المحتوى الرئيسى

تحذير من زوال التنوع في العراق

02/03 12:58

الباحث المتخصص في مجال التعددية في العراق سعد سلوم

قانون الإصلاح بداية لصراع أكبر في العراق

حذّر عضو المجلس العراقي لحوار الأديان سعد سلوم من "زوال التنوع الثقافي في العراق" داعيًا إلى تشريع قانون لمكافحة الكراهية وتغيير المناهج التدريسية لتعزيز التعايش، وقال إن رجال الدين جزء من المشكلة، وهم جزء من الحل، وانه يعمل منذ سنوات على تكوين جبهة من رجال الدين المعتدلين لمواجهة التطرّف.

بغداد: يمد الجسور بين الطوائف والأديان في العراق، ويراهن على وطن يستوعب الجميع، فسلك اكثر من مسار في ذلك وكان ركنا في مسارات المؤسسة التي يرأسها، هو سعد سلوم الباحث المتخصص في مجال التعددية في العراق، وعضو المجلس العلمي لأكاديمية الآباء الدومينيكان للعلوم الانسانية في العراق ومن مؤسسي المجلس العراقي لحوار الأديان.

كتب عن الايزيديين في العراق بترجمات للانكليزية والإيطالية فضلا عن العربية وعن المسيحيين التاريخ الشامل والتحديات الراهنة، وله أيضا "الوحدة في التنوع" و"السياسات والاثنيات في العراق منذ الحكم العثماني" و" التنوع الخلاق .. خريطة طريق لتعزيز التعددية في العراق" و "الأقليات في العراق .. الذاكرة والهوية"، وغيرها من المؤلفات.

تصدى لمواجهة "خطاب الكراهية" الذي يهدد الأقليات في المجتمع العراقي، وذلك بالتعريف عن المكونات في العراق وظروف ما تعيشه.

وفيما تطلق الأمم المتحدة أسبوعا "الوئام بين الأديان"حاورت "إيلاف" سعد سلوم الذي حذر من "زوال التنوع الثقافي في العراق"، داعيا إلى تشريع قانون لمكافحة الكراهية وتغيير المناهج التربوية لتعزيز التعايش.

- أطلقت بعثة الأمم المتحدة أسبوع الوئام بين الأديان وبرنامج تعزيز ثقافة السلام والتفاهم الديني مؤكدة الحاجة الملحة للحوار بين المعتقدات والديانات هل تعتقد ان هذا ممكن اليوم؟

انه ممكن وضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، هذا العام يكتسب اهمية قصوى في ظل تحديات ما بعد داعش، وسيتم الاحتفال به للفترة ما بين 2 – 10 شباط 2016 عن طريق مجموعة من الفعاليات، هناك ست فعاليات واحدة في النجف وثلاثة في بغداد واثنتان في أربيل. الاولى ستكون تحت عنوان (ترويج المصالحة والتسامح في المجتمع العراقي) وتعقد في جامعة الكوفة بالنجف. اما الفعالية الثانية فستكون تحت عنوان (تعزيز وحدة العراق من خلال الاعتراف بالتنوع) ومن المقرر ان (تعقد في كاتدرائية مار يوسف في بغداد).

وستخصص الفعالية الثالثة لـ(إلقاء نظرة على دور المجتمع المدني والأعلام والأكاديميين والشباب في مواجهة التطرف العنيف) وستعقد في جامعة بغداد. وتركز الفعالية الرابعة على (دور القادة الدينيين في مواجهة الطائفية) وذلك في أربيل.

وفي عينكاوة في اربيل ستكون الفعالية الخامسة تحت عنوان (تمكين المجتمعات العراقية للمشاركة في المصالحة الوطنية)،أما الفعالية الختامية فستعقد في مسجد الإمام الكيلاني في بغداد، واتمنى ان ننجح هذا العام في ان نعقد صلاة مشتركة بين ممثلي الاديان في المسجد، لأننا فشلنا في عمل ذلك العام الماضي بسبب الخطب الطويلة والاستعراضية للسياسيين، وتطوع المندائيون وقتها لمنحنا مكانا في المندي لعمل ذلك.

- ما النتائج التي توصلتم اليها في مؤتمركم حول مواجهة خطابات الكراهية في العراق بالتزامن مع اطلاق اعلان مراكش لحماية الاقليات الدينية؟

المؤتمر عقد  بحضور ممثلي الاقليات الدينية في العراق من المسيحيين والأيزيديين والمندائيين والكاكائيين والبهائيين مع الزرادشتيين، وشهد اول ظهور رسمي للمرشد الروحي للديانة الزرداشتية في العراق، وتكون من جلسات ناقشت بموضوعية وعمق اسباب انفجار خطابات الكراهية التي تهدد بلدان الشرق الاوسط بأسرها، وقد ركزنا على نحو عملي على تشكيل لجنة توصيات لمتابعة توصيات المؤتمر الذي تضمن (اعلان بغداد لمواجهة الكراهية) والذي دعا إلى تشريع قانون لمكافحة الكراهية والدعوة لتغيير المناهج التربوية لتعزيز التعايش والتصدي للكراهية، واطلاق مبادرة شبابية وطنية لمواجهة الكراهية ودعوة وسائل الاعلام لتوقيع ميثاق شرف بمقاطعة دعاة الكراهية.

يذكر أن المؤتمر انعقد يوم أمس الاول في بغداد وكان بمثابة اجتماع تمهيدي لاسبوع الوئام.

- ما الغاية من تأسيس المجلس العراقي لحوار الأديان في ظل هذا الكم من الانتهاكات التي تتعرض لها الأديان والمجتمعات الصغيرة في العراق؟

المجلس اطار شامل لتمثيل التنوع في العراق، وفي الوقت ذاته تضمن مستويات من التنسيق المؤسسي بين مجموعة مؤسسات ومنظمات بهدف تعزيز التنوع الديني في العراق، وانطلق في الأساس بوصفه"مبادرة للحوار الإسلامي المسيحي" قبل ان يتحول بعد سنوات من العمل الصامت لبناء شبكة محلية واقليمية إلى اطار شامل حمل اسم "المجلس العراقي لحوار الاديان"، متضمنا فعاليات للحوار التواصلي من بينها زيارات مشتركة بين علماء دين مسلمين ومسيحيين تخللها نقاش عميق بشأن العقبات التي تواجه الوئام والتعايش الديني في العراق. وحوار شعائري تضمن (دعاء مشتركًا مع قراءات مشتركة للكتب المقدسة للمسلمين والمسيحيين والمندائيين في كنائس وجوامع ومنادٍ).

واستطيع ان اقول باختصار انه تضمن مقاربة مختلفة للحوار الديني بوصفه دبلوماسية "خيار ثان" لمعالجة الصراع الطائفي، أو الحد من آثاره، لا سيما بعد أن وصلت حالة الاحتقان الطائفي خلال العام 2013 إلى ذروتها، وعادت أشباح الحرب الأهلية لتخيم على مشهد سوداوي مع اقتراب موعد انتخابات العام 2014. ومع اجتياح داعش للموصل اصبح عمله يواجه مخاطر تفتت المجتمع ونهاية التنوع وهو ما يتطلب عملا جادا وسعيا شجاعا لجمع القادة الدينيين والمدنيين والشباب وحتى النساء من مختلف الثقافات العراقية.

- هناك من يجد ان كتابك (الأقليات في العراق) كان ثمة شريعة لتقسيم المجتمع العراقي إلى أغلبيات وأقليات.. وثمة من يقرأه بأنه تحذير من نهاية الديانات والتنوع في العراق؟

الكتاب الذي انتهيت منه في نهاية العام 2012 تضمن تحذيرا من نهاية التنوع في العراق، الذي لا يعني سوى نهاية العراق، وقد كتبت بالضبط ان هدف الكتاب لم يكن تقسيم المجتمع العراقي إلى أغلبيات وأقليات، بل إطلاق تحذير من ملامح الكارثة التي تحيق بنا، بداية النهاية بالنسبة للعراق، وما هذه النهاية في نظري سوى نهاية فكرة العراق بحد ذاته، بوصفه ميراثا حضاريا ودينيا وثقافيا تعدديا غيّر وجه العالم القديم، ونهاية العراق الحديث الذي انطلق في عشرينيات القرن الماضي في ظل تعايش الجماعات وتآخيها. أي باختصار نهاية الوطنية العراقية المحلية المستمدة من الاعتزاز المشترك لجميع العراقيين بالتراث الغني لبلاد ما بين النهرين.

- هل بات انحسار الوجود وتحديات الهجرة عنوانا لوضع المسيحيين في العراق؟

لقد اطلقت تعبيرا يختصر ذلك بالقول إن الهجرة تطلق اجراس الزوال لكنيسة المشرق العظيمة، ولكن ذلك ليس حدثا يعني انحسار المسيحيين فقط، بل انتهاء هوية العراق كبلد تعددي، وقد انتجنا فيلما يؤرخ لهجرة المسيحيين بعد جريمة كنيسة سيدة النجاة في نهاية العام 2010 حمل عنوان "اقلية في خطر" لكن رسالته كانت ان "الاغلبية في خطر" بسبب تغير هوية البلاد التي تفرضها هجرة المسيحيين، فبعد الجريمة غادر ما يقرب من ثلاثة الاف عائلة مسيحية من بغداد لوحدها وخلال اسبوعين فقط من الجريمة، وهي اكبر هجرة للمسيحيين في التاريخ المعاصر، ثم جاء داعش ليقضي على اخر معقل للتعددية في محافظة نينوى، وبعدها بدأت تنطلق مشاريع تقسيم العراق وتوضع على الطاولة، وفي هذا اشارة واضحة الى أن التنوع هو عاصم من الانقسام وان وجود الاقليات هو صمام امان ضد جميع مخططات تقسيم العراق، واذا هاجر المسيحيون وغيرهم من الاقليات سنكون ازاء واقع تقسيمي: كيان كردي وكيان سني وكيان شيعي، وهو ما يرسم الواقع الحالي بسبب تدمير التنوع.

- الايزيديون جماعة عريقة في مواجهة حاضر قلق، هذا ما تقوله ولكن إلى اين يفضي بهم المسار وما الذي يعنيه دعم نادية مراد للحصول على جائزة نوبل؟

واقع الأيزيديين يختصره الانثربولوجي الفرنسي (روجيه ليسكو) بوصفه لهم بـ"الأقلية الأكثر عرضة للنكسات في الشرق الأوسط"، لقد عاش الأيزيديون في الظل لقرون قبل أن يثير تنظيم داعش اهتماما دوليا غير مسبوق بهذه الجماعة المنسية وتاريخها الدامي، وأظهر اجتياح مناطقهم في سنجار، للعلن، تواريخهم المخبأة تحت طبقات من النسيان. وبذلك، عاشوا مفارقة جديدة ومثيرة للسخرية المريرة، بعد أن أصبحوا للمرة الأولى في تاريخهم تحت أضواء ساطعة، إذ أنجزت "الإبادة" ما عجز عنه الباحثون في التعريف بهم، والحديث عن معتقداتهم.

ومع تاريخهم العريق غير المعلن، فهم يؤرخون لــ"72" إبادة جماعية في ذاكرتهم الجريحة، يطلقون عليها تسمية "الفرمانات"، ويضيفون الرقم 73 لوصف الإبادة الأخيرة على يد تنظيم داعش. ويبدو ان الخيارات المتاحة لهم لن تكون هينة، وهي قد تفضي إلى تمزقهم النهائي او انبعاثهم مجددا من رماد فرمان داعش الاخير، وهذا ما اتمناه بقلب صاف. وقد دعمت بشكل خاص ومؤسسة مسارات بشكل رسمي حصول (نادية) على جائزة نوبل للسلام لأنها فعلا اصبحت رمزا لهوية الأيزيدين الذين تعرضوا لكل هذه النكبات لكنهم كانوا يقفون بعدها بشجاعة ليواجهوا العالم، نادية واجهت محنة لا يمكن تخيلها.

لكنها بمعجزة، نهضت وروت من خلال قصة عذاباتها الشخصية تاريخ أمة تعرضت لنكسات مدمرة عبر تاريخها الدامي.

- ما الذي يعنيه الجفاف للمندائيين .. جفاف الحياة وجفاف الأنهر... وهم تحت خطر التلاشي؟

اطلقت على المندائيين تسمية "مياه الحياة"، فإذا كان الماء مقدساً في جميع الأديان القديمة، والحديثة، فإن المندائية تجعل للماء قدسية عظيمة، ولكن ليس كلُّ ماءٍ "مقدس" لدى المندائيين، بل الماء الجاري فحسب، الماء الذي ينقي نفسه بنفسه، والذي يطلق عليه "يردنا"،الذي يحمل جميع صفات الحياة، وله أهمية رمزية عظمى في عملية الخلق وانبثاق الحياة، والعوالم وهي تعدّ من صفات الخالق المقدسة والعظيمة

ووصفت ما يحصل للمندائيين بكونه يرقى إلى مصاف "ابادة ثقافية" وحين افكر بهم يخطر في ذهني فورا وصف "المعجزة" للإشارة إلى بقاء هذه الجماعة الدينية طوال قرون دون ان يمس وجودها تغيير أو تتعرض للانقراض مثل كثير من الأديان التي مرت على ارض بلاد الرافدين.

- هل تعتقد ان لقاء روحياً بين رجال الدين يمكن ان يحد مما تتعرض له الديانات والأقليات في العراق من مخاطر على ايدي جماعات راديكالية؟

رجال الدين جزء من المشكلة، وهم جزء من الحل، ونحن نعمل منذ سنوات على تكوين جبهة من رجال الدين المعتدلين لتحقيق الغرض الذي ينطوي عليه سؤالك، لكني اطلقت على فعاليات جميع رجال الدين تسمية (لقاء روحي بين صناع السلام) مع الايمان بأن من المهم جمعهم بفئات اخرى، لا سيما الشباب الذين يمثلون خلفيات دينية متنوعة، إذ إنهم يمثلون الفئة الأهم من حيث الاستهداف في الحوار الديني، كونها الفئة الأكثر استعدادا للانفتاح على الآخر، وبناء جسور بين الجماعات المتنازعة

- هل توقفت مبادرة الوحدة في التنوع التي اطلقتموها في وقت سابق؟

المبادرة اطلقت في ظروف خاصة بسبب الغاء المسيحيين الاحتفال بعيد المبلاد هذا العام احتجاجا على ما يتعرض له المسيحيون من عمليات استيلاء على العقارات في بغداد، والضغط على النساء لارتداء الحجاب، وكانت المبادرة ردا على دعاة متشددين دعوا لتكفير كل من يحاول تقديم التهاني لأقرانهم المسيحيين في اعياد الميلاد، وكانت فكرة المبادرة باختصار ان المسلمين سوف يحتفلون هذه السنة بعيد الميلاد من خلال ايقاد الشموع وحملها إلى الكنائس او إلى المخيمات، وقد شكل الاحتفال بالمبادرة في بغداد وبقية المحافظات رسالة قوية حول وحدة العراقيين في مواجهة دعاة الكراهية. مبادرة الوحدة في التنوع باقية وهي الآن تتخذ شكلا عمليا لمواجهة الكراهية.

- هل أخفقت وسائل الاعلام الحكومية والمستقلة في العراق في رصد ما تتعرض له الأديان والأقليات في العراق؟

اليوم هناك صحوة جديدة بعد فشل مريع، وبعد ان كانت مساهمة وسائل الاعلام سلبية في تغذية النزاع الاثني في البلاد ولا تزال توفر منابر لدعم الكراهية، وطوال سنوات تعرضت للبلقنة والطوأفة بطريقة منهجية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل