المحتوى الرئيسى

فؤاد سراج الدين بطل معركة الإسماعيلية ضد الاحتلال البريطاني

01/25 10:39

التاريخ يُصحح نفسه. يُقيض الله بعد دهور من التشويه مَن يدحض أكاذيب ويُبدد أوهاماً ويُعيد الاعتبار لشخصيات أنُكرت، وأدوار زورت، لتعلو الحقيقة كاشفة كالنهار.

ذلك ما جرى فى احتفال الشرطة بعيدهم قبل أيام عندما أعلنت وزارة الداخلية حفاوتها وتقديرها لما قام به فؤاد سراج الدين زعيم الوفد ووزير الداخلية يوم معركة الإسماعيلية الخالدة. كان التجاهل هو عنوان الاحتفالات السنوية بعيد الشرطة الذى اتخذ عيدًا بسبب استشهاد عدد كبير من رجال الشرطة فى مقاومتهم لدخول الإنجليز الإسماعيلية سنة 1952 .

 فى كُل عام لم يكن لأحد أن يذكر اسم «سراج الدين» أو يستعرض دوره فى الحفاظ على كرامة ضباط الشرطة عندما كان وزيرا للداخلية وأمرهم بأن يقاتلوا بضراوة جيش الاحتلال البريطانى . لم يُقدم وزراء الداخلية بعد ثورة يوليو  واحدا خلف آخر أى تحية للرجل الذى تحمل المسئولية فى تلك المعركة الخالدة،  بل وصل الأمر ببعضهم إلي أن يتهم «سراج الدين» بالتهور لانه سمح للضباط بالمقاومة.

فى عيد الشرطة الأخير وفى حضور مجدى عبد الغفار وزير الداخلية تم عرض فيلم تسجيلى لمعركة الإسماعيلية تضمن تفصيلاً واحتفاء بقرارات فؤاد سراج الدين وقت المعركة ، وهى بداية وخطوة فى طريق إنصاف الرجل. 

لقد تولى «سراج الدين» وزارة الداخلية فى حكومة الوفد الأخيرة عام 1950 والتى قام بتشكيلها مصطفى باشا النحاس بعد فوز الوفد بأغلبية كاسحة فى الانتخابات البرلمانية.

لم يكن « سراج الدين « ذلك الشاب الصغير الذى عُرف كأصغر وزير داخلية فى تاريخ مصر، مُستعدا أن تُنتقص الكرامة والعزة المصرية  تحت أى مُبرر، لذا فقد كان على خلاف وزراء الداخلية السابقين يستغل منصبه فى مد الفدائيين المصريين الذين يخوضونه حرب عصابات ضد القوات البريطانية بالسلاح، وهو ما كشفته محاكمة الرجل فى عهد ثورة يوليو والتى انقلبت إلى رد اعتبار له.

لقد تحولت وزارة الداخلية فى عهد سراج الدين من وزارة مسئولة فقط عن الأمن بشقيه الاجتماعى والسياسى، إلى وزارة حرب ضد الاحتلال. لم يكن ذلك ليحدث فى أى عهد سابق، بل كانت الشرطة دائما مُسخرة لحماية المسئولين والساسة، وفى بعض الأحيان كانت أداة بطش ضد الخصوم والمعارضين. ولاشك أن منشورات ثورة 1919 المجهولة التى نشرها مؤخرا الدكتور رفعت السعيد تكشف أسماء ضباط الشرطة الذين وقفوا مع الاحتلال ضد الثورة .

من هُنا يتضح حجم التغيير الذى أحدثه فؤاد سراج الدين فى وزارة الداخلية. إنها وزارة ملك مصر أى ملك شعب مصر، وعليها أن تدافع عن حقوقه وتناضل من أجل حريته. لقد بدأ الرجل  منذ تولى مسئولية الداخلية دعمه المباشر لحركة الفدائيين فى قناة السويس ، فسهّل باعتباره وزيرا للداخلية مهمة نقل السلاح إليهم ، وهو ما شهد به وجيه أباظة فيما بعد فى محاكمة فؤاد سراج الدين بعد يوليو 1952.

لكن لماذا كان ذلك الدعم وتلك التسهيلات؟

 ببساطة لأن الرجل مصرى ووطنى ولو كان الوفد ــ كما أشاع بعض المرجفين ــ حريصا على ارضاء القصر والانجليز، لما قدم كُل امكاناته لدعم حركة الفدائيين. لقد كانت الشرارة الاولى للحركة بعد قرار مصطفى باشا النحاس التاريخى بإلغاء معاهدة الصداقة المصرية البريطانية التى وقعت عام 1936 والتى سحبت بريطانيا بمقتضاها قواتها إلى منطقة القناة فقط. عندما أطلق النحاس عبارته الأشهر «باسم مصر وقعت معاهدة 1936، وباسم مصر اليوم أطالبكم بإلغائها»  انطلقت الجماهير فى شلالات تأييد مذهلة وتوحدت جهود الشعب والحكومة لبدء الكفاح المسلح ضد الانجليز. وبالفعل تطوع مئات الشباب فى معسكرات تدريب لضرب مصالح الانجليز ومنشآتهم فى مدن القناة، وانسحب أكثر من 90 ألف عامل مصرى من خدمة تلك المعسكرات، وأصبح الاحتلال البريطانى يعانى كل يوم خسائر بشرية ومادية نتيجة ضربات المقاومة.

وطبقا للوثائق البريطانية  فإن قوات الاحتلال التى كانت تتركز فى منطقة قناة السويس بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رصدت مشاركة ضباط شرطة فى امداد الفدائيين بالسلاح ، وهو ما دفعهم إلى  اصدار قرار بتفريغ منطقة القناة من جميع أفراد الشرطة المصرية ومصادرة أسلحتهم .

وبادر الجنرال «اكسهام» قائد الجيوش البريطانية فى يوم 25 يناير سنة 1952 بإرسال خطابا إلى محافظ الاسماعليلية يطالبه بتسليم الشرطة لكامل اسلحتها إلى قواته ( وفى ذلك الوقت كانت المحافظات تابعة لادارة الداخلية ) فما كان من  اللواء أحمد رائف قائد بلوكات النظام ، وعلى حلمى وكيل المحافظة ومصطفى رفعت ضابط الاتصال المصرى أن رفضوا القرار ثُم اتصلوا  بفؤاد سراج الدين وزير الداخلية وأخبروه بالأمر. وسألهم الوزير عن موقفهم الشخصى فقال له مصطفى رفعت إننا نعتبر الانذار جرحاً للكرامة المصرية . هذه ارض مصرية ، وليس مسموحا لأحد أن يأمر رجال الشرطة سوى قياداتهم من المصريين. وقال سراج الدين إنه باعتباره وزيرا للداخلية فإنه يأمرهم بأن يقاتلوا حتى آخر رصاصة .

ولم يصدق الجنرال «اكسهام» نفسه عندما سمع رفض الانذار من جانب محافظة الاسماعيلية ، ولم يصدق رد مصطفى رفعت ، وقادته انفعالاته إلى أن يصرخ فى وجوه مساعديه بضرورة سحق الارادة المصرية بأى ثمن .

كان عدد جنود الشرطة المصرية يقترب من الألف، وحشد «اكسهام» نحو سبعة آلاف جندى بريطانى ليحاصروا مبنى المحافظة ويطلقوا نيرانهم العنيفة تجاهها .

 لقد دفع الحقد الأعمى القوات البريطانية إلى اطلاق النيران صباح الجمعة الخامس والعشرين من يناير بكثافة من كافة الجهات ، ودافعت الشرطة المصرية بحماس ، وقاتل الضباط والجنود بفدائية وروعة ، واستمرت المعركة ست ساعات كاملة ، وسقط 50 شهيدا وعشرات الجرحى، و تم هدم جدران المبنى. وصرخ الجنرال «اكسهام» فى مكبرات الصوت، داعيا رجال الشرطة لتسليم أنفسهم ، لكنهم رفضوا واستمروا يقاومون حتى آخر رصاصة.

وسقط نحو 13 بريطانيا قتيلا، فضلا عن جرح 15 آخر، وأبدى ضباط الجيش البريطانى اعجابهم بفدائية وشجاعة رجال الشرطة فقدموا لهم التحية العسكرية بعد أن نفدت  ذخيرتهم ، وتوالت المظاهرات فى محافظات مصر تأييدا لحكومة النحاس ، مُطالبة بالثأر والقصاص، وتوالت العمليات الفدائية ضد معسكرات البريطانيين فى مُدن القناة.

ولم يكُن هُناك أمام الانجليز ورجال القصر سوى اجهاض الثورة التى أعلنها الوفد ضدهم، لذا فقط تم تدبير حريق القاهرة فى اليوم التالى مُباشرة واشتعلت النيران فى عدد من دور السينما ومحلات اليهود ، ومقار الأجانب واضطرت الحكومة إلى اعلان الأحكام العرفية، لكن كان الوقت قد تأخر، حيث وجد الملك فاروق مُبرر اقالة الحكومة لتدخل مصر مرحلة تخبط وفوضى حتى ليلة 23 يوليو عندما استولى الضباط الأحرار على السلطة.

ورغم أن بطولة رجال الشرطة وفخرهم بوقوفهم ضد جنود الاحتلال، الا أن بعض خصوم الوفد ومُصفقى السُلطة الجديدة  حاولوا تشويه العمل، وكان ذلك مبكرا، حيث شهدت محاكمة سراج الدين ضمن محاكمات الثورة عام 1954 اتهامه بالتسبب فى استشهاد رجال الشرطة المصريين، وفوجئ الحاضرون بواحد من الضباط الأحرار هو وجيه أباظة يصر على تقديم شهادته، مؤكدا أن «سراج الدين» كان أكبر داعم لحركة الفدائيين، وهو ما دفع رئيس المحكمة إلي أن يقول وقتها لـ»سراج الدين «: « نحن لا نشك فى وطنيتك «.

وقد استمرت حرب التشويه ضد الوفد وضد ما فعله وزير الداخلية فيما بعد ، وكان أشهر المتطاولين محمد أنور السادات  رئيس الجمهورية نفسه قبل 35 عاما. وطبقا لما كتبه أنيس منصور فى كتاب» من أوراق السادات « فإن السادات قال :  

«إن للوفد أخطاء كثيرة ليس أقلها أن يصدر وزير الداخلية فؤاد سراج الدين أمرا الى البوليس بأن يقفوا فى وجه الانجليز وكانت نكتة مبكية أن يستخدم هؤلاء  بنادق الرش فى مواجهة مدافع الانجليز» .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل