المحتوى الرئيسى

سوزان شكرون: كتابة سوداء بلغتين

02/08 01:34

سوزان شكرون ـ دون إضافات: كاتبة وفنانة تجريدية حرة، متمرّدة.

في كتاب شكرون «مانيفستو الموت في ذاكرة سمكة» النثري ـ الفني الصادر عن «دار نلسن 2016». ثمة مفارقة: فلا هو بالألوان لنحكم على مجموعاته وأشكاله وألوانه، إنما هو باللون الأسود، مع علمنا بأن اللوحات الأصلية ملوّنة وليست أحادية اللون: Monochrom، ولا اللغة ملونة، مزخرفة، وإنما هي قاتمة يطغى عليها السواد الوجودي في مجتمع يأكل فيه السمك المذكر الأسماك الأخرى!

وثمة مرارات وخيبات متسلسلة تتناسل عبر صفحات الكتاب: فالحزن المغلف بالكلمات المتشظية هو البداية والنهاية، في سفر الدروب، وفي وعثاء الترحال.

الحياة عقيمة. الدرب عاقر. يطغى الموت على الكلمات، والرؤى. وتأتي أشباح الانكسارات ظل الموت الآخر: «في الأخير سحب عارية، في الفراغ أصداء، ثمة أشباح فاضت بها الأرواح، وتلعثمت. حتى الموت ضاق بها ذرعاً» (ص. 12).

وثمة أربعاء تنزف فيها الروح، تتضارب فيها دقات الساعة مع دقات القلب في لحظات الغثيان الوجودي، الخائبة، الموجعة، اللاذعة، كالبهار الأسود: «لم يكن من أمر ليفسر ولا عقدة لتفك، ولا طالع ليقرأ»!!! لا شيء سوى الإبهام والعبث!!! (ص. 29).

وثمة قطبة مخفية في ثنايا الكلمات، ولا أحد يحل العقد!؟ ولا أحد يفك القطبة: طلاسم طلاسم ودخان، طلاسم ودخان:

الأحاسيس وحدها تتقن وقاحة البوح. الأشواق وحدها تبدع كتابة السحر. الوصال وحده يعرف لغة التنجيم. (ص. 27) في بعض الأحايين يكون الموت وقحاً، وفي أحيان أخرى يكون مؤدباً. في المواعيد الملتبسة: خطيئتي الشعور. جنحتي الإحساس. عقوبتي الموت حتى الموت! (ص. 31) وماذا يجدون في صناديقنا السوداء؟ المعضلة دائماً تتكرّر نتيجة احتكاك حراري يودي بنا وتعجز عن إسعافنا مظلات الأيام. والكذبة الكبرى أننا نبحث عن أنفسنا في قعر البحر...

في الكتاب أيضاً حاسة سابعة ترى فيها الكاتبة ما لا يرى في جرأة الآخرين الذين لا يستهينون بالفريسة في دوامة الاحتضار، والآخرون هم الجحيم، كما يقول سارتر. فتعود المرأة «امرأة دمية» بتعبير إبسن صاحب مسرحية «بيت الدمية».

وتثور الدمية على شرطها وظروف زمانها ومكانها: تعبت من تقمّص دمية تغار مني! ومن ارتداء وجه لا يشبهني. تعبت في... فقط تعبت! (ص. 45).

ويسقط القمر من تلقاء نفسه، مسرعاً إلى مثواه الأخير! وتهوي السنبلة ذات حصاد! وتظل الذاكرة فارغة في لعبــة الكلمات المتقاطعة، ويضيع الفرق في المفارقات: أنتَ رجلي وقاتلي. ومن دوني لا تكتـــمل جريمتك... ومن دونك لن أكون ضحية. أنت مجرم وطليق، أما أنا فضحية في قبضة موت أتأرجح (ص. 64).

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل