المحتوى الرئيسى

وزير البترول السابق: مصر توفر 85 مليار جنيه سنويًا بسبب انخفاض أسعار النفط

01/31 10:42

خارطة البترول مُتقلبة، تواجه التذبذب، والتموج. تعانى التغيرات السريعة، تتحرك كُل يوم وكُل ساعة. وفى الأسابيع الأخيرة تراجعت أسعار البترول إلى أدنى مستوياتها عالميًا، وأصبح الذهب الأسود ليس نفيساً.

لقد أشعلت هبوطات أسعار البترول عالميًا بورصة الاستفسارات والتساؤلات حول مكاسب وخسائر كل دولة من الدول سواء منتجة أو مُستهلكة، ولا شك أن مصر ستتأثر بصور مُختلفة جراء ذلك، فمصر دولة مُنتجة، ومُستهلكة، ومُرتبطة اقتصادياً بكثير من دول الخليج التى يعتمد اقتصادها على البترول.

المُهندس أسامة كمال، هو واحد من خُبراء البترول الأفذاذ فى مصر، وهو الأقدر على الإجابة عن تلك التساؤلات، فالرجل كان وزيرًا للبترول والثروة المعدنية خلال فترة صعبة امتدت من أغسطس 2012 إلى مايو 2013  وواجه واقعاً صعباً وشهد تغيرات كبيرة، وعلى دراية بمشكلات مصر فى قطاع الطاقة، فضلا عن اكتسابه خبرات حياتية عظيمة، ويعرف جيدا إلى أى مدى ستتأثر مصر بالتراجعات الدراماتيكية الأخيرة. لذا فقد حاورته «الوفد» لتفتح نافذة على حقائق قطاع البترول ومكاسب مصر من الموقف وخسائرها، وللتعرف على ملامح مُستقبل الطاقة فى مصر.. فإلى نص الحوار:

الوفد: كيــف ترى أزمة النفط عالميًا، ولماذا تراجعت الأسعار بهذا الشكل الغريب؟

ــ مما لا شك فيه أن الطاقة هي محور التنمية الاقتصادية والصراعات في العالم في وقت واحد لأنه لا توجد صناعات أو أراض أو مساكن دون طاقة. كما لا توجد وسائل نقل دون طاقة سواء طائرات أو سيارات حتي الحروب تحتاج إلي طاقة لتشغيل الدبابات والطائرات، وبذلك تكون الطاقة محور التنمية بوجه عام.

وأري أن محور الصراعات في مجال الطاقة تتبناه القوي العظمي لأنها تريد أن تهيمن علي مناطق توافر الطاقة لتأمين احتياجات مواطنيها من مصادر الطاقة المختلفة في الوقت الحالي والمستقبل.

كما تقوم القوي العظمي بإشعال الصراعات داخل الدول وتجعل منها مناطق ملتهبة، كما يحدث في الخليج العربي حاليا بالسعودية وقطر والعراق والكويت ويرجع ذلك إلي تكالب القوي العظمي علي منطقة الخليج لوجود اكبر مخزون للطاقة في العالم بهذه المنطقة فالقصة اذن محور تنمية وصراعات في الخليج أيضا.

والكلام المهم هو أن محور التنمية في السعودية أو روسيا يعتمد علي أنها تنتج ما يزيد علي 10 براميل يوميا وثمن البرميل كان 30 دولاراً وتقلص الي أن بلغ اليوم 27.6 دولار ويصبح فرق الاسعار 100 دولار علي البرميل في اليوم بما يعني تقلص الايرادات مليار دولار يوميا بما يوازي 350 مليار دولار في السنة.

وحتى نرى آثار ما جرى على دول مثل دول الخليج علينا أن نعلم أن التنمية الاقتصادية فى بعض الدول مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبترول والمثال على ذلك أن الاحتياطي النقدى للسعودية يبلغ 700 مليار دولار مقارنة بمصر ولديها 16.8 مليار دولار احتياطي نقدي حيث يمكننا رصد ما يترتب علي انخفاض أسعار البترول علي المستوي العالمي بأنه عبارة عن حرب تكسير عظام بين القوي الكبري الغربية والشرقية في محاولة للسيطرة علي العالم، وينبغى أن نعلم أن روسيا وامريكا من أكثر الدول التي كانت معرضة للانهيار اقتصاديا لو كانت اعتمدت علي تصدير البترول فقط لكنها تعتمدان حاليا علي الصناعات الإنتاجية.

أما البلاد التي تعتمد علي تصدير المواد الطبيعية كمصدر أساسي للايراد فحتما ستضار ضررا بالغا كما يحدث في منطقة الخليج العربي.

الوفد: وما هو تأثير انخفاض أسعار الطاقة علي مصر؟

ــ أعتقد أن هناك تأثيرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فبالنسبة لفاتورة الدعم، قد وصلت قيمة دعم المنتجات البترولية إلي 140 مليار جنيه عام 2013 وحاولت الحكومات المتعاقبة خفض الدعم إلي 70 مليار جنيه والآن بعد انخفاض اسعار البترول عالميا انخفض الدعم الي 55 مليار جنيه، من هُنا فإن لانخفاض الأسعار تأثيراً إيجابياً علي الموازنة العامة للدولة بانخفاض الدعم علي مستوي الاقتصاد المصري. أما التأثير الثانى فهو تأثير سلبى ويخص الاستثمار بشكل عام.

الوفد: وهل تتوقعون خفض أسعار البنزين والسولار وجميع المنتجات البترولية في البلاد تأثراً بانخفاض الأسعار عالميا؟

ــ بالطبع لا لن تنخفض أسعار السولار والبنزين لأن مصر تستورد ثلث استهلاكها المحلي من الخارج بالأسعار التي تباع في الدولة المصدرة للوقود المصنع، والانخفاض الحاد ظهر في أسعار الخام والانخفاض لا يكون بنفس القدر فى المنتجات وعلي سبيل المثال تتفاوت أسعار البنزين أو السولار من دولة لأخري ففي فيتنام مثلا يباع لتر البنزين بثلاثة أرباع دولار ونفس الاسعار بالسودان وفي اليابان يباع سعر لتر البنزين بدولار واحد وفى الامارات سعر البنزين نصف دولار.

 ويترتب علي ذلك ان استيراد أي نوع من الوقود وفقا لحصص استيراد البلاد لتغطية الاستهلاك المحلي يتم بسعر التكلفة وليس بسعر الانتاج بالاضافة إلي مصاريف شحن مراكب الفريغ والتخزين للخام في بلد المستورد، بالإضافة إلى عمليات التفريغ واعادة التخزين ومصاريف فرق أسعار العملة لأن الاستيراد يتم بالعملة الاجنبية وتضاف مصاريف تفريغ الشحنات داخل الموانئ، ويصبح فرق أسعار انخفاض البترول لا تأثير له علي خفض الأسعار للمواد البترولية. ويكون التأثير إيجابياً كما سبق القول علي الموازنة العامة للدولة .

الوفد: كيف يستفيد المواطن المصري من خفض أسعار البترول عالميا؟

- كما سبق القول إن خفض دعم المنتجات البترولية في السنوات القادمة يمكن ان يتم توجيهه للخدمات الصحية والتعليم في البلاد.

الوفد: هل يتعارض انخفاض أسعار البترول عالميا مع خطة الدولة بتحرير سعر الطاقة خلال 5 سنوات؟

ــ دون تفكير لا أنصح بحكم منصبي السابق بالتفكير في زيادة أسعار البنزين والسولار ولا أنصح بذلك ولكن أنادي بضبط منظومة توزيع الوقود، ما يؤدي إلي التوفير دون زيادة الأسعار من خلال التبكير بتطبيق الكروت الذكية في التوزيع.

ولا يفوتني أن اذكر أن إصراري علي تطبيق الكارت الذكي لتوزيع البنزين والسولار اطاح بي من وزارة البترول بسبب تجار السوق السوداء من اصحاب المصالح الخاصة بجميع تيارات الإسلام السياسي التي كانت تقوم بتهريب الوقود وبيعه في الداخل والخارج بأسعار فلكية عن طريق السوق السوداء.

وبالرجوع مرة أخري لسرعة تطبيق بيع المنتجات البترولية بواسطة الكارت الذكي بأقصي سرعة انه سيوفر كمية من الوقود السائل في حدود 15%، تبلغ قيمة دعمها ما لا يقل عن ٢٠ مليار جنيه مصري بالإضافة إلي قيمة اسعار هذه المنتجات التي تصل إلي 35 مليار جنيه بحسابات الفرص البديلة، ما يسهم في وقف نزيف عمليات سرقة وتهريب المنتج البترولي أياً كان نوعه.

تجدر الإشارة أيضا إلي أن استهلاك البلاد حاليا من السولار يمثل 50% من الاستهلاك اليومي للوقود بصفة عامة والتي تبلغ اكثر من 100 ألف طن منتجات بترولية سائلة بخلاف الغاز، ولو قُلنا إن الـ100 ألف طن منتجات بترولية بقيمة 500 دولار للطن نجد أنفسنا نتحدث في توفير 50 مليون دولار توجه لقطاع الخدمات الأمر الذي يشعر معه المواطن بانخفاض أسعار البترول عالميا.

الوفد: كيف يتم الترشيد من وجهة نظرك؟

ــ الترشيد يجب أن يشمل استخدام الكارت الذكي في المنتجات البترولية والكهرباء باعتبارها قطاعاً يستهلك كميات كبيرة من الغاز المكافئ لمواجهة زيادة الاستهلاك المحلي الذي تصل قيمته إلي 400 مليون جنيه في اليوم وهو رقم مخيف بالإضافة الي أن ثمن المنتجات البترولية السائلة عدا الغاز يصل حاليا إلي 140 مليار جنيه سنويا.

وفى تصورى فإن الترشيد يتم بالتعاون المشترك بين الدولة والمواطن وعلي سبيل المثال في قطاع الكهرباء يمكن ترشيد الاستهلاك في الإنارة ولو حسبنا ان قيمة استهلاك 6 جيجا استثمارتهم حوالي 6 مليارات دولار يستهلكون وقوداً سنوياً بقيمة 4 مليارات دولار.

وفي حالة الترشيد وتخفيض الاضاءة إلي الثلث يتم توفير استثمارات تبلغ 4 مليارات دولار بأن يتم خفض استهلاك الوقود ويترتب عليه سداد مليار 1,5 دولار بدلا من 4 مليارات دولار ويصبح التوفير بقيمة 2,5 مليار دولار بقيمة 20 مليار جنيه سنويا يتم توجيهها أيضا لقطاع الخدمات وعلي رأسها الصحة.

والوجه الآخر لترشيد استهلاك االكهرباء من خلال إحلال الاضاءات بجميع المرافق والمنازل باستخدام لمبات اللد وبحسبة بسيطة هناك 400 مليون لمبة في البلاد تباع بسعر 30 جنيها للواحدة بإجمالي 12 مليار جنيه سنويا يمكن ان توفرها الدولة مقابل اللمبات العادية شديدة الاستهلاك بالاضافة الي توفير قيمة الاستثمارات والوقود التي تصل إلي 6٫5 مليار دولار.

الوفد: هل تتأثر الاستثمارات الأجنبية في مجال البحث والاستكشاف بمصر من انخفاض أسعار البترول عالميا؟

ــ نعم يتأثر الاستثمار في العالم بوجه عام نتيجة عدم الاستقرار العالمي والخسارة الكبيرة التي تلحق بالمستثمرين يوميا بالبورصات العالمية بالاضافة إلي ما يعقبه من تباطؤ في الاستثمارات الخارجية الواردة لمصر في نشاط البترول.

وأتصور أن الاستثمارات الأجنبية للشركات العالمية التي تعمل في مجال البحث والاستكشاف في حقول الامتياز بالصحراء ودلتا النيل ستستمر في عملها وتحاول تحديث المعدات لزيادة الانتاج وتعويض فرق انخفاض اسعار البترول عالميا.

أما الأعمال الجديدة في مجال التنقيب عن البترول والغاز فستتوقف حتما بصورة ملحوظة علي الدخول في مزايدات جديدة بعد ان أعلنت شركات البترول الكبري عن وقفة استراتيجية علي أساس انخفاض هامش الربح بين تكلفة الإنتاج والأسعار الحالية مما يؤثر بشكل مباشر علي أرباحها بدرجة لا تمكن من تحمل المزيد من المخاطر والمجازفة في الدخول بشراكة في مجال البحث والاستكشاف حاليا وارجع الوزير الأسبق للبترول ذلك إلي خوف الشركات من المغامرة في الحفر والتنقيب في حقول وتصدم بعدم وجود غاز بداخلها.

الوفد: وكيف تعوض مصر خسارة التوقف الاستراتيجى لشركات البترول العالمية؟

ــ الحل هو عدم الاستسلام والجلوس انتظارا لحضور الشركات العالمية للبلاد من خلال عدة محاور علي رأسها إعطاء الثقة للمستثمر المحلي او القطاع الخاص لأن لديه اموالاً كثيرة بالجنيه المصري غير مستغلة حاليا وهناك اموال كثيرة بالبنوك يجهل أصحابها طريقة استثمارها.

وأحب أن اوضح ان الاقتصاد المحلي غير الرسمي شايل البلد في الفترة الحالية ويجب علي الدولة ان تحميه من المخاطر الاقتصادية المحيطة به كما يقوم القطاع الخاص بتوفير 70% من فرص العمل وتشغيل الخريجين من خلال استثمارات 100 مليارات.

ويجب التركيز علي استثمارات البنية الاساسية وتجمعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة والدخول في استثمارات التنمية الزراعية وتوليد الطاقة المتجددة وبذلك نتفادي خسائر الاستثمارات الاجنبية في مجال البترول في الوقت الحالي.

بالاضافة إلي استغلال هذه الفترة لاستقبال رؤوس الأموال الأجنبية والعربية مرة اخري من خلال تهيئة مناخ الاستثمار مرة أخري.

وأريد ان اذكر هنا أن نجاح جذب المستثمر المحلي يعتمد علي عنصرين مهمين، الخبرة في التخطيط والخبرة في التنفيذ. ولعلها روشتة تبدو بسيطة ولكن تحقيقها ليس بمستحيل في حالة اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب.

الوفد: هل تتوقع أن تقدم الحكومة علي تخفيض أسعار غاز المصانع كخطوة لتشجيع المستثمر المحلي بالتزامن مع خفض أسعار البترول عالميا؟

ــ في الحقيقة إن أسعار غاز المصانع ليست مرتفعة بالدرجة التي تؤثر علي حجم الاستثمار المحلي. وهناك مجموعة قليلة اعتادت علي المكسب الكبير بأن يكون مثلا 130% ولا يرضون بمكسب يصل إلي 70% اعتقادا منهم بأنهم يخسرون وهذا غير صحيح إذا طبقنا اعراف هامش الربح في أي صناعة انه لا يتعدي من 15% إلي 20%.

المهندس أسامة كمال ( سيرة ذاتية )

ــ ولد أسامة محمد كمال عبدالحميد في 5 أبريل 1959.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل