المحتوى الرئيسى

25 يناير.. علامات البدء

01/26 21:30

15 أكتوبر 2011 تحت شعار "متحدون لتغيير العالم" تحرك مئات الألاف من المتظاهرين معا فى 951 مدينة فى 82 دولة، الدعوة لهذه التظاهرات خرجت من إسبانيا فى مايو من نفس العام، وكانت السوشيال ميديا، هى أداة التواصل والتشبيك، استجابت ضمائر وعقول شابة وخرجت فى ذلك اليوم، لتهتف ولترفض تواطؤات نخب السلطة ونخب الثروة، لترفض لامساواة هائلة، لترفض فساد، تطلب كرامة وعدالة وحرية... لم تكن هذه هى نقطة البداية، الشرارات الأولى بدأت فى أيسلندا ثم تونس، ثم كانت مصر 25 يناير الحدث الأكبر والملهم، ليختار متظاهرو وول ستريت فى نيويورك ومتظاهرو مدريد وبرشلونة "ميدان التحرير" اسما لأمكنة لتجمعهم، لتنتشر "ميادين التحرير" ورمزيتها فى العالم من البرازيل إلى البحرين، من لندن إلى سنتياجو، من نيويورك إلى دمشق وفى جميعهم دافع شباب عن "قيم كونية"؛ عن الحرية والمساواة والتسامح وقبول الأخر والمسئولية المشتركة وحتي الحفاظ علي البيئة، دافعوا عن السلام والعدالة، عن حقوق الـ 99% من البشر الضائعة، عن الحقوق المتساوية والكرامة لكل البشر بلا تمييز بين لون أو جنس أو عرق أو دين أو ثروة. هذه الحركات تواصلت فيما بينها ، تفاعلت مبدعة مبادرات جديدة؛ كانت خطوات أولى لتغيير العالم.

لم تكن مؤمرات كما يهذى إعلاميون مخبرون فى إعلام يملكه ويوجهه من هم فى قلب شبكات الامتيازات المغلقة؛ التى قامت الثورات ضدها، فى عالم يملك 1% من سكانه ثروات تزيد على مايملكه الـ 99% الأخرون، يبدو وصف "الثورة" بأنها مؤمراة إما وقاحة أو جنون.

لم تكن مؤمرات، كانت فقط تحركات اجتماعية شبكية ترفض عنجهية السلطة وبطشها وفسادها، كان بحثا عن كرامة مفقودة. ما رأيناه بأعيننا فى مصر فى يناير 2011 من تحد لسلطة فاسدة وإسقاطها، من فتح مجال سياسى تم إغلاقه لعقود، من خروج من حالة فقدان أمل مزمنة، من مطالب بعدالة اجتماعية مفقودة، من الوقوف أمام جشع جراد/ نخبة اقتصادية أتت على الأخضر واليابس كان هو النهاية الطبيعية لوضع لم يعد قابلا للاستمرار.

ما حدث فى يناير، ومايحدث فى العالم من وقتها هى علامات ولادة عالم جديد –حتى وإن تعثرت- لا نعرف الآن كيف ستبدو ملامحه ولكننا نعرف أن عالم قديم ينتهي ويموت ومعه منطق الاقتصاد القديم وطريقة قديمة لتنظيم العمل والحياة ولبناء مؤسسات المجتمع، وسلطوية لم تعد تنفع أصحابها. ما يبدأ مخاضه هو وعي جديد ومنطق اقتصاد جديد، ومقاربة جديدة للعلاقات مع الآخرين و مع الذات، ما نراه بوضوح أن سقوط الطغاة سريعا ملمح أساسى من هذا العالم الجديد الذى يتشكل، أن من لديه السلطة أصبح غير قادر على إستخدامها كما يحلو له وبلا مقاومة كما كان يمكنه سابقا وأن السلطة لم تعد تستمر طويلا.

الأداة الأبرز للتواصل فى هذا العالم الجديد والتى لعبت دورا محوريا فى هذه الحراكات الاجتماعية هى الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التى تتطور بوتيرة مذهلة، تنقد ذاتها ومنطقها كل يوم عن طريق مستخدميها، ويخضعها مطوروها لعملية مراجعة مستمرة وأسئلة جديدة تطرح كل يوم، والنتيجة طوفان من الأفكار والمبادرات والتشبيكات والتطبيقات، يعود المستخدم العادى ليتفاعل مع كل هذا ناقدا و مبدعا وسط أخرين لتُخلق معرفة جديدة لا تنتهى فى دائرة مذهلة تتسع لتشمل "الجميع" منتجين و مستهلكين لكل صنوف المعرفة فى تفاعل خلاق لمجموعات و أفراد من المبدعين. "الجميع" فى حالة حركة لا تنتهى، بالتالى مجتمعاتنا وثقافاتنا ومدننا وسياساتنا وتجاراتنا وتديننا ونظمنا التعليمية ومؤسساتنا والأهم وعينا وأساليب تفكيرنا تخضع جميعها لعملية إعادة بناء وتنظيم جذرية ومعها يتم إعادة تعريف لعلاقات البشر وبعضهم وحتى علاقتهم بالله، هل مع كل هذا ستصمد علاقة "السلطة" بالمجتمع بشكلها القديم؟! على حسب المنتدى الاقتصادى العالمى المعلومات التى نتعامل معها اليوم، تم خلق 90% منها فى العامين الأخيرين؛ "عقل عالمى" يتشكل وفى عملية تشكله وصيرورتها يتصارع قديم مركزى خطى مع جديد شبكى لامركزى، لا نعرف كيف سينتهى الصراع ولمصلحة من، هل ستفوز النخب القديمة؟ لا نعرف ولكننا يمكن أن نرى بوضوح أزمتهم؛ أزمة العقول "الخطية" فى عالم لم يعد خطيا على الإطلاق و لم تعد الخطوط المستقيمة ببساطتها و بحدتها أيضا قادرة على أن تصل نقاطه الواقعة فى أبعاد مختلفة و متشابكة، ربما لهذا بدت طبيعة الحراك / الحركة منذ يناير عصية علي فهم من حكموا – انتقاليا – فى الخمس سنوات الفائتة بتنويعاتهم حتى وإن بدوا منتصرين الآن.

القادم أعقد كثيرا بالنسبة لهواة التفسيرت التآمرية المضحكة وأصعب كثيرا لأصحاب الكتالوجات القديمة، القواعد التى نعرفها إنكسرت، العالم يتحرك بسرعة مذهلة ويتحرك معه فقط أبناء المستقبل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل