المحتوى الرئيسى

نكاشات الأذن.. توقفي عن استخدامها فوراً من أجل صحتك!!

02/05 19:30

اشتكت والدتي قبل سنوات من ألمٍ حادٍ لا يطاق في الأذن؛ ظلت أسبوعاً تعاني من ألم لا يزول، ولما يئست توجهت إلى الطبيب، أمسك بمنظار وزجه داخل أذنها فاحصاً، ثم ما لبث أن أخرجه ورمقها بنظرة لوم وتأنيب كأنما يقول لها "أعرف ماذا تفعلين".

سألها "هل تحشرين نكاشات الآذان Q-tips داخل أذنك؟" (Q-tips هي ماركة نكاشات آذان شائعة الاستخدام)، وكغيرها من الناس كانت أمي تستعملها لتنظيف أذنيها، لكنها بفعلتها هذه كانت تعطّل سير عمليةٍ طبيعية.

كانت تعاني آلاماً مبرحة في الأذن بسبب التهاب، والسبب كان على الأرجح استخدامها الدائم لتلك النكاشات. رمقها الطبيب بنظرة الناصح الأمين وقال لها، "عديني ألا تضعي ولا نكاشة أذن واحدة بعد الآن داخل أذنك”.

نستخدم الكثير من المنتجات في غير محلها ولغاياتٍ ليست أبداً الغرض الذي صنعت من أجله، فالكتب مثلاً نسوّي بها الأسطح والطاولات، والجرائد لتنظيف النوافذ وإذكاء نار الموقد، والمياه الغازية لتنظيف البقع، ومناضد القهوة الصغيرة نتخذها متكأً لأرجلنا المتعبة، لكن لعل نكاشات الأذن المنتج الرئيسي الوحيد الذي يستخدم بالطريقة التي يحذر منها المصنّعون.

يسوّق المصنّعون لمنتجهم هذا كي يُستخدَمَ منزلياً في التجميل والعناية الشخصية والأشغال اليدوية والتنظيفات المنزلية والعناية بالأطفال، كما يلصقون دائماً على منتجهم التحذير "لا تدخل النكاشة في قناة الأذن”، غير أن الكل يعرف - وخاصة أطباء الأذن - أن العديدين وربما أن أغلب الناس يتجاهلون التحذير.

حقائق تاريخية عن نكاشات الأذن

طبيب الأنف والأذن والحنجرة دينيس فيتزغيرالد يقول لصحيفة The Independent البريطانية، "يأتينا أناس يعانون مشاكل متعلقة بنكاشات الأذن. إن أي طبيب أنف وأذن وحنجرة في العالم سيقول لك ذلك. يخبرك الناس أنهم يستخدمون النكاشات فقط للمكياج، لكننا نعرف لماذا أيضاً يستخدمونها، فهم يحشرونها داخل آذانهم”.

لم يكن الغوص في الأذن يوماً الغاية من صنع النكاشة، ولذلك لم يفطن المصنعون إلى إلصاق التحذير إلا بعد نصف قرن. والاختراع كان في أساسه من بنات أفكار رجل اسمه ليو غيرستينزانغ رأى زوجته تعتني بمظهر طفلهما الصغير بنكاشة أسنان وضعت عند طرفها كرة قطن كي تدهن الطفل ببعض المستحضرات وتزيل بعض الأوساخ عنه، فخطرت له فكرة أفضل هي لف القطن على أطراف عود ما بشكل محكم.

وفي العام 1923، أطلق غيرستينزانغ منتجه الذي كان أول عيدان تنظيفية معقمة تشبه ذاك الذي في سوق اليوم لكن مع بعض الفروقات، فالعيدان كانت خشبية لا بلاستيكية، كما كان الطرف القطني واحداً لا اثنين كما الآن، وكان الغرض الاعتناء بالأطفال فقط.

والأهم من كل هذا وذاك أنه لم يكن هناك تحضير من وضعها داخل الأذن. فالإعلان الذي أطلق في العام 1927 كان يقول: "بشرى سارة لكل أمٍ، إليكِ نكاشات Baby Gays ذات الأطراف عالية الجودة المعقمة بالبورون، مثالية للأعين وفتحات الأنف والآذان واللثة وغيرها من الاستعمالات”.

ثم في الأعوام التالية تغيرت بضعة أشياء كالاسم الذي اقتصر فقط على Q-tips (أطراف عالية الجودة)، والمادة التصنيعية باتت ورقاً، كما اختلفت طريقة تسويق المنتج لتشمل كافة الاستخدامات المنزلية، مع ذلك شيء واحد لم يتغير هو عدم وجود التحذير.

وفي السبعينيات، ظهر ملصق على العلب يحذر من حشر العيدان داخل الأذن، حتى بات التحذير هذه الأيام أكثر تفصيلاً ودقة، "يرجى عدم إدخال القطنة داخل قناة الأذن."

ليس واضحاً سبب التغيير الذي طرأ، إذ أنه لا سجلّ بحالة طبية من تلك الحقبة لام المنتج على ضرر ألحقه بأذن أحدهم، كما أن شركة يونيليفر (المالكة الحالية لمنتج Q-tips)، لا تحدد أي سبب بعينه يفسر النقلة، والمتحدثة باسمها كارولين ستانتون تقول أن تغييرات كثيرة طوّرت في تعليب وتغليف المنتجات على مر قرنٍ من نشاط الشركة وتأسيسها.

لكن دون أدنى شك، فإن السبب الذي حدا بالشركة لإلصاق التحذير كان شيوع الاستخدام الخاطئ للنكاشات القطنية، وهو أمرٌ محيرّ لأن الناس ما زالوا يستخدمون المنتج بالشكل الخاطئ حتى رغم إلصاق التحذير.

لعل للإعلانات دوراً في طبع هذا الاستخدام لا شعورياً في أذهان المشاهدين، ففي الثمانينات ظهرت الممثلة الكوميدية بيتي وايت تشجع الناس على استخدام المنتج للحواجب والشفاه والآذان.

ثم في مقطع تلفزيوني آخر نرى مشهداً كرتونياً لطيفاً يجسد طفلا مستلقياً على وسادة وثيرة ينظف أذني كلبه بالنكاشات القطنية على وقع أنغام مبهجة.

لذلك لا عجب أن يظهر مقال لصحيفة واشنطن بوست الأميركية في 1990 يسخر من التوصية باستعمال النكاشات "على الأطراف الخارجية للأذن دون إيلاجها القناة السمعية" لأن الأمر أشبه بأن تطلب من مدخن أن يلوك السيجارة في فمه ويبقيها متدلية من شفتيه دون إشعالها.

نستمر في حشر العيدان القطنية بالأذن بسبب حقيقة بسيطة هي متعة الشعور الداخلي مع كل النهايات العصبية الحسية داخل الأذن، لكن هذا الاستخدام يؤدي إلى ما يسميه أطباء الجلد "دورة الحك والهرش" الإدمانية، فكلما استخدمت النكاشات كلما زاد شعور أذنك بالحك، والذي بدوره يدفعك إلى مزيد من الاستخدام الخاطئ.

لكن طبيب الأنف و الأذن والحنجرة فيتزغيرالد يبدو جدياً عندما يقول لصحيفة The Independent البريطانية، إن متعة الإحساس هذه أمرٌ سخيف مقارنة بالضرر الذي يحدث، ويلوم هو الآخر الإعلانات التي ساهمت عن غير قصد بنشر فكرة تنظيف الآذان بالمنتج “المذنب”.

يقول فيتزغيرالد، "ظن الناس أن من الطبيعي تنظيف الآذان، فهم يظنون أن صمغ الأذن قذارة ووساخة هم في غنى عنها، لكن ذلك ليس صحيحاً أبداً”.

ويرى فيتزغيرالد أن صمغ الأذن مثل الدموع في ترطيب وحماية مقلة العين، فشمع الأذن يحمي القناة السمعية داخل الأذن حيث الجلد رقيق وهش وعرضة جداً للالتهاب، "الجسم يفرز شمع الأذن لحماية قناة الأذن. ذلك الذي تزيله المفروض بقاؤه هناك، وهناك عملية ترحيل طبيعية تدفع بالشمع خارجاً إن تركته وشأنه”.

لأي غرض صمم هذا المنتج؟

ويضيف فيتزغيرالد أنه حتى لو كان تنظيف الآذان فرضاً، لظلت النكاشات أسوأ الوسائل، فتصميمها وحجمها ونسيجها كلها تسهم عندما نزج بها داخل الأذن في دفع الصمغ إلى الداخل باتجاه طبلة الأذن بدلاً من الخارج، وهذا "يؤدي إلى فقدان السمع، بل وإن إدخالها بشكل أعمق سيمزق طبلة الأذن أو يؤذي العظام الرقيقة في الأذن الوسطى، وهما أمران شائعان أكثر مما تتصورون”.

ولهذا السبب أدرجت الأكاديمية الأميركية لأطباء الأنف والأذن والحنجرة هذه النكاشات القطنية ضمن لائحة الأدوات "غير المناسبة والمؤذية" في كتيب توجيهاتها للعام 2008 حتى في الحالات الطبية عندما يستلزم الأمر إزالة الشمع قسراً من الأذن.

ومن الصعوبة الوقوف على عدد حالات إصابات الناس بهذه النكاشات كل عام، ففي بريطانيا لا يفيدك مكتب الإحصاءات الوطنية بشيء، أما في الولايات المتحدة التي فيها لجنة لسلامة المستهلك من المنتج مهمتها تعقب وتسجيل كل أنواع الإصابات الناجمة عن كل أنواع البضائع المنزلية بما فيها نكاشات الأذن، فمرة أخرى نجد أن هذه اللجنة لا سجل لديها بإصابات نكاشات الأذن والسبب هو أن هذا المنتج يعتبر أداة طبية، وبذلك يخضع لإشراف إدارة الغذاء والدواء FDA.

ولدى سؤالها، قالت المتحدثة باسم إدارة الغذاء والدواء الأميركية ديبورا كوتز إن تعقب إصابات هذه النكاشات السنوية أمرٌ متعب وشاق، لكنها اقترحت البحث في التقارير المحفوظة داخل قاعدة بيانات الإدارة، فظهرت أمامنا بضعة حالات ترصد إصابة البعض بأذى لدى استخدام النكاشات داخل الأذن، واكترث أصحاب هذه الحالات للأمر وكلفوا خاطرهم تسجيلها وتوثيقها. في إحدى الحالات سجل مريضٌ شكواه بعدما نظف أذنيه "لأول مرة بعدما نصحه صديق"، وفي حالة أخرى اشتكى مستهلك آخر انفصال الطرف القطني عن العود.

بيد أن الاطباء ليسوا بحاجة لأية سجلات ووثائق حكومية ليعرفوا أن هذه النكاشات تسبب أزمة، ففي دراسة في مستشفى هنري فورد في العام 2011 وجدت علاقة مباشرة بين استخدام النكاشات داخل الآذان وبين انثقاب طبلة الأذن، كما ذكرت الدراسة أن "أكثر من نصف مرضى عيادات الأنف والأذن والحنجرة يعترفون باستخدام النكاشات القطنية لتنظيف آذانهم بغض النظر عن شكواهم الأصلية."

ويقول الطبيب فيتزغيرالد أن الطبيب يرى ويدرك على الفور أن المريض الماثل أمامه يستخدم النكاشات أو لا، ويندب أن التحذيرات لا تجدي نفعاً.

اليوم لا ترى أذناً واحدة على موقع نكاشات Q-tips الرسمي في أميركا، بل ترى امرأة تستخدمها لوضع أحمر الشفاه على شفتيها، وأخرى لطلاء أظافرها، وأخرى تستخدمها على كلب أو رضيع أو لتنظيف غرفة الجلوس وغيرها، ما يعكس رغبة المصنعين بتوسيع دائرة استعمالات المنتج.

سفيتلانا اودوسليفايا رئيسة قسم الأنسجة التنظيفية في يورومونيتر Euromonitor وهو مركز دراسات إحصائية لسوق الاستهلاك، قالت أن السوق توسعت رقعته أواخر التسعينات ليشجع على "تعدد الاستعمالات"، وقدر المركز مبيعات المنتج بـ 208.4 مليون دولار في أميركا في العام 2014، وهي قفزة عن العام 2005 حين كانت المبيعات لا تتعدى 189.3 مليون دولار فقط.

وتقول كارولين ستانتون المتحدثة باسم يونيليفر، "قد يستخدمها الناس لتنظيف الآذان، لكن إرشاداتنا لهم تحذرهم من ذلك”.

وترى باربرا كان أستاذة علوم التسويق في كلية التجارة وارتون بجامعة بنسلفانيا أن من الصعب تغيير انطباع الناس وفكرتهم عن هذا المنتج لأن Q-tips ماركة تاريخية، فمحاولة الفصل بين الصورة الأصلية العالقة في الأذهان وبين المنتج الحالي بطريقة تسويقه الحالية أمرٌ من الصعوبة بمكان لأنها ضمن الوعي الجمعي والذاكرة الجمعية.

وتضيف كان، "لا سبيل لوقف الأمر إلا بسحب المنتج من الأسواق، وطبعاً هو أمرٌ لن يقدموا عليه." ويؤيدها الطبيب فيتزغيرالد فيقول، "لو كان الأمر لي لسحبتها من الأسواق، فكلما أتاني مرضى بمشاكل أذن متكررة أجعلهم يعدونني برمي النكاشات في شلة المهملات وألا يشتروها ثانية أبداً، وعندما يزورني هؤلاء ثانية مع التهابات أذنية أدرك أنهم الذين لا يسمعون الكلام."

اقتراحات لاستخدام العيدان القطنية التي لن نسميها "نكاشات أذن" بعد اليوم:

- لإشعال الشموع ذات الفتيل القصير: هل سبق لك أن آذيت أصابعك أثناء محاولة إشعال شمعة بفتيل قصير؟ قل وداعاً لتلك الأيام، ببساطة اغمس النهاية القطنية للعود القطني في كحول طبي، ثم أشعله بقداحة وقربه من فتيل الشمعة. اللهب سيذيب الشمع فينكشف جزء أكبر من الفتيل المغطى أسفله، ما سيسمح بالإشعال. تهانينا!

- اصطحاب العطور معك عند الخروج: صعب وغير عملي أبداً أن تحملي قارورة شانيل 5 الثقيلة داخل حقيبتك الصغيرة، فما العمل؟ اغمسي أطراف الأعواد القطنية بالعطر ثم احفظيها داخل كيس بلاستيكي قابل للفتح والغلق بإحكام. الأمر ذاته ينطبق على ظلال العيون.

- تنظيف فتحات مجفف الشعر من الوبر: يسد هذا الوبر فتحات تهوية الجهاز، ولذلك قإن تنظيف المجفف بشكل دوري موصى به لضمان عمل الجهاز وأدائه الجيد.

نرشح لك

أهم أخبار مرأة

Comments

عاجل