المحتوى الرئيسى

محمد علم الهدى يكتب: عن نظام يخاف من #الورقة

01/31 18:24

إسلام جاويش شاب عادي جدا, مهذب بسوم, لم يعهد عنه التلفظ بلفظ خارج.. ابن ناس أوي ومحترم، وإسكندراني جدع, وموهوب في الرسم.

لعله حاول أن يرسم فى الصحف، لكن الوضع فى مصر كما ترى, مزدحم وشبه مغلق، لكنه بابتسامته اللطيفة وروحه المتحدية لم ييأس.

وفى وسط أوضاع خانقة فى البلد, بدأ منفردا ينشيء صفحة بسيطة له على الفيسبوك, ينشر عليها رسوماته التى يرسمها على جهازه اللوحي (التابلت).. يرسم بالقلم ببساطة، وينشر رسوماته كلها، وإذا لم تكن قد شاهدت الصفحة من قبل, فهي عادية, تتحدث عما يتحدث الناس عنه على القهوة, فى قعدات الأصحاب, وفى البيوت عن الحالة فى مصر, وما يحدث فيها, وما نقرأه ونشاهده فى الأخبار يوميا من لا معقول، يجعل الضحك عليه أفضل من البكاء والحسرة والقهرة والانفجار!

إسلام أخذ يرسم، بدلا من أن يموت احباطا أو يأسا، أو ينفجر.. مش كده برضه؟

“لما تشوف الغلط وتسيبه، حرام عليك لو شفته وتسكت..

عشان  مصر محتاجة إننا كلنا نهابر مش نشتغل وبس..

وأنا عاوز كل مواطن.. لازم يهابر مع بلده وينحت في الصخر”!

السيسي – خطاب افتتاح الترسانة البحرية  , 30 مايو 2015

آه طبعا الصفحة نجحت, وأشرقت, وزادت ووصلت لملايين من الناس العادية, فيهم السيساوي والثورى والمواطن العادي.. لأنها بتحكي عن حاجات بسيطة.. ضحكة, نكتة, حاجات اجتماعية زي سلوك البنات فى الخطوبة مثلا، أو الأولاد فى الأعياد، أو ضحك الأمهات فى المنازل، أو سلوك الناس فى المواصلات، أو الاحتفالات حتى.. حياتنا ببساطة بيرسمها بكل ما فيها.

لم ار له رسما ساخرا أو ركب قرون على شخص، أو أساء لأحد برسوماته.

لم اره مثلا ينشر رسمة بها أي تلميح خارج سياق الأدب مثلا!

والحمدلله, من كتر نجاح الصفحة، بقت مشروع كتاب ظريف مضحك جميل، وصدر السنة دي ونازل فى معرض الكتاب، وكان بيعمل حفلات توقيع ليه كمان!

طب عارف بقى إسلام ده؟ إيه رأيك؟ عمل حاجة تضايق أو تأذي حد؟

= لا خالص كده تمام!

= لا يا عم جدع وزي الفل أهو, ده حتى الجرايد المصرية عملت معاه حوارات، وهو شخص خلوق.

– أهوه إسلام جاويش ده.. قبضوا عليه!!!!!

ليه قبضوا على إسلام جاويش؟

من مكتبه قبضوا عليه، وتخيل التهمة؟

إدارة صفحة (اللى هي الورقة) بدون ترخيص، ونشر رسومات مسيئة للسيسي!

التهمة الأولى مضحكة, والتانية مهزلة!

“يا أمة ضحكت من جهلها الأمم..”!

التهمة الاولى تذكرني أنني كنت أفكر أن مارك زوكربج (مؤسس موقع الفيسبوك) لو كان مواطن مصرى، وأسسه فى مصر مثلا إنه كان غالبا هيتشد كمان أسبوع عند أمن الدولة، بتهمة إدارة موقع يجمع بيانات المواطنين بدون ترخيص!

وساعتها ما كانش هيقدر يؤسس موقع بيجيب دخل مليارات سنويا له ولبلده نفسها!

نفس الشيء هنا يذكرني بلا معقولية بلد ونظام حاكم على أنفاسنا! إنك تتكلم عن إن إدارة صفحة محتاجة ترخيص.. ده مش يستاهل السف؟ ده يستاهل الشفقة من جنان ده نظام, متخيل إني اكتب بالإنجليزي مثلا للأصدقاء الأجانب:

عزيزي جون, فى مصر عشان اعمل صفحة وانشر عليها كلام عادي، حتى لو رسومات, لازم اطلع ترخيص من مدام عفاف فى مكتب رئاسة الحي مثلا؟

يعني هو بقى عشان تعمل صفحة فى مصر, لازم ترخيص وتدفع فلوس وكده؟

ده على اعتبار إن الصفحة بتتعمل فى كردون الفيسبوك المصرى مثلا؟

“شباب مصر العظيم أتحدث إليكم اليوم.. حديثا متجردا نابعا من قلب أب يتحدث إلى أبنائه.. حديث الأسرة الواحدة التى يجمعها.. بيتنا الكبير.. مصر”

من خطاب السيسي – يوم الشباب المصرى , 9 يناير 2016

واحد زي إسلام جاويش، لو كان فى بلد تانية, كان زمانه مؤسس لشركة زي والت ديزني, تنتج أفلام كارتون عالمية, لأنه بموهبته وإرادته ومشروعه اللى عرف يعمله من الصفر، ونجاحه اللى صنعه بعزمه وموهبته الجميلة.. عرف ينجح هنا, فما بالك لو كان برة مصر؟

لكن القبض على واحد زي إسلام جاويش، بيثبت للشباب المهاجر, إن البلد دي ما لناش مكان فيها, ونسيبها لهم أحسن.. نسيبها ليهم ولكل الأجيال اللي فاتت، وفيهم ناس مصرين يقتلوا الشباب ده، ويخنقوه ألف مرة بوصايتهم وقمعهم وتبريرهم للحبس والسجن والقتل.. ناس قررت تموت مستقبلنا بدل ما تسيبه لينا ببساطة.. أو حتى تسيبنا نعيش.. مجرد نعيش!

“حرية الرأي والتعبير مكفولة بشكل كامل فى مصر” !!!

السيسي فى حديث لصحيفة لوفيجارو الفرنسية  28 نوفمبر 2015

أما التهمة التانية: نشر رسومات ضد السيسي، فمجرد إنك تقول إنك نظام بتخاف من رسومات عادية مضادة لخطك، وماشية مع خط المواطن أيا كان، ده بيقول إنك نظام خواف، وبيقول إن فعلا اللى يمسك رسام كاريكاتير على النت، أكيد وحتما كان ورا وقف برنامج “البرنامج”، وأي إعلامي تاني “محترم” لمجرد أنه “مستقل” ورافض السقف المحدد له، وإنك نظام ببساطة مش مستحمل صفحة اسمها.. الورقة!

واحد بيرسم على التابلت بتاعه كلام, لا بيحرض على عنف ولا قتل ولا كراهية حتى.. مجرد ضحكة, تنفيسة! حتى التنفيسة عاوز تقفلها؟

يا أخي ارحم الناس يا أخي.. بكفاياك يا أخي, الرحمة حلوة.. خلي عند أهلك دم!

بعد نشر الخبر على صفحتي, علقت صديقة مندهشة من النظام الذى يدمر نفسه بنفسه، وفى قضايا تافهة بمعنى الكلمة:

“ده فيه حد من جوا عايز ثورة تانية بالمنظر ده..”

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل