المحتوى الرئيسى

وليد كساب : الرافعي تعرض لمؤامرة علمانية .. وأدبه لا زال مجهولا

02/11 17:53

مؤلف الكتاب : “إسلاميات” الرافعي وراء تجاهل النقاد والجامعات!

الرافعي استحدث سردا مهجنا بين المقال والقصة

الفتح العربي جاء مشوها بأعمال جرجي زيدان

البارودي يكتب تقديم مسرحية “الشباب” المجهولة

الرافعي كرس قلمه لخدمة القضية الفلسطينية

معارك كلامية مع ثلاث طبقات من شعراء مصر!

صدر مؤخراً عن دار البشير كتاب “تأملات فى أدب الرافعى” للباحث وليد عبدالماجد كساب، وهى مقالات ودراسات حول منجز أديب العربية مصطفى صادق الرافعي (1880-1937م = 1298- 1356 هـ) كتبها الباحث على فترات.

وترصد التأملات جوانب متعددة من فكر الرجل، كما ترصد نظرته إلى بعض القضايا الأدبية والاجتماعية والسياسية وتناوله لها ومعالجته إياها، وهي تأملاتٌ مقتضبةٌ نرمي من ورائها إلى الوقوف على دوره في معالجة قضايا مجتمعه، فكثيرٌ من الأدباء يعيش حياته للأدب والقلم بمنأى عن التفاعلات المجتمعية التي تحيط به، ويختار التحليق في عالم افتراضي غيرَ مكترثٍ بما يموجُ حوله من أحداثٍ جسامٍ.

كان الباحث وليد كساب قد أوقف مشواره العلمى للتنقيب عن آثار الرجل المجهولة، وكانت باكورة هذه الأعمال مسرحيته “حسام الدين الأندلسى” التى صدرت العام الماضى عن دار البشير أيضاً، وقد نشرت قبل مائة عام فى حياة مؤلفها عام 1897 وكان وقتها فى السابعة عشر من عمره، ولم يتناولها أحد من مؤرخى ونقاد الأدب، رغم تناولهم لأوليات ساذجة عند غيره من الأدباء.

والسبب في تجاهل النقاد هو الرافعى نفسه وموقف النخبة العلمانية منه ومن آثاره وقتالهم من أجل عدم إبراز أى دور له فى الهيئات الثقافية الذين يسيطرون عليها منذ أكثر من خمسة عقود، كما يقول الكاتب .

كما حرصت الجامعة للأسف على تنحية الرافعى من الدراسات العليا، وللباحث وليد قصة فى هذا حيث رفضت جامعة شهيرة على تسجيل رسالة له بعنوان “السرد عند الرافعى”، في حين يقبلون الدراسات عن خصوم الأصالة.

يقول المؤلف: “إن حجم المؤامرة على الرافعي الأديب والمفكر من الضخامة بحيث يتناسب طرديًّا مع حجمه الحقيقي، ويكفي أنه لم يحظ طيلة حياته ولا اسمُه من بعده بنوع تكريم من الدولة التي صاغ لها النشيد الوطني، ونافح عنها ضد المحتل الإنجليزي، على حين حظي به الموقوذة والمتردية والنطيحة ممن حملوا الأقلام زورًا وبهتانًا, وتقلَّبوا بين قصور الحكام.

يتابع : إن بين رموز الثقافة في بلادنا من يسعى سعيًا حثيثًا في محاربته وطمس معالم أدبه، حتى إن أحدهم قال لصديق لنا اقترح عليه إقامة مؤتمر عن الرافعي برعاية الدولة: «اثنان لا تُحدثني عنهما؛ لأنهما لن يحظيا من الدولة بشيء: الرافعي ومحمود شاكر«.

يتناول كساب هذا الكتاب عدة موضوعات مختلفة تدور حول الرافعي وأدبه، منها: «الرافعي واستلهام التاريخ« فى أعماله القصصية التى كتبها والتى تناثرت فى كتبه وخصوصا كتابه الشهير “وحى القلم”.

وقد جرب الرافعى القصة مبكراً وهى فى أطوارها الأولى فى تاريخنا الأدبى، وكتب قصة بعنوان (الدرس الأول في علبة كبريت) سنة 1905، ثم أعاد نشرها بعد ثلاثة عقود بمجلة (الرسالة) تحت عنوان (السطر الأخير من القصة).

أما قصته الثانية (عاصفة القدر) فقد نشرها عام 1925م بمجلة (المقتطف)؛ بل إن بعض ما كتبه الرافعي سماه (قصة) مثل: (قصة زواج وفلسفة المهر) وتكملتها (ذيل القصة وفلسفة المال)، و(قصة أب)، و(قصة الأيدي المتوضئة)، و(السطر الأخير من القصة)، وهو ما يعني أنه كان ساردًا، لكنه رفض التقيد بالقالب القصصي الجديد.

ويبين المؤلف أن الرافعي لم يجد نفسه في هذا النوع من الكتابة، وهو الأمر الذي أشار إليه في مقالة له تحت عنوان (فلسفة القصة ولماذا لا أكتب فيها)، وينقل عنه قوله متحدثًا عن تجربته: “لم أكتب في القصة إلا قليلًا، إذا أنت أردت الطريقة الكتابية المصطلح على تسميتها بهذا الاسم، ولكني مع ذلك لا أراني وضعت كل كتبي ومقالاتي إلا في قصة بعينها، هي قصة هذا العقل الذي في رأسي، وهذا القلب الذي بين جنبي”.

الرافعي لم يستطع كتابة القصة مجردة من ذاته وفلسفته؛ ومن ثم تمسك بما كتبه من قصص شابتها فنيةُ المقال، وهو النوع الذي يمكن أن نطلق عليه (السرد المُهجَّن) الذي يجمع بعض عناصر المقال والقصة معًا, ولا يلتزم بالقالب القصصي المتعارف عليه فنيًّا.

يقارن المؤلف بين قصصه التى استلهمها من التاريخ وبين قصص جرجى زيدان الذى قصد بها تشويه صورة الإسلام وحضارته وفتوحاته من خلال الرواية، فقارن بين تناول الرافعى للفتح الإسلامى لمصر فى قصة “اليمامتان” وتناول جرجى زيدان لهذا الموضوع فى روايته “أرمانوسة المصرية” التى نشرها فى عام 1911.

تناولت القصة (أرمانوسة) التي أحبت (أركاديوس) قائد حصن الروم حبًّا رآه زيدان سببًا في هزيمة الروم وانتصار المسلمين، كما اتهم المسلمين بأنهم نهبوا البيوت وسلبوها عندما فتحوا بلبيس– واتهامات أخرى لا يسعنا تناولها في هذا المقام- معتمدًا على مصادر واهية تعمل هي الأخرى على تزييف التاريخ ، بينما غضَّ الطرف عن كتابات أخرى تتسم بالأمانة والنَّصَفة، ومنها كتابات لغير المسلمين.

أما قصة الرافعي (اليمامتان) ففيها تجلية لصورة الإسلام الصحيحة التي تلوَّثت بفعل فاعل، فالمسلمون الفاتحون “لا يُغِيرون على الأمم، ولا يحاربونها حرب المُلك؛ وإنما تلك طبيعة الحركة للشريعة الجديدة، تتقدم في الدنيا حاملة السلاح والأخلاق، قوية في ظاهرها وباطنها، فمن وراء أسلحتهم أخلاقهم؛ وبذلك تكون أسلحتهم نفسها ذات أخلاق”.

يعقد المؤلف فصلاً «عن مسرحيته المجهولة« وله معها قصة.. فبينما يقلب فى “ديوان الرافعى” لفت نظره خبر مفاده بأنه وردت عدة أبيات نُسبت إلى رواية له تُسمَّى (موعظة الشباب)، وجاء في هامش الكتاب: “هذه الرواية هي أول رواية تمثيلية مطبّقة على دروس الأخلاق العصرية، وهي فوق ذلك تمتاز بروح الشعر الطائفة في كل معانيها، وستطبع قريبًا بعد تمثيلها إن شاء الله”.

أخذ “كساب” يبحث عن الموضوع فى الكتب التى تناولت آثار الرافعى، فوقف عند الكاتب العراقي الأستاذ مصطفى البدري على عبارة في معرض حديثه عن آثار الرافعي: “موعظة الشباب، وهي قصة تمثيلية ورواية في آن واحد، كتبها شعرًا ونثرًا.. كما أعلن عنها بأنَّ روح الشعر تنبع في كل فصل من فصولها، وقد وقفت على رسالة للمرحوم سلامة حجازي يطلبها منه إليه؛ كي يتمكن من عرضها وتمثيلها، ويظهر أن المنية قد تخطفته قبل أن ينظر فيها، وربما بقيت ضمن مخلفاته” فسعى إلى الاتصال بأسرة الرافعى وذهب إليهم مراراً، ولم ينل مراده، فولى شطره إلى دار الكتب ولم يجد شيئاً عنها، ولكن الشىء العجيب أنه برزت له نسخة يتيمة لمسرحية للرافعى بعنوان “حسام الدين الأندلسى”، وهى رواية «تشخيصية، أدبية، غرامية، حماسية»، وحشد المسرحية بالأبيات الغزلية والحماسية وأكثر فيها من الاقتباس من الشاعر العربي الأشهر عنترة بن شداد الذي جمع بين العشق والفروسية، وهو ما يتفق مع جو المسرحية، وقدم لها البارودى بهذه الأبيات:

لروايةِ ابنِ الرافعيِ مَلاحةٌ * تَصبو إليها أنفسٌ وعُيُونُ

بَسَمَتْ معانيها فهُنَّ أَزَاهرٌ * وزَهَتْ مَبَانَيها فَهُنَّ غُصُونُ

تصبي الحليمَ فيستطيرُ بِحسنِها * طَرَبًا وتُلهي المَرْءَ وهْوَ حَزِينُ

جادَتْ قريحتُهُ بِدُرِّ بيَانِهِ * والبحرُ فيِهِ اللؤلؤُ المَكْنُونُ

فَلْيَتْلُها أبناءُ مصر فإنها * أدبٌ يروقُ بِحُسنِهِ ويزينُ

وتناول المؤلف فى فصل تال قضية «الفقر وكيف تناوله أدب الرافعي«، حيث أن الرافعى أولاها اهتمامه وعنايته في أكثر من عملٍ له، فكتب في كتابه الأشهر (وحي القلم) عدة مقالات منها: (سمو الفقر)، و(حديث قطين)، و(الطفولتان)، و(أحلام في الشارع)، و(أحلام في القصر)، و(قصة زواج وفلسفة المهر).

وقد عالج تلك القضية التي أراها مسيطرة على كثير من كتاباته بشكل رمزي متميز، أما كتابه (المساكين) الذي أصدره في عام 1917 فهو قطعة إنسانية صاغها لأسباب نبيلة أوجزها بيانيًا في مقدمته للطبعة الأولى بقوله: “هذا كتاب حاولت أن أكسو الفقر من صفحاته مَرْقَعة جديدة... فقد– والله- بليت أثواب هذا الفقر، وإنها لتنسدل على أركانه مزقًا متهدلة يمشي بعضها في بعض، وإنه ليلفقها بخيوط من الدمع، ويمسكها بُرقع من الأكباد، ويشد بالقطع المتنافرة من حسرة إلى أمل، وأمل إلى خيبة، وخيبة إلى هم، وأقبحُ من الفقرُ ألا يظهر الفقر كاسيًا، أو تكون له زينة إلا من أوجاع الإنسانية، أو المعاني التي يتمنى الحكماء لو أنها غابت في جماجم الموتى الأولين” وهى موضوع نتمنى أن يتناوله أحد الباحثين فى رسالة جامعية.

وفى الفصل الرابع من الكتاب تناول المؤلف «القدس في قلب الرافعي«، التى استولت على تفكيره وتفكير المخلصين من كتاب الأصالة فى مقابل الكتاب التغربيين والموالين للغرب فى فكره وتقاليده وعاداته وأفكاره، فهم لا تهمهم قضايانا الإسلامية والوطنية، وإنما تهمهم مصالحهم الضيقة التى تتفق وهوى الغرب.

وقد أطلت الصهيونية برأسها منذ مؤتمرهم الأول فى مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذى دعا له الصحفى النمساوى “تيودور هرتسل”، وقد أقرَّ هرتسل في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر الأول هو التأسيس لوطن قومي لليهود يجمعهم من شتات في (فلسطين).

أما الرافعي فلم يك بمعزل عن القضية الفلسطينية وأحداثها؛ بل كان عنصرًا فاعلًا بكتاباته في خدمة هذه القضية المحورية في العالمين العربي والإسلامي، فبالتزامن مع ثورة الفلسطينيين سنة 1936 كتب ثلاثة مقالات في (مجلة الرسالة) داعمًا لحق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم من منطلق إسلامي بحت

ثمَّ أعاد نشرها في سِفْرِه (وحي القلم)، وهو جماع ما كتب عن القضية الفلسطينية– حسب ما وصل إلينا من كتاباته، وهذه المقالات– حسب ترتيب النشر- هي: “يا شباب العرب”، و”في محنة فلسطين.. أيها المسلمون”، و”قصة الأيدي المتوضئة”، ولقد كان الرافعي مؤمنًا إيمانًا قويًّا بأن قضية القدس ليست محنة فلسطين وحدها،” ولكنها محنة الإسلام، ولم ينظر إليها فى إطارى عروبى ضيق، عندما انطلقت ثورة فلسطين امتشق الرافعى قلمه وظل يدافع عنها ولم تغب عن وجدانه وشعوره وقلبه حتى رحيله عام 1937.

يناقش الكتاب القيم «معركة طبقات شعراء العصر«، والتى بدأت بمقال كتبه مجهول فى مجلة الثريا قسم فيه شعراء عصره إلى ثلاث طبقات وهم:

الطبقة الأولى: وتضم أربعة شعراء، جعل في مقدمتها الشاعر العراقي عبدالمحسن الكاظمي، وجاء بعده محمود سامي البارودي، فحافظ إبراهيم، ثم ذيَّل هذه الطبقة بمصطفى صادق الرافعي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل