المحتوى الرئيسى

فرص تعزيز التدريب العملى لطلاب الجامعات

02/11 23:30

يحاول الالتحاق بالتدريب العملى فى إحدى الشركات، يتردد يوميا على مكتب شئون الطلاب وإدارة التدريب بلا جدوى، إذ اكتفت الكلية بتدريب ثلاثة طلاب فقط من أصحاب التقديرات الأعلى! تقديره فى العام الماضى (جيد)، وهو الآن فى السنة النهائية، ولا يعلم شيئا عن العلاقة بين ما يدرس وما يمكن أن يقوم به بعد التخرج!

هذه ليست قصة طالب بعينه، لكنها مشكلة الآلاف من طلاب الجامعات فى المنطقة، الذين يشتكون من ضعف فرص التدريب خلال فترة دراستهم الجامعية، وعدم وضوح العلاقة بين تخصصاتهم ومجالات العمل، وانقطاع الصلة بينهم وبين الشركات والمؤسسات، خصوصا فى الكليات التى ليس لها مسار محدد فى سوق العمل.

وهنا يتبادر للذهن سؤال مشروع حول أسباب ضعف اهتمام الجامعات بتقديم فرص تدريب عملية لطلابها خلال سنوات الدراسة.

لا يمكن إغفال الأعداد الكبيرة للطلاب باعتبارها سببا من الأسباب، ففى الوقت الذى خرجت الجامعات المصرية فيه 308 آلاف طالب (2014/ 2015)، اقتصرت قدرات مجلس التدريب الصناعى المصرى على تدريب قرابة 78 ألفا منهم فحسب. كما أن التكلفة عامل آخر مهم، فللتدريب تكلفة قد لا تستطيع الجامعات الحكومية تحملها، ومع غياب الدور الاجتماعى لأغلب شركات القطاع الخاص، وعدم وجود قوانين ملزمة لها فى هذا الشأن، يصبح التدريب خارج إطار الاهتمام بشكل كامل.

سبب آخر لغياب التدريب هو تدريس العلوم بطريقة التلقين، وغياب المعامل أو تقليص دورها فى تعزيز المعلومة لدى الطالب وتنمية قدرته على استخراجها بنفسه. فعلى سبيل المثال، يصل طلاب قسم الكيمياء فى إحدى الكليات إلى السنة الدراسية النهائية من دون أن تطأ أقدامهم المعمل مرة واحدة!

لكن كيف يمكن للجامعات فى المنطقة أن تقدم فرصا تدريبية حقيقية؟

تمتلك غالبية الجامعات فى المنطقة مراكز تدريبية، بمسميات مختلفة، وكلها تقريبا تقدم الخدمة نفسها، من دورات إجادة استخدام الحاسب الآلى، إلى دورات اللغات، بالإضافة إلى الدورات التى تخدم ما يُسمى بـ«المهارات الشخصية Soft Skills». ورغم أنها خدمة مفيدة إلى حد كبير، إلا أن تقديم دورات بعينها لجميع الطلاب، بصرف النظر عن تخصصاتهم والمهارات التى يحتاجها كل تخصص، هو نوع من أنواع القولبة المريحة وغير الفعالة، وبذلك تصبح جدوى هذه المراكز أقل من المتوقع.

والحل الأقرب والأكثر سهولة وسرعة؛ تفعيل دور هذه المراكز، وتغيير مفهوم التدريب فيها، وعملها كهمزة وصل بين الجامعات والشركات لتنفيذ برامج تدريب فعالة.

من جهة أخرى، تقدم بعض الكليات برامج تدريبية تركز فقط على إنجاز مشروع التخرج. فعلى سبيل المثال، تطالب إدارة التدريب العملى فى كلية الهندسة، جامعة القاهرة، كل طالب بالقيام بتدريب عملى مدته ثلاثة أسابيع على الأقل، إلا أنه يهدف إلى خدمة مشروع التخرج فحسب، وتبدو الإشارة إلى ذلك واضحة على موقع الكلية، الذى ينص على توجيه الطلاب إلى «المصانع والهيئات والشركات؛ لتغطية النقاط الفنية التى قد يحتاجها الطالب لمشروعات التخرج».

فى المقابل، نجد تعاونا وثيقا بين الجامعات وكبرى الشركات فى الخليج العربى بما يصب فى دعم التدريب. إذ تستقبل شركة «أرامكو السعودية» الطلاب من مختلف الجامعات السعودية، مقدمة أنواعا مختلفة من التدريب، منها «برنامج التدريب التعاونى» لطلاب الامتياز، فى مدة تدريب لا تقل عن عشرة أسابيع، ويستهدف إتاحة الفرصة للطلاب ليكتسبوا مهارات جديدة، وتعويدهم على التفكير الابتكارى، إضافة إلى ممارسة مهارات حل المشكلات واتخاذ القرارات.

ومنها «برنامج التدريب الصيفى» للمرحلة الجامعية، والغاية منه التعريف ببيئة العمل فى الشركة وتزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات الوظيفية، إضافة إلى برنامج «التدريب التعاونى الصناعى» لطلاب الكليات الصناعية/ الفنية ومعهد الإدارة العامة.

كما تقدم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية نموذجا مختلفا للتدريب، إذ تقدم برنامج منح تدريبية للطلاب المتميزين فى المرحلة الثانوية؛ للتدريب على البحث العلمى بإشراف من أعضاء هيئتها التدريسية، بحيث يشترك الطلاب فى المشروعات البحثية مدة تتراوح بين ثلاثة شهور وستة شهور، بمميزات مادية وأكاديمية.

أعتقد أن هناك فرصا كبيرة لتعميم تجربة المملكة العربية السعودية على باقى الدول العربية، وأول شرط لتحقيق ذلك هو وجود قرار كقرار السعودية الذى يُلزم منشآت القطاع الخاص التى تستخدم خمسة وعشرين عاملا فأكثر بقبول نسبة من الطلبة والطالبات فى فترة تدريبية تصل إلى أربعة أسابيع؛ بهدف إكسابهم مهارات وخبرة عملية خلال فترة الصيف.

تبدو الجزائر ومصر فى طليعة الدول التى يمكنها تنفيذ ذلك، فقد قطعت الجزائر شوطا كبيرا بمشروع القانون التوجيهى حول البحث العلمى والتطوير التكنولوجى فى سبتمبر الماضى، والذى سيعمل عند تطبيقه على الربط بين الجامعات ومؤسسات الأبحاث من جهة، والمؤسسات الإنتاجية من جهة أخرى، من خلال البحث العلمى والتدريب.

أما مصر فتبدو تجربة وزارة الاتصالات فى التدريب على تكنولوجيا المعلومات بالمنح الداخلية والخارجية نموذجا ملهما، وكذلك تأتى مؤشرات الاستثمار الأجنبى – الذى حقق طفرة كبيرة فى العام الماضى، ويُتوقع زيادتها ــ حافزا على استغلال هذه الطفرة بجميع الأوجه الممكنة، ومنها توفير التدريب لطلاب الجامعات، كما أن ذلك سيخدم اتجاه الدولة إلى تطوير التعليم، بوضع المناهج والمقررات الجامعية على المحك، لمعرفة مدى ملاءمتها لمتطلبات سوق العمل.

ولعل تشجيع الحكومات للشركات والمستثمرين على تنفيذ البرامج التدريبية لطلاب الجامعات، ومنح امتيازات ضريبية عند الالتزام بذلك هو أحد الحلول الناجعة التى يمكنها خلق واقع تدريبى جديد. إن تعزيز التعاون بين الجامعات والشركات والمستثمرين من شأنه توفير فرص تدريب حقيقية للطلاب من دون إضافة أعباء إضافية على الجامعات، ودعم كوادر الشركات بمهارات شابة طموحة متعطشة للتدريب والتعلم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل