المحتوى الرئيسى

من أسرار العشرية السوداء

01/25 00:05

تشهد الجزائر هذه الأيام تفاعلات مثيرة للاهتمام، لا تتعلق فقط بخيارات المستقبل بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الذى يعانى من مشكلات صحية، لكنها تتعلق أيضا بملفات الماضى وحساباته. ولا أستبعد أن يكون الصراع على المستقبل هو الذى استدعى ملفات الماضى. باعتبار أن خلفيات الأشخاص عنصر مهم فى تحديد أدوارهم فى السيناريوهات القادمة. وإذ لا جديد يذكر فى الصراع الحالى على السلطة. ولكن الجديد يظل فيما استدعاه ذلك من أحداث شهدتها البلاد منذ ربع قرن. فنحن نتابع منذ أكثر من عام أخبار لجوء الرئيس بوتفليقة إلى تفكيك المؤسسة الأمنية المهيمنة. والتفكيك الذى أعنيه لا يقصد به إلغاء دور العسكر فى السياسة الجزائرية. فذلك أمر مستبعد فى الأجل المنظور. ولكنه ينصرف إلى إحداث تغييرات فى هياكل تلك المؤسسة وتخفيف قبضة العناصر المتحكمة فيها منذ عدة عقود.

الجديد فى المشهد الجزائرى كشف عنه تقرير مهم لموقع «موند أفريك» الفرنسى عرضه «عربى ٢١» يوم ١٨/١. إذ تطرق إلى العواصف السياسية التى تضرب الساحة الجزائرية فى الوقت الراهن جراء فتح ملفات «العشرية السوداء» التى تمثلت فى صراع العسكر والمخابرات مع الإسلاميين بعد فوزهم فى الانتخابات عام ١٩٩١. ذكر التقرير أن الملفات فتحت بعدما أطاح الرئيس بوتفليقة فى شهر سبتمبر من العام الماضى بالجنرال توفيق الرجل الأقوى فى الجزائر. الذى رأس جهاز المخابرات منذ عام ١٩٩٠. إذ فى أعقاب إجباره على الاستقالة وجد بعض المسئولين فى دولة المخابرات أنفسهم فى وضع حرج. فقد بدأت أسرار العشرية السوداء تتكشف، بعدما قام أحد رجالها، العقيد السابق محمد طاهر عبدالسلام الذى كان مكلفا فى جهاز المخابرات بملفات الشرق الأوسط والمعارضين فى الخارج بالإدلاء بشهادته حول أحداث «العشرية السوداء». ذلك أنه بعدما فقد الجنرال توفيق سيطرته على الصحف والقنوات التليفزيونية فإن وسائل الإعلام المحلية تنافست على كشف المعلومات المتعلقة بإجهاض المسار الديمقراطى فى سنوات التسعينيات. وهو ما تم من خلال دعوة بعض رجال تلك المرحلة إلى الحديث عما جرى خلالها. فقامت قناة «خبر» المحلية ببث حوار استمر ساعتين مع العقيد محمد طاهر عبدالسلام تحدث فيه عن ملابسات تصفية الجنرال فضيل سعيدى المسئول عن العمليات الخارجية فى جهاز المخابرات فى عام ١٩٩٦. إذ ذكر أن حادث السيارة الذى قتل فيه كان مدبرا، وأن الناجى الوحيد من الحادث. الذى عولج آنذاك فى أحد مستشفيات باريس أكد على ذلك. حيث أفاد بأن السيارة لم تتعرض لحادث سير كما قيل، ولكنها انفجرت مما أدى إلى قتل الرجل. وطبقا لما ذكره فإن سبب التصفية راجع إلى أن الرئيس السابق الجنرال لمين زروال كان قد قرر تعيين الجنرال فضيل على رأس جهاز المخابرات. وهو ما رفضه الجنرال توفيق ومساعدوه. لذلك فإنهم تخلصوا من الرجل بهذه الطريقة.

تحدث العقيد عبدالهادى أيضا عن انقلاب العسكر على المسار الديمقراطى من خلال قطع الطريق على الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فقال إنه بعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التى تمت عام ١٩٩١ وأظهرت تقدما واضحا للجبهة تم إقصاء الرئيس شاذلى بن جديد وتسلم العسكر الاستئصاليون مقاليد الدولة. وقد شرع هؤلاء فى تنفيذ مخططهم لإفشال الإسلاميين عبر إغراق البلاد بشكل متعمد فى العنف والإرهاب. فى هذا الصدد ذكر رجل المخابرات السابق أنه سمع بنفسه قادة المخابرات وهم يتحدثون عن قبولهم بوصول الرئيس الأسبق أحمد بن بلة للحكم إذا اختاره الجزائريون، إلا أنهم لن يسمحوا لعناصر الجبهة الإسلامية بتولى السلطة حتى إذا فازوا فى الانتخابات.

من الملاحظات المهمة التى سجلها تقرير «موند أفريك» أن الجنرال توفيق وبقية قيادات الجيش والمخابرات الذين قادوا المؤامرة يوصفون فى الأوساط الشعبية الجزائرية بأنهم «جنرالات فرنسا». ذلك أنهم حاربوا إلى جوارها ضد الثوار الجزائريين فى حرب الاستقلال. ثم انضموا إلى صف الثورة فى اللحظات الأخيرة قبل خروج فرنسا من الجزائر. وظلوا منذ تلك الحقبة يسيطرون على مقاليد السلطة فى البلاد ويخدمون مصالح المحتل بصورة غير مباشرة.

أورد التقرير قصة أخرى تتعلق بالشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة فى تونس، الذى كان ملاحقا من النظام الحاكم. إذ حين اضطر للهرب إلى الجزائر فإن الجنرال زين العابدين بن على قرر ملاحقته، فتوجه إلى لوزان السويسرية وطلب من بن بلة الذى كان مقيما هناك العمل على ترحيل الغنوشى إلى تونس. وهو ما أثار استياء بن بلة واستنكاره، فاتصل برئيس الوزراء الجزائرى آنذاك أحمد غزالى (بين عامى ١٩٩١ و١٩٩٢) وقال له: لقد أوصلتم الجزائر للحضيض حتى أن شخصا تافها مثل بن على جاء يصدر إلينا الأوامر، ويحذرنا من أنه سيفضح الجزائر فى أوروبا إذا لم نسلمهم راشد الغنوشى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل