المحتوى الرئيسى

مغامرة بـ«الجلابية» مع «ملك الآثار» فى جبال دشنا.. بحثاً عن «اللقية»

01/28 11:24

«الوطن» تخوض مغامرة صحفية فى 3 محافظات

«اخلع ملابسك وارتدى الجلباب، لا يمكن أن تصعد الجبل بهذه الملابس، سوف يُكتشف أمرك بسهولة»، قالها «أبوبكر» بلهجة صعيدية حازمة.. التزمنا بكلام الرجل الخمسينى، المشهور بين قرى مركز دشنا شمال قنا بملك الآثار، طلب الرجل من «الوطن» ضمانات كثيرة أهمها ألا نكشف هويته ولا اسمه الحقيقى، ثم وضع خطة التحرك.

ساعة كاملة قطعها الموتوسيكل على مدق جبلى شديد الوعورة حتى وصلنا إلى منطقة جبلية صعبة التضاريس، جبل به عدة فتحات ومغارات، معظمها لمحاولات لم تنجح للوصول إلى مقبرة كبيرة -الجميع يؤكد أنها موجودة بتلك المنطقة- بحسب «أبوبكر» الذى أوضح أنه «منذ 7 سنوات جاءت إلى هنا بعثة أثرية أجنبية للتنقيب ولكنها بعد عمل استمر حوالى عام انصرفت ولم تصل إلى شىء ولكن المعروف أن هناك جبّانة فرعونية كبيرة موجودة أسفل هذا الجبل وخلفه».

مع اقترابنا من مواقع العمل بعدة أمتار، وقعت أعيننا على تل كبير من الركام، أسفله طريق هابط إلى باطن الأرض بمسافة 20 متراً تقريباً وبعرض 3 أمتار.. «أكد لنا الشيخ أن مدخل الجبانة يبدأ من هنا، وعلى عمق 20 متراً، ولما كانت الدنيا خالية ولا وجود للشرطة فى هذا المكان أحضرنا حفاراً، وحفرنا لمدة 5 ليالٍ من العمل المتواصل، فى النهاية أخبرنا الشيخ أنه أخطأ فى حساباته فى مدخل المقبرة، كنا وقتها وصلنا إلى عمق 20 متراً فى الحفرة ولم نُخرج منها سوى ركام لصخور رسوبية».

تركنا الحفرة الكبيرة وصعدنا حوالى 8 أمتار من الجبل للوصول إلى فتحة لا يتجاوز قطرها المتر ونصف المتر، تبدأ بشكل أسطوانى ولكنها تنزلق لبطن الجبل بصورة مخيفة، استغرقت محاولات نزولنا إلى البيارة حوالى 20 دقيقة كان المكان ضيقاً ومنزلقاً للأسفل بصورة خطيرة، نزل المرافق بسرعة كبيرة وبعد محاولات مضنية نجحت فى اجتياز الصخور الجيرية المدببة ونزلت إلى داخل البئر التى يصل عمقها المبدئى لـ10 أمتار يبدأ بعدها الأنبوب المحفور بعناية وسط الصخور فى الهبوط بزاوية كبيرة ناحية اليمين، كان المكان مظلماً ورائحة الجير والأتربة خانقة بعد مسافة 25 متراً أشار مرافقى إلى رسم على الجدار رأيته بصعوبة على ضوء التليفون المحمول وكان يبدو لحيوان ورأس طائر، لكنها غير واضحة وكانت منحوتة على الصخر بعد 5 أمتار أخرى، لم أستطع النزول كان الهواء ينسحب تدريجياً من الأنبوب الضيق الذى نزلناه، وكان القطر يضيق أيضاً، تركنى مرافقى إلى نهاية الأنبوب ثم صعد سريعاً وبدأت رحلة شديدة الصعوبة للخروج من الحفرة.

«وصلنا لـ50 متراً ومعى هنا 11 عاملاً ولنا أكثر من سنة نعمل فى تلك الحفرة، ويقول الشيخ إننا سنضطر لاستكمال الحفر بشكل عرضى لمسافة 11 متراً أخرى حيث انحرفنا أثناء الحفر نزولاً عن بوابة المقبرة»، مضيفاً: «حفرت فى هذه المنطقة 3 حفر، كان أولها 40 متراً وكانت فى منطقة جبلية، وبعد مرور شهور من الحفر اكتشفنا خطأً، ففتحة السرداب على بعد 50 متراً من الحفر الأول أسفل هضبة جبل صخرية، كنا بدأنا الحفر للوصول لتلك المقبرة من ناحية أخرى، ولكن بعد فترة من العمل قررت استبدال الشيخ الإسكندرانى الذى بدأ معنا، بآخر مغربى كان موجوداً فى قرية (شنهور) فى قوص، بعدما فشل الأول فى تحديد مواقع أخرى للتنقيب، وانتقلنا إلى موقع جديد نصبنا حوله الخيام ومعدات الحفر اليدوية، وكان الحفر فيه صعوبة كبيرة بسبب الصخور الصلبة وكان لدينا 12 عاملاً يعملون والشيخ يتابعهم ويوجههم فى الاتجاه الصحيح».

جلس «أبوبكر» عند مدخل الفتحة وحكى كيف تحول لأشهر منقب عن الآثار فى قنا: على مدار 12 عاماً متواصلة، أنقب عن الآثار فى وسط التجمعات السكنية والجبال بالمناطق الأثرية التى تتبع هيئة الآثار، صرفت كثيراً على التنقيب ولكنى كسبت كثيراً ونصب علىّ كثيراً أيضاً.. صمت قليلاً، ثم أضاف: «اتنصب علىّ 3 مرات، الأولى بإحدى قرى قوص، بعدما أخرجنا اللقية، وطلبوا منى أن أخبئها عندى حتى يجلبوا تاجراً، وكانت عبارة عن مسلة صغيرة و4 غوايش ذهبية و6 تماثيل، وبعد مرور شهر جاءنى الشيخ وأخذها ليوصلها لشركائى فى الحفر حيث كان يوجد التاجر، لكنه لم يعد مرة أخرى، والمرة الثانية كانت عندما حفرنا فى الجبل وأمامنا 30 سم على موضع التمثال، وتركنا مكان الحفر فى المساء على أن نكمل نهاراً، جئنا فى الصباح ووجدنا المكان مفتوحاً ومسروقاً، واتضح أن أحد المشاركين أخذ (المساخيط) وهرب، والمرة الثالثة عندما كنت فى منطقة جبلية بمركز قنا، والشيخ أخذ 3 تماثيل وهرب بمجرد أن خرجوا».

تحكم عمليات التنقيب والحفر «أعراف» لا يستطيع أحد أن يتجاوزها، حسب تأكيد «أبوبكر»: «عمليات التنقيب فى حالة وجود أشخاص غرباء من قرى أخرى أو بلدان بعيدة، تختلف من منطقة جبلية عن التنقيب فى مناطق أثرية داخل المنازل، ففى المناطق الجبلية التى تقع موازية لقرى معينة لا يسمح بالتنقيب سوى بمشاركة أهل القرية والاتفاق على نسبة معينة فى حالة العثور على (اللقية) شرط تحمل جزء من المصاريف، أما التنقيب فى وسط المنازل فلا يمكن الدخول سوى بموافقة صاحب المنزل وكبار عائلته، لأنه فى كلتا الحالتين سيكونون فى حمايتهم من بداية عمليات البحث والتنقيب حتى نهايته، من بطش الخارجين والطامعين من القرى المجاورة وحتى الحكومة».

تركنا الجبل وبدأنا العودة المرهقة أيضاً على الموتوسيكلات، فى رحلة تجاوزت أكثر من ساعة لننتقل إلى أحد مقاهى مركز دشنا شمال قنا، يطلق عليها قهوة «اللقية» وهو المصطلح الذى يطلقه أبناء الصعيد على الآثار المستخرجة من الأرض.. كان المقهى الصغير على ضفاف ترعة تربط بين قرى المركز الفقيرة «كل مرتادى هذه القهوة من العاملين فى التنقيب عن الآثار»، حسبما يوضح «أبوبكر»: «هنا تتم الاتفاقات والصفقات، سواء بين العمال الذين يحفرون أو بين أصحاب البيوت والمشايخ الذين يسخرون الجنّ بحثاً عن الكنز».

انقسم رواد المقهى لجانبين؛ أحدهما على ضفاف الترعة جلس عليه «معلمو الحفر وكبار التجار»، وعلى الجانب الآخر يجلس الحفارون وعمال التنقيب.. بمجرد أن وصلنا المكان، جاء إلينا أحد المعلمين وقال «أهلاً بالدكتور» ونظر إلى مرافقى «أبوبكر»، الذى أشار برأسه لنا مؤكداً: «الدكتور هو الخبير الذى يأتى لتقييم المساخيط»، قالها بنبرة صعيدية واضحة.

يوجد فى مصر عشرات الدكاترة، أغلبهم من الأثريين السابقين إلا أن أشهرهم موظف من القاهرة يجلس دائماً على مقهى فى منطقة مصر القديمة، ويتميز -حسب تأكيد تجار الآثار- بأن أمواله حاضرة «الرجل يعمل لحساب خواجة يقال إن له فيلا فى حى مصر الجديدة وهو لا يظهر ولا يتحرك إلا إذا كانت الصفقة كبيرة، ويعد الخواجة من أكبر التجار فى السوق»، قالها أحد التجار هامساً لى، مشيراً إلى أنه فى حالة العثور على «لقية» أو تمثال، يأتى خبير متخصص فى الآثار يطلقون عليه الدكتور، ليحدد لنا قيمة ما تم العثور عليه، ثم نقوم بتصوير «اللقية» وعرضها على أشخاص بعينهم معروفين فى كل مكان فى المحافظة «متخصصين»، وتتم عمليات الفصال والبيع، وبعد الاتفاق على المبالغ المالية، تتم عمليات التسليم وفق سياسة «سلم واستلم».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل