المحتوى الرئيسى

معرض خالد المز.. المرأة في بُعدها الميثولوجي

02/08 01:34

لسنا في حاجة إلى جهد كبير كي نكتشف الدور الذي تلعبه المرأة في نتاج الفنان السوري خالد المز، فهذا الاستنتاج يبدو بديهياً منذ النظرة الأولى إلى أعماله المعلّقة على جدران غاليري «تجليات» (بيروت)، التي تمحورت جميعها حول موضوع المرأة، في المعرض الذي حمل عنوان «أطياف أنثوية».

لكن النظرة الأولى لا تهدف عادة إلاّ تمييز النوع، الحاضر أمامنا، عن الأنواع الأخرى التي من الممكن أن تشغل بال الفنان، إذ من الطبيعي أن نعمد إلى الغوص في أبعاد هذا الخيار «الإستراتيجي»، إذ إن كل المعطيات تدل على أن العلاقة بين الفنان والموضوع، أي بينه وبين الخيار المذكور، ليست علاقة ظرفية، وإن كانت تجلّت في الحالة الراهنة صوراً معينة قد تتناسب مع تجارب سابقة، أو تختلف معها ضمن الحد الذي يقرره الصانع. إذ أن تبني ثيمة معينة وتفضيلها على سواها، يخضع عادة لعمليات تقييم، أو إعادة النظر في بعض المعطيات التي لا تبقى على حالها، تبعاً للتطور الذي قد يصيب الرؤية الفنية، وخصوصاً في حال خالد المز الذي يتعاطى موضوع التشكيل منذ ما يقرب من نصف قرن في الزمن.

لذا، لن يكون من المستغرب أن نرصد مؤثرات عديدة كانت فعلت فعلها خلال الفترة الزمنية المذكورة. وإذا كان الفنان يعالج موضوعاته من منظور تشكيلي «واقعي» ، فإن هذه الواقعية اتخذت، كما يتطلّب المنطق (المختلف عليه أحياناً)، أشكالاً أقرب إلى الأكاديمية في مراحلها الأولى، وإن كانت تعني، في هذا السياق، التمسك النسبي ببعض عناصر المشابهة ليس مع وجود موضوعي محدد، بل مع المفهوم الكلي للشكل الأنثوي. بيد أن هذه المرحلة كان خالد المز تخطاها في سعيه نحو أسلوب شخصي من جهة، ومن جهة ثانية من خلال تضمين عمله بعداً ذهنياً وروحياً، كان بمثابة النتيجة العملية لتنقل الفنان بين ثقافات الشرق والغرب. لم يمر خالد المز في بلاد الفراعنة مرور الكرام، إثر دراسته في مصر، وقلّما شهدنا مروراً جانبياً في بلد النيل لمن قصده بحثاً عما تخفيه مقابر الفراعنة وجدارياتهم من ما ورائيات ميثولوجية أدت إلى اعتماد هذا الشكل التصويري من دون ذاك. هذا البعد الميثولوجي، وإن كان قد تمظهر في أعمال الفنان بهذه الدرجة أو تلك، فلا بد أنه امتزج مع المفاهيم الغربية للتصوير، التي اطّلع عليه خالد المز في الغرب، وهي المفاهيم التي تنازعتها أهواء كثيرة خلال القرن الماضي، ولم تستقر مفاعليها على نحو أحادي لدى الجميع في طبيعة الحال، بل تنوعت بحسب الأثر الذي قد يتركه أحد التيارات الحديثة على حساب التيارات الباقية.

وفي كل الأحوال، استطاع خالد المز ان يخطّ لنفسه أسلوباً شخصياً، ابتعد من خلاله عن المنظور التقليدي، رغم حضورالرسم الذي لم يكن هدفاً في ذاته بل جاء في خدمة الأسلوب الذي يجمع ما بين التعبيرية والغنائية والحلمية. أما التعاكس اللوني، إذا ما حضر في لوحة الفنان، فهو لا يعمل على نزع القامة الأنثوية عن خلفيتها، بل نلحظ سعياً نحو إقامة علاقات طيفية بين مقومات اللوحة، وهذه العلاقة الضبابية تنسحب على التواصل القائم بين القامات النسائية، لدى حضورها الجماعي ضمن العمل الواحد، عبر أوضاع تختلف بين الحضور العادي، أو البعد الوظيفي المتمثل بالانشغال بمسائل حياتية. وإذا ما بحثنا عن صفة محددة يمكنها تلخيص هذه المقاربة الشخصية للموضوع، لقلنا أن كلمة «تناغم» قد تبدو مناسبة أكثر من سواها لوصف الأعمال الماثلة أمامنا، وهو تناغم مزدوج ومتعدد الاتجاهات، إذ علاوة على كونه يميز التواصل بين عناصر اللوحة المختلفة، فهو يشير، أيضاً، إلى علاقة الصانع بموضوع التشكيل في صفته الشمولية.

Comments

عاجل