المحتوى الرئيسى

مضغ لبانة بدون ترخيص

02/02 10:11

يُحكى أن الخليفة العباسى هارون الرشيد طلب من نديمه الحسن ابن هانئ شاعر الخمريات، الشهير بأبى نواس، أن يشرح له بمثال عملى معنى العذر الأقبح من الذنب. تحير أبو نواس قليلاً ثم وعد مولاه الرشيد بأن يقوم بهذا فى أقرب فرصة، وبعد أن دارت عليهما الكؤوس عدة مرات، ولعبت الخمر بالرؤوس، وتصاعدت من الندماء الضحكات.

قام الرشيد ليقضى حاجته فباغته أبو نواس ومد يده متحسسًا مؤخرته عندما مر بجواره! انتفض الخليفة غاضبًا فقال أبو نواس معتذرًا: عفوك يا مولاى حسبتك مولاتى زبيدة! وكان يقصد زوجة هارون الرشيد. عند ذلك الحد جن الرشيد وهَمَّ بانتزاع خنجره من غمده ليطعنه إلا أن أبا نواس صرخ: هذا هو العذر الأقبح من الذنب يا مولاى.

تتورط الأجهزة الأمنية الحمقاء فى تجاوزات مخجلة، وعندما تكتشف أن شكلها صار قبيحًا وتافهًا أمام الدنيا بأسرها وتجبرها الضغوط على إرخاء قبضتها تبحث عن تبريرات مضحكة للتملص من الأزمة، تجعلها تفقد ما تبقى لها من مصداقية واحترام أمام الرأى العام محليًّا وعالميًّا. هذا ما حدث فى فضيحة الرسام الشاب إسلام جاويش صاحب الرسوم الكاريكاتورية السياسية اللاذعة المفرطة فى بساطتها، الذى تم إلقاء القبض عليه وإطلاق سراحه من سراى النيابة بعد يومين بضمان محل إقامته.

لتخرج علينا الداخلية بعدها ببيان تؤكد فيه أن القبض على إسلام تم بطريق الخطأ لوجوده بالصدفة فى مقر شركة إعلامية تدير موقعًا على شبكة الإنترنت بلا ترخيص، وتستخدم نسخًا غير أصلية من برنامج ويندوز! تخيل أن يتم إلقاء القبض على أحد الزبائن الجالسين بالصدفة على مقهى، وبعد يومين تخلى النيابة سبيله وتعتذر الشرطة عن إلقائها القبض عليه بالخطأ بأن المقهى لم يكن يحمل ترخيصًا، أو لأنه يبيع سلعة منتهية الصلاحية!

بصراحة نحن نعيش فى مسرحية هزلية. دولة عواجيز اهترأ وجهها وجسدها من الشد والنفخ ولا تريد الاعتراف بعدم قدرتها على مسايرة العصر. فشل مؤلم فى مجالات متعددة يجب أن يدفع صاحبه إلى إعادة النظر لاكتشاف مواطن الخلل وكيفية علاجها لا إلى التصلب والعناد والإصرار على المضى فى طريق يؤدى إلى كارثة. انظر إلى ما تم فى قضية سد النهضة على سبيل المثال. معاهدة مبادئ مع إثيوبيا لا نفع منها. أعقبتها مفاوضات أديرت بعصبية وتكسير ميكروفونات ولم تثمر عن نتائج إيجابية تبل الريق. ليأتى بعدها وزير رى يعلن برعونة وبطريقة مسرحية عن اكتشاف خزان جوفى يعرفه الجيولوجيون منذ عقود طويلة، ويدركون أنه لن يحل أزمة نقص حصتنا من النيل. يفعل هذا وهو يظن أنه يساعد قيادته السياسية بأكذوبة الخزان الذى يكفينا لقرن قادم، والتى لن يطمئن بها الرأى العام بقدر ما يمنح بها فى الحقيقة مبررًا جديدًا لإثيوبيا للإمعان فى إهدار حقوقنا المائية. دولة أنهكها سوء الإدارة التى تتم بلا دراية ودون منهج، وما زال المخدوعون يتراقصون على أنغام أنشودة الرخاء القادم التى لا يخجل كل الرؤساء من تكرارها.

لا يوجد ما هو أغبى من نظام يعادى الشباب. عربة بحصان عجوز تتحدى سيارة سباق.

فى أحد الأفلام الكوميدية حاول البطل الذى يقوم بدوره الممثل جيم كارى أن يسد ثقبًا فى أحد السدود "بلبانة" كان يمضغها بفمه متصورًا أنه يقوم هكذا بحل مشكلة الشروخ التى تحدث فى جسد السد الذى تتسرب منه المياه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل