المحتوى الرئيسى

مرضى «ضمور العضلات».. الأحياء الموتى

02/10 19:58

زهراء: الدولة لا تعرف عنا شيئًا.. ونطالب بمستشفى للعلاج

منذ أيام قليلة، تفاجأ محمد فتح الله، مستشار وزير الصحة، بوجود مرضي ضمور عضلات فى مصر، فى حين أن الإحصاءات التقديرية تشير بوجود مئات الآلاف منهم. ودفعته تلك المفاجأة إلى الاستماع الجيد لمشكلات ومتطلبات مرضي الضمور، الاستماع فقط لا أكثر، ففى الوقت الذى يعاني فيه مرضي ضمور العضلات فى مصر، من عدم توافر علاج لمرضهم داخل مصر، وانعدام وجود أجهزة تحديد نوع الضمور، وجهل معظم الأطباء بالمرض وصعوبة تشخيصه لهم، تحتسبهم وزارة الصحة فى تعداد الموتى، دون تقديم أي دعم لهم من الجهات المسئولة، فبالرغم من أنهم مرضي بأخطر أمراض العضلات التى تؤدي إلى الإعاقة الحركية الكاملة، لا يجدون بديلًا عن شكوى معاناتهم إلى الله وإلى أنفسهم، بعد أن تُقطع بشكواهم كل السُبل.

كانت فى بداية عقدها الثالث من العمر، عندما شعرت شريفة مطاوع بصعوبة شديدة فى الصعود إلى شقتها بالدور الثالث عن طريق سلالم المنزل، حاولت أن تتمالك ما ينتابها من إحساس بالعجز بإعادة الصعود مرة ثانية وثالثة، وفى كل مرة كانت تؤول المحاولة بالفشل، حتى طلبت من زوجها أن يذهب معها إلى الطبيب، الذى أرجع سبب ما تعانى منه إلى تمزق فى الأربطة الصليبية بالركبتين، وطلب منها إجراء جراحة عاجلة، فرفضت، لتذهب بعدها إلى طبيب آخر، طلب منها "رسم عضلات"، استنتج من خلاله أن "شريفة" تعانى التهابا فى جذور الأعصاب، ثم نصحها ببعض التمارين الرياضية مع استخدام أقراص معينة من الفيتامينات ومنشطات العضلات والكرتزون.

لم تشفع الزيارات المتكررة إلى الطبيب والالتزام بجرعات العلاج ومواعيده والمواظبة على أداء التمارين الرياضية لـ"شريفة" من تدهور حالتها، فبمرور الأيام والسنين أصبحت تعانى من آلام وصعوبات عدة، بداية من صعوبة الوقوف على القدمين، وصولًا بعجزها عن السير، لتبدأ بذلك رحلة التردد على أكبر الأطباء المتخصصين فى المخ والأعصاب، إلى أن وصلت إلى أحدهم، الذى شخص حالتها بأنها مريضة بضمور العضلات "المتنحي" منذ سنوات. تذكرت "شريفة" وقتها أنها عندما كانت فى سن الـ16 من عمرها، بدأ يلاحظ أقاربها والمحيطين بها، بتغير فى طريقة سيرها، وكأنها تمشي على أطراف قدميها، أو كما كانوا يقولون "ماشية تدلع، تتراقص"، لم تعرف وقتها أن ما يلاحظوه هو بداية علامات مرض ضمور العضلات، الذى غالبًا ما يكون بسبب زواج الأقارب، فهى متزوجة من أبن عمها، وتربطهما علاقة نسب منحدرة منذ زمن بعيد.

فى البداية، توضح "شريفة" لـ"اليوم الجديد" أن الضمور عبارة عن تآكل فى عضلات الجسم، ناتج عن نقص مستمر فى بروتين معين يغذى العضلة، وأن مرض الضمور لا يرتبط بسن معينه، فهناك من يولد به، وهناك من يظهر الضمور فى جسده وهو بعمر 3 أو 5 سنوات، أو قد يأتى إلى آخر فى سن البلوغ، كما حدث معها، وأنه كلما كان ظهور الضمور فى سن مبكر، كلما كانت خطورته على المريض أكبر، فهو يبدأ بالأطراف والعضلات الحركية إلى أن ينتهى بالأجهزة الحيوية، كالقلب والجهاز التنفسي، فقد يظل مريض ضمور العضلات تحت أجهزة التنفس الصناعي، إلى أن يتوفاه الله، مؤكدةً على أن الدولة تعتبر مرضي الضمور "الأحياء الأموات" على إثر ذلك.

وتضيف صاحبة الأربعين عامًا، أن عدد مرضي الضمور فى عائلتها، وصل إلى 13 حالة، في حين أنهم كانوا حالتين فقط منذ فترة لا تتعدي عشر سنوات، وأن هناك أطفالًا قد يكونوا مصابين بالمرض ولم يظهر على أحدهم بعد، مطالبة الحكومة ومؤسسات الدولة بضرورة إطلاق حملات توعية للتعريف بالمرض والقضاء عليه، خاصة أنه منتشر فى الأرياف أكثر من المدينة، حتى لا نستيقظ بعد عدة سنوات على أن نصف سكان مصر مرضي بضمور العضلات، على حد قولها.

لا تعرف الدولة عنهم شيئًا

وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، فإن ما تم اكتشافه حتى الآن من ضمور العضلات، يتعدي 65 نوع، تختلف من حيث التوزيع ومدى ضعف العضلات، منها (الدوشين، بيكير، الوجهي الكتفي العضدي، التأتري، المنحني)، ووفقًا لإحصائية منظمة الصحة لمرضي ضمور العضلات من نوع "الدوشين"، الأكثر شيوعًا، فمن بين كل 3 آلاف و300 شخص، يوجد مريض واحد بضمور العضلات، ولا توجد إحصائية لعدد مرضي ضمور العضلات بأنواعه، كما أنه لا يوجد حتى الآن علاج معروف يشفي من مختلف أنواع ضمور العضلات، وأن الهدف من ما يتوافر منها هو السيطرة على الأعراض، غير أنه فى ديسمبر 2014 ظهر فى ألمانيا دواء لعلاج ضمور "الدوشين"، ويصل سعره إلى ربع مليون جنيه، كما أن منظمة الصحة العالمية انتهت من دراسة ثلاثة أنواع معروفة باسم "أدوية موجهة جينيًا"، وهى متخصصة فى علاج الطفرات الجينية، ومن ضمن الأساليب التى تستخدم للسيطرة على الضمور، العلاج الطبيعي وأجهزة السيقان والكراسي المتحركة، وذلك للمساعدة على الحركة، فضلًا عن الجراحة وعلاج النطق وغير ذلك، وفى أحيان عديدة، قد يقوم الطبيب بوصف الستيرويدات القشرية التي تعطى عبر الفم للأطفال، حفاظًا على قدرتهم على المشي ﻷطول مدة ممكنة.

تقول زهراء محمد، مريضة بالضمور، إن الدولة لا تعرف عن مرضي ومرض الضمور شيء، لدرجة تصل إلى أن تحاليل تحديد نوع الضمور، التى يصل تكلفتها إلى 6 آلاف جنية، يجريها مرضي الضمور المصريين فى اليابان، عن طريق آخذ عضلة حية من جسم المريض ليتم إرسالها للتحليل، وأنه مؤخرًا تم استقدام واستخدام جهاز تحليل نوع الضمور فى مستشفي الطيران، ويصل سعر التحليل فقط بها إلى 3500 جنية، دون التكاليف والمصروفات الإدارية الأخرى، فى حين أن مرضي الضمور فقراء، يعانون من أزمات مادية طاحنة.

وتوضح "زهراء": "مريض الضمور غالبًا ما يكون قعيد، طريح الفراش، لا يستطيع تحريك يديه أو إطعام نفسه، وأهله صرفوا عليه اللى وراهم وقدامهم عشان يعالجوه، ولا يحصل على معاش يضمن له حياة كريمة، والعدد القليل منهم، ممن يصرفون معاشًا، عبارة عن مبلغ لا يتعدي 332 جنية، لا يكفيهم لإجراء 3 جلسات من العلاج الطبيعي".

وتشير "زهراء" إلى أن مرضها بالضمور تم اكتشافه وهي فى سن الخامسة فى عمرها، وتمكن منها بعد 12 عام، ما سبب لها ضعف فى القلب والرئة وضيق مستمر فى التنفس، مؤكدةً على ضرورة اهتمام الدولة بهم، وإدراجهم فى الحقوق ضمن متحدي الإعاقة، وتوفير سيارات ووسائل مواصلات خاصة بهم تناسب طبيعة حالتهم.

وعما يواجه مرضي الضمور فى مصر من مشكلات، تلتقط طرف الحديث "شريفة"، لتؤكد أن أول تلك المشكلات يتمثل فى جهل معظم أطباء المخ والأعصاب بالمرض، وعدم قدرتهم على اكتشاف المرض فى وقت مبكرة أو حتى تشخيص حالة مريض ضمور العضلات، وهو ما يعتبر كارثة تهدد حياتهم، على حد قولها، فالاكتشاف والتشخيص المبكر للضمور يساعد على تأخير تدهور الحالة إلى أطول فترة ممكنة، كما أنه من المشكلات المؤرقة نفسيًا لهم، نظرة المجتمع لهم بالعجز، التى تساعد على تدهور الحالة أكثر، فى حين أن العاجز يعتبر عاجز عن التفكير فقط، وأن من لديه القدرة ويحاول منهم الالتحاق بعجلة الإنتاج لا يجد طريقًا أو مساعدة مقدمة من الدولة، بالإضافة إلى أن معظمهم يشعر بقمة معاناته فى وسائل المواصلات، التى لا تصلح لمثل حالاتهم.

وتضيف "زهراء" أن ما يطلبه مرضي ضمور العضلات، ويعتبر حق لهم، إقامة مستشفي لمرضي الضمور على غرار مستشفي 57357، تتيح لهم إجراء كافة التحاليل وإجراءات التشخيص والمتابعة المستمرة، وضرورة توفير ما يتم اكتشافه من علاج بدعم من الدولة، وأن يتم مساواتهم وإدراجهم مع متحدي الإعاقة، وأن يحصوا على سيارات مجهزة لهم، وضرورة دخولهم فى التأمين الصحي والمعاشات، وتلفت "زهراء" إلى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي، المنفذ الوحيد لاكتشاف علاج لمرضهم، بدلًا من الاهتمام بالمؤتمرات والحفلات.

تعود "شريفة" لتقول إنها أم للشاب العشريني "إبراهيم"، طالب بحاسبات ومعلومات، الذي أكتشف إصابته بضمور العضلات، عندما أقدم على الالتحاق بالكلية البحرية، بعد إتمامه للثانوية العامة، لتبدأ بعدها حالته النفسية فى الاضطراب، والتفكير فى أنه بعد عدة سنوات سيصبح جليس على كرسي محرك، لا يستطيع الحركة، أو قد لا يستطيع الكلام، ليبدأ النظر إلى جميع الأشياء بشكل متساوي، منوهةً إلى أن ما تنفقه شهريًا على علاج إبراهيم يتعدي 600 جنية، متمثلة فى كرتزون ومكملات غذائية تساعد على تأخير تدهور حالته، وأنه مؤخرًا بعد أن علم أصدقائه الجامعيين بمرضه، أصبحت حالته النفسية سيئة جدًا، وقرر إلغاء حفل زواجه.

ما يعانيه مرضي ضمور العضلات، دفع شريفة وزهراء وعدد آخر من المرضي، إلى تدشين حملة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، لمناشدة المسئولين بضرورة مساعدتهم، ولتشجيع مرضي ضمور العضلات على المطالبة بحقوقهم، تقول "زهراء" إن الحملة حتى الآن لم تجني ثمارها، ولم تصل إلى نتائج فعلية وحقيقية على أرض الواقع، فبعد أن تحددت مقابلة لهم مع وزير الصحة لطرح مشكلاتهم، أعتذر، وقابلهم مستشار الوزير، الذي تفاعل معهم بالاستماع الجيد فقط، على حد قولها، بعد أن وعدهم بدراسة مطالبهم.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل