المحتوى الرئيسى

سيد أبو العلا يكتب في ذكراها الأولى: شيماء الصباغ.. «مسيرة نحو الحرية».. هيباتيا 2015 (1- 3)

01/24 13:59

عاشت شيماء حياتها القصيرة من أجل الناس وثارت من أجل المظلومين واستشهدت وآخر كلماتها تهتف "عيش - حرية -عدالة اجتماعية"، ذهبت يوم 24 يناير 2015 لتكرم شهداء الثورة فالتحقت بهم في حادثة استشهادها علي يد قوات الشرطة في ميدان طلعت حرب.

في القرن الثالث الميلادي وقفت "هيباتيا" الفيلسوفة والعالمة في مكتبة الإسكندرية وحدها في وجه الرجعية الدينية وقتها والتي حرمت العلم والفلسفة بعد أن خذلها تلامذتها وخضعوا للرجعية الدينية التي سيطرت علي المدينة وقتل المتطرفون معظم علماء المكتبة وفي النهاية.. وفي قلب الميدان قتلوا "هيباتيا" وحيدة. وفي القرن الواحد والعشرين وفي 24 يناير 2015 وقفت شيماء الصباغ بنت الإسكندرية في وجه الاستبداد والرجعية العسكرية منادية بأهداف ثورة يناير في ذكراها الرابعة حيث تراجعت الثورة في وجه القمع وسيطرت الثورة المضادة علي مقاليد الأمور في مصر وقتلت شيماء علي يد الشرطة وبرصاصها في وسط قلة من أعضاء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الذين شاركوها إحياء ذكري الثورة وتكريم شهدائها بالورود.

كان شهر يناير هو كل شيء بالنسبة لشيماء..فيه ميلادها في الثامن من يناير 1983 وميلادها الثاني مع ميلاد الشعب المصري من جديد في الخامس والعشرين من يناير 2011 وأخيرا ميلادها الأبدي كأيقونة للثورة المصرية في الرابع والعشرين من يناير 2015 تاريخ استشهادها. نشأت شيماء في حي محرم بيك وهو أحد الأحياء الشعبية بمدينة الإسكندرية وسط الناس المصرية البسيطة..عاشت همومهم الكثيرة واحتياجاتهم البسيطة وأفراحهم القليلة وعرفت ثقافتهم الشعبية وأحبتهم فأثرت فيهم جميعا في مسيرتها واستشهادها.

ولكنها ثارت علي المجتمع الذي نشأت فيه وقررت تغييره للأفضل واختلفت عنهم واحترمتهم , ارتدت منذ نشأتها الملابس العملية حيث كانت كثيرة الحركة والنشاط قليلة النوم تملأ الدنيا حركة وكأنها  تقوم باستغلال وقتها القصير في الحياة لتصنع النموذج الثوري الإنساني الذي نحكي عنه, كان والدها عالم أزهري يكره الفكر الوهابي ويختلف مع شيماء ولكنه أحبها وانتزعت استقلاليتها في التصرف واحترمته وكان يقول لها وهي صغيرة " لبس البنطلون للي زيك سترة " قاصدا أنها كثيرة الحركة. وانتقل  والدها عن عالمنا في العام 2013.

شيماء سكندرية أصيلة وأيضا مصرية أصيلة من أصول ريفية حيث كان أبوها المعروف بالشيخ صبري من قرية الغلالبة مركز دمنهور البحيرة , والذي عاش حياته بين الإسكندرية في البيت الذي ترعرعت فيه شيماء وبين منزله في القرية الذي زارته شيماء مرارا وتكرارا وتنفست هواء الريف النقي وأحبت الزراعة والفلاح المصري وظل أبوها محافظا علي أرضه يزرعها بجانب عمله في البعثات الأزهرية التعليمية في غينيا الاستوائية بأفريقيا, وبعد وفاته قررت الاحتفاظ بأرضه وبيتهم في القرية وعدم الاستغناء عنهم وقالت "أنا مش ممكن أبيع أرض أبويا, ولازم أورثها لأبني بيبو ويجي يزورها ويعرف أصوله الفلاحي التي افتخرت بها أمه شيماء لآخر لحظة".

عاشت شيماء مع أمها السيدة المصرية الكريمة "بيدو" والتي كانت خفيفة الظل حتى رحلت شيماء فأصبحت أما حزينة علي فقدان ابنتها الكبيرة, كما أمضت شيماء وقتا طويلا في بيت خالتها التي عملت بشركة كابو للغزل والنسيج، تلك الخالة صاحبة الشخصية القوية المؤثرة في العائلة كلها وقد توفيت بعد عام من المرض حزنا علي شيماء في يوم 7 يناير الحالي، فجمعت شيماء بين شخصية مرحة لأمها وقوية الشخصية لخالتها.

تدرجت شيماء في الدراسة إلي أن أنهت دراستها الجامعية في الإسكندرية عام 2004 ثم انتقلت إلي دراسة التراث الشعبي في القاهرة, وفي العام 2006 تزوجت و أنجبت في الثاني عشر من يونيو 2009 طفلها الوحيد "بلال أسامة السحلي" وكانت تناديه "بيبو" حيث اصطحبته في كل أنشطتها فكان ذكيا كأمه ومرحا مثلها ومبدعا وفنانا صغيرا لأبيه وأمه معا. إنه طفل يعشق الحرية ويمارسها حيث تربي عليها وهو الذي اشتهر بالهتاف في أيام الثورة الأولي حين كان يهتف "حسني بح كوسة بح " تعبيرا بريئا منه علي عدم حبه لأكلة الكوسة وله العديد من الأفلام التسجيلية التي شارك فيها .

فقد بلال أمه  شيماء وافتقدته حيث أصبح "بلال" وحيدا في الحياة وهو في السادسة من عمره، أمه التي كانت تمثل له الدنيا بأكملها..فهي الأم والطفلة التي يلعب معها والصديقة التي يحكي إليها ويخرج يده في يدها وهي أيضا المعلمة والمدرسة، فكانت شيماء الصباغ نموذج للبنت المصرية الجدعة  مسؤولة ومرحة وإنسانة, بنت الريف وخيره, إسكندرانية حرة قوية وجريئة وأم واعية ومربية حنونة .

أحبت شيماء الشعب المصري وحياته البسيطة فاهتمت بدراسة تراثه الشعبي وكانت تقول "التراث الشعبي يقربنا من الناس اللي بنحبهم للناس اللي شبهنا..العمال والفلاحين والبسطاء" التحقت بالمعهد العالي للفنون الشعبية بالقاهرة وبدأت حياة قاهرية مليئة بالزخم الفني والسياسي والثقافي وحصلت علي دبلوم الفولكلور الشعبي وكانت تكتب رسالة الماجستير في الثقافة الشعبية واستخدامها في ثورة يناير تحت إشراف الأستاذ الدكتور "مصطفي جاد" وهو من أكثر من أثروا في تكوين ثقافة شيماء عن التراث الشعبي. لها العديد من الدراسات والأبحاث الميدانية في التراث الشعبي المصري مثل " الفرق بين العادات والتقاليد – الأدب الشعبي وقصص المقاومة الشعبية للحكام والمحتلين في التراث مثل قصة "علي الزيبق" – الرقص الشعبي مثل "رقصة الصيادين علي المراكب ورقصة الفلاحات في الحصاد" -عادات وتقاليد المرأة المصرية – كيفية التواصل مع الجماعة الشعبية – القيم والعادات المجتمعية من منظور تراثي – الأغاني الشعبية للمرأة والطفل) وآخر ما كتبت كان مقال نشر في جريدة البداية عن "قهر المرأة بين الميلاد والوفاة في التراث".

اقرأ أيضًا: آخر مقال للشهيدة شيماء الصباغ : قهر المرأه بين الميلاد والموت .. مقتطفات تراثية

بذلت شيماء نشاطا كثيرا في عملها البحثي في التراث الشعبي حيث سافرت للعديد من المحافظات وتكلفت مصروفاتها وعنائها حيث قامت بتصوير فوتوغرافي لعدة موالد من بينهم (مولد سيدي علواني بالمنوفية) و (مولد المرسى أبو العباس بالإسكندرية) و (مولد سيدي محمد المدني بسيوه). وكان أبرز من شاركوها من الشباب الباحثين في هذه الأعمال "علي داوود" زميلها في دراسة الفلكلور.كما عملت في توثيق التراث المعماري السكندري كباحثة ميدانية ومصورة فوتوغرافية حيث احترفت أيضا التصوير وذلك في إطار مشروع (مكنز الفولكلور) وهو مشروع مشترك بين القرية الذكية ومكتبة الإسكندرية في الفترة من 2007 إلي 2011 وسافرت بين القاهرة والإسكندرية لأسباب العمل طوال تلك الفترة.

كذلك بادرت هي ومجموعة من أصدقائها الباحثين في جمع تراث قري وادي النيل فعملت في مبادرة "قطار التراث" وكانت تركب قطار القرى "القشاش" وتتحرك معه وتزور القرى التي يمر بها لتجمع وتوثق عادات وقيم الجماعات الشعبية في تلك القرى. كما قامت بدراسة تراث "العديد علي الميت " وكانت تقول انه اندثر بسبب دخول الوهابية وانتشارها في مصر بينما كانت تري أن العديد علي الميت هو مجرد "أغاني شعبية" في رثاء الأحباء المفارقين وقد قامت بالتدريب أكثر من مره علي الطرق الشعبية في تأدية "العديد علي الميت ".

دربت شيماء مجموعة من الفنانين الشباب في ورشة عرائس "ماريونيت" وحكي ارتجالي شعبي لأحد الفرق المستقلة، كما شاركت في مؤتمر مع اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم التابعة لليونسكو حيث عملت في ورشة تدريبية حول إعداد الملفات الخاصة بترشيح عناصر التراث الثقافي غير المادي -الذي يُخشي عليه من الاندثار- على قوائم اليونسكو عام 2012. وختمت أعمالها التراثية بالمشاركة في المهرجان الفرنسي "مئة يوم تراث " حيث حاضرت في ندوة ضمن برنامج المهرجان في الإسكندرية عن الفلكلور الشعبي, ودربت مجموعة من الأطفال علي تأدية عرض السبوع المصري في المهرجان ذاته.

كان لشيماء حلم كبير وهو تجميع التراث الشعبي لوادي النيل كله بما يشمل 9 دول افريقية حيث يربط ثقافات هذه الشعوب ببعضها وحلمت بوحدة تلك الشعوب في كل شيء، وكانت نموذج للمصرية التي تعرف انتمائنا للقارة الأفريقية وأهميته, فكانت تحلم بأن تصل الشمال بالجنوب.

قالت شيماء "أن الثورة عمل فني يؤديه كل شعب علي حسب ثقافته الشعبية, فالإسكندرانية مثلا يهتفون هتافات مرحة وجريئة مثل الهتاف الخاص بشيماء "سكسك سكسك بالليمون ومبارك طلع مجنون – قطعوا النت والتليفون الشعب جاب في مبارك جون" حيث تميزت مشاركة شيماء في ثورة يناير بالحس الفني والدعابة والفكاهة فقدمت خلال اعتصام الثورة في 25  يناير و حتى خلع مبارك العديد من العروض الفنية "مسرح الشارع" سياسي الطابع هي وأصدقائها من الفنانين, كما كانت تهتف بالأغاني الثورية والحرة دائما في المظاهرات خلال أعوام الثورة. وتميزت كتابات شيماء الثورية والسياسية علي مواقع التواصل الاجتماعي دائما بطابعها الأدبي سواء النثري أو الشعري أو الفكاهي الشعبي وقد جمعت معظمها بديوان الشعر الخاص بها.

فجمعت شيماء بين الفنانة والسياسية في الوقت نفسه وهي من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين كل ذلك في الوسط الفني والسياسي حيث مارست الفنون بأشكالها المختلفة كجزء من عملها التحرري والتثقيفي للناس. فقد بدأت حياتها الفنية كشاعرة وتبناها أدبيا الأديب النوبي العالمي  "حجاج أدول" الذي كان يلقبها "كديسا" أي قطة باللغة النوبية وكتب رواية بهذا الاسم أهداها إلي شيماء بعد استشهادها، وكتبت شيماء شعر العامية وتعلمت فنون الشعر علي يد الشاعر الكبير " مصطفي الجارحي ".

Video of شعر شيماء الصباغ قتيلة 24 يناير 2015

كان شعر شيماء يحكي يومياتها ويوميات الناس ومشاهداتها التي تراقب حالة القمع التي يعيشها المجتمع  وترنو إلى الحرية حيث كتبت ديوانها "علي ضهر التذكرة " في أعوام عدة وكانت كل قصيدة علي حسب حجم التذكرة التي ركبت بها " ترام – مترو- قطار" والذي خرج للنور بالجهود الذاتية وبتجميع الملاليم في العام 2007 ثم قام بتجميعه مرة أخري - وإضافة القصائد الأخيرة لها وكتاباتها النثرية والشعرية علي صفحتها علي فيس بوك - عدد من أصدقائها وأبرزهم " بيسان عدوان وأحمد إبراهيم وسمية أحمد وعلاء كمال وهاني رياض وأشرف ماضي ووفاء الحويط وشريف شلندة وسيد أبوالعلا" وقد طُبع للمرة الثانية في الأول من مارس  2015 بعد استشهادها ووزع منه آلاف النسخ من خلال دار " ابن رشد".

كما شاركت شيماء كممثلة عن الفنانين المصرين في مؤتمر نظمته وزارة الثقافة في العام 2012 بعنوان "الفن والثورة " شارك فيه فنانون من دول الربيع العربي وقدمت ورقة نشرت في كتاب صدر عن المؤتمر. وشاركت مع "طه عبد المنعم " في مؤتمر 100 ألف شاعر حول العالم حيث ألقت قصيدة "الشنطة"، كما لحن لها الفنان محمد حسني أغنية " بقسماط – دوب حزنك جوة الشاي" ونشر لها عدد من القصائد بعدة صحف مثل " أخبار الأدب ، جريدة التجمع، جريدة الأهالي ، مجلة أدب ونقد ".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل