الكتابة سبيلاً لها للحريّة وبقيت صامدة رغم كلّ أطماع الرجال المحيطين بها في جسدها.

“كنت بحاجة لربع قرن كي أفك نفسي وأعيد تركيبها من جديد لأتأكد الآن أنني كنت دومًا طاهرة ونقية، وكانوا هم الوجوه التي أحبها وتعذبني بحبها المشروط، والوجوه التي أرادت امتصاص نداوة شبابي، وأنوثتي وجعلي سلعة، لكني الآن حرة كغيمة نقية كدمعة ربت بحنان على روايتي التي أوسدتها حضني، كنت أحس أنني أربت على كتف امرأة حرة ونقية تصالحت مع نفسها ومع العالم، ولم تعد تشعر كما كانت تشعر دومًا بأنها امرأة من طابقين”.

ليلى.. هي كلّ فتاة تقرر أن تقف وحيدة وتقاوم كلّ الجوانب التقليديّة المحيطة بها بحثًا عن حياة وحبّ مبني على أسس سليمة وقويّة، كلّ فتاة تبحث عن نفسها، ولا تتخلّى عنها في طريق هذا البحث، رغم كون هذا الكتاب في فترة الستينات، إلا أنّ لطيفة الزيّات نجحت في منح ليلى ومنح المجتمع العربي نموذجًا للفتاة التي تستطيع أن تقاوم وتشارك سياسيًّا وترفض في نهاية المطاف أن تكون مجرّد صفقة في صالونات الزواج أو أسيرة لحب الرجل الذي لا يختلف عن الأب الذي كان كلّ همّه كبح جماح طموحها واختلافها.

“ولم تفهم ليلى تلك الليلة لم نظرت إليها جميلة هذه النظرة الحزينة ولم بكى أبوها، ولكنها فهمت على مر السنين، فهمت أنها ببلوغها دخلت سجنـًا ذا حدود مرسومة وعلى باب السجن وقف أبوها وأخوها وأمها، والحياة مؤلمة بالنسبة للسجان والسجينة، السجان لا ينام الليل خشية أن ينطلق السجين، خشية أن يخرج على الحدود، والحدود محفورة حفرها الناس ووعوها وأقاموا من أنفسهم حراسًا عليها، والسجينة تستشعر قوى لا عهد لها بها قوى النمو المفاجئ، قوى جارفة تسعى إلى الانطلاق، قوى في جسمها تطوقها الحدود، وقوى في عقلها تشلها الحدود، حدود بلهاء عمياء صماء.”

ومن الجدير بالذكر أنّ هناك فيلم مبني على هذه الرواية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل