المحتوى الرئيسى

عام على التغيير في السعودية تحت حكم الملك سلمان - BBC Arabic

01/23 01:12

حربان في اليمن وسوريا، وتدافع مميت في موسم الحج، وإعدامات جماعية، وتفجيرات في مساجد، وانخفاض أسعار النفط - مع كل هذه الأحداث، لم يكن العام الأول لحكم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز هادئا على الإطلاق. إذن كيف كان أداء الملك حتى الآن؟ وما هي التحديات التي يواجهها بلده حاليا؟

حينما توفي الملك عبد الله قبل عام وخلفه أخوه غير الشقيق سلمان بن عبد العزيز، توقع كثيرون عدم حدوث تغيير يذكر في سياسة المملكة.

كان سلمان يقترب من سن الثمانين من العمر وقضى 48 عاما في منصب حاكم الرياض والذي أشرف من خلاله على التحول من مدينة صحراوية بسيطة إلى عاصمة مليئة بالأبنية الزجاجية المتطورة كما هو حالها اليوم.

وساد اعتقاد بأن سلمان، الذي يعرف بأنه شخصية محافظة، لن يُقبل على الأرجح على "إحداث تغيير قوي"، لكن هذا التقييم تبيّن أنه خالف الصواب.

في صدمة للنظام القديم، عين الملك الجديد سلمان سريعا ابنه المفضل الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع ووليا لولي العهد، وهو في سن 29 عاما.

ورغم أن السن الصغير للأمير سلمان يجعل القيادة أكثر تناغما مع قطاع الشباب في المملكة، الذي يمثل الأغلبية (70 في المئة من المواطنين أقل من 30 عاما)، فإن قلة خبرته أثارت بالتأكيد تساؤلات عن مؤهلاته لمثل هذا المنصب المهم.

حينما التقيت بالأمير محمد بن سلمان في جدة عام 2013، لم يكن يعرف كثير من السعوديين الذين التقيتهم شيئا عنه.

أما اليوم، فنادرا ما يخلو خبر من ذكر الأمير الشاب بعد أن أصبح الموجه للسياسة الخارجية الجديدة للقيادة السعودية التي تتميز بالصرامة (والبعض قد يصفها بالعدائية)، بالإضافة إلى أنه أصبح يمسك بزمام الملف الاقتصادي أيضا.

أثار الصعود السريع للأمير محمد بن سلمان إلى السلطة حالة من القلق في أوساط أجنحة معينة من العائلة المالكة السعودية الكبيرة، وهو ما أثار تكهنات في وسائل إعلام غربية بشأن احتمال حدوث انقلاب داخل عائلة آل سعود.

وقال روبرت ليسي المؤرخ البريطاني الذي ألف عددا من الكتب عن عائلة آل سعود ونالت كتاباته إشادة كبيرة "الناس تنتقد حامل الرسالة. لكن إذا نظرت إلى النهج الحازم والصارم الذي يمارسه الأمير محمد بن سلمان في اليمن وسوريا أو سعر النفط أو في أسعار الطاقة المحلية - هذه كلها خيارات سياسية يقف ورائها سلمان تماما. وهي قرارات لرجل كبير في السن تطبق من خلال شاب يتسم بالغلظة".

بعد مرور شهرين من تولي سلمان الحكم، قادت السعودية تحالفا من عشر دول لخوض حرب في اليمن أثارت جدلا كبيرا، ولا تزال مستمرة حتى الآن.

وكان هذا بمثابة انفصال كبير عن السياسة الخارجية للسعودية التي ظلت حتى هذه اللحظة سياسة محافظة وغير صدامية، لكنها عكست نهجا جديدا يتسم بالصرامة في أعلى هرم السلطة.

في أعقاب الربيع العربي وتنامي نفوذ إيران في معظم أنحاء العالم العربي، شعرت السعودية بشكل متزايد بأنها مهددة ومحاصرة.

ولاعتقادها أن سيطرة حركة الحوثيين المتمردة على نصف مساحة اليمن هو بالفعل مخطط إيراني لإقامة دولة تابعة لها على الحدود الجنوبية للسعودية، شن السعوديون حربا خاطفة من الغارات الجوية على أمل إقناع الحوثيين بالعودة لطاولة التفاوض.

حينما التقيت بكبير المتحدثين باسم الجيش السعودي في أبريل/ نيسان الماضي، كان على ثقة من هزيمة الحوثيين قريبا واستعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية للسلطة. لكن وبعد مرور عشرة أشهر، لم يحدث أي من هذين الأمرين، إذ أن السعوديين وحلفاءهم الإماراتيين غارقين في مستنقع حرب راكدة ليس فيها منتصر واضح.

لا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء ومعظم أجزاء الشمال، بينما يدير الإماراتيون شؤون عدن، واستفاد جهاديون، بينهم القاعدة، من حالة الفوضى لتعزيز سيطرتهم على معظم مناطق شرق البلاد.

من جهة أخرى، قتل نحو ستة آلاف شخص، نصفهم تقريبا من المدنيين، وذلك في حرب تكلف الخزانة السعودية مليارات الريالات.

وبدون تحقيق انتصار واضح على الحوثيين، فإن حرب اليمن قد تصبح عبئا على كل من الملك سلمان ونجله وزير الدفاع الشاب.

منذ بداية الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد عام 2011، أكدت السعودية دعمها الواضح للمتمردين، وورغبتها في رحيل الأسد.

ينتمي الأسد للطائفة العلوية الشيعية، لكن الأهم هو أنه حليف لإيران، المنافس اللدود للسعودية، ولذا أنفق السعوديون ملايين الدولارات في دعم الفصائل المتمردة العديدة في سوريا دون وجود نتائج ملموسة لذلك.

ويقول المعارضون للسياسة السعودية إن أموال وأسلحة السعودية سقطت في نهاية المطاف في أيدي جهاديين متشددين بينهم القاعدة وما يُعرف بتنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن السعوديين ينفون ذلك.

استضافت السعودية في ديسمبر/ كانون الأول مؤتمرا ناجحا إلى حد كبير في مسعى لإقناع العديد من فصائل المعارضة السياسية في سوريا والمتمردين بالاتفاق على موقف تفاوضي واضح لمحادثات السلام السورية التي قد تؤدي إلى تنصيب إدارة انتقالية تحل محل الأسد في الأشهر القادمة.

لكن دخول روسيا مؤخرا في الحرب السورية غير ميزان القوى ضد المعارضة المسلحة، وهو ما يثير التساؤل إذا كان الأسد وداعموه الروس والإيرانيون سيكونون على استعداد للموافقة على رحيله من السلطة.

وكجزء من سياسة سلمان الخارجية الجديدة التي تتسم بالصرامة، أعلنت الرياض أنها قد تفكر في إرسال قواتها الخاصة إلى داخل الساحة السورية، وهو ما سيكون تطورا استثنائيا إذا حدث بالفعل.

وبينما اكتسب الإماراتيون خبرات قتالية كبيرة في حملات حربية في كوسوفو وأفغانستان، فإن الجيش السعودي نادرا ما انخرط في مغامرات عسكرية خارج الحدود، وأداؤه في حرب الخليج عام 1991 وفي اليمن عام 2009 وخلال التسعة أشهر الماضية، كان متباينا بلا شك.

لكن المؤرخ ليسي دافع عن السياسة الخارجية للعاهل السعودي، قائلا "على مدى سنوات، يطالب الغرب السعودية بإظهار مزيد من القيادة في محيطها الإقليمي".

"الآن وقد فعل سلمان هذا تماما، فإن كلا من منتقديه وأعدائه على حد السواء يعربون عن شكوكهم. لكن وكما تساءل وزير الخارجية السعودي مؤخرا، من الطرف الآخر الذي سيكون مستعدا لتولي القيادة (في المنطقة)؟"

تنخرط السعودية وإيران في صراع استراتيجي من أجل السلطة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وتراجعت العلاقات بينهما إلى مستوى منخفض جديد في ظل حكم الملك سلمان.

تدعم كلا الدولتين أطرافا متصارعة في سوريا واليمن، وتعتقد السعودية أن إيران تؤجج الاضطرابات في أوساط الأقلية الشيعية بالمملكة، الموجودة في المنطقة الشرقية، وكذلك في جارتها البحرين.

وبالمقابل، تتهم إيران السعودية ونهجها الوهابي الرسمي في المساعدة في دعم تنظيم "الدولة الإسلامية" وأيديولوجيته المتعصبة المتشددة.

وبعد الإعلان عن مقتل 2177 سحقا تحت الأقدام في تدافع خلال موسم الحج في مكة في سبتمبر/ أيلول الماضي، قالت إيران إن أكثر من 400 من مواطنيها كانوا بين الضحايا واتهمت السعودية بسوء الإدارة الشديد.

ونشر أنصار إيران شائعات (تبين أنها غير صحيحة) تفيد بأن التدافع كان بسبب موكب من الأمراء السعوديين.

نفذت السعودية بعد ذلك إعدامات جماعية في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، بينها إعدام رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.

أثار إعدام النمر، الذي اتهم "بالخروج على ولي الأمر"، دعوات لانتقام الهي من المتشددين في إيران. كما ارتكب حشد عمليات سلب ونهب في السفارة السعودية في طهران، وهو الأمر الذي يرى معلقون أنه لم يكن ليحدث دون إشارة من السلطات الإيرانية.

وعلى الفور، قطعت السعودية جميع العلاقات السياسية والتجارية مع إيران وحظرت السفر إلى الجمهورية الإسلامية. وخفض العديد من حلفاء السعودية العرب أيضا من مستوى علاقاتهم مع طهران دعما لموقف الرياض.

وفي مقال بصحيفة "غلف نيوز" ومقرها دبي، قال عبد الخالق عبد الله رئيس المجلس العربي للعلوم الاجتماعية "لا يمكن لأحد أن يرد صاعا بصاع على المتشددين في إيران أفضل من فريق متشدد في الرياض، وفي نهاية المطاف فإن هدف النهج السعودي الصارم الجديد هو كبح التدخلات الإيرانية المستمرة في الشؤون العربية".

وأعرب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مجددا هذا الأسبوع عن مخاوفه من أن إيران وبعد إبرامها الاتفاق النووي مع الدول الكبرى ستوجه معظم الأموال المجمدة التي أفرج عنها مؤخرا والتي تقدر بمليارات الدولارات إلى تمويل للميليشيات التي تعمل لصالحها بالوكالة في الشرق الأوسط.

وتسمح الميزانية الأحدث التي أقرتها إيران بزيادة إضافية مقدارها 15 في المئة لتمويل أنشطة الحرس الثوري الذي يضم فيلق القدس المسؤول عن العمليات خارج البلاد.

وهناك مخاوف بين دول الخليج العربي من أن الأموال المطلوبة بشدة لإنعاش الاقتصاد الإيراني المتعثر جراء العقوبات الدولية ستصل في نهاية المطاف إلى جماعة حزب الله الشيعية في لبنان والحوثيين في اليمن وميليشيات شيعية في العراق.

حتى أصدقاء السعودية يعتقدون أنها تلعب بالنار في ما يتعلق بالإبقاء على معدلات إنتاج عالية من النفط في ظل انخفاض الأسعار.

والسعوديون محظوظون حتى الآن لكونهم قادرين على استخراج النفط بأسعار زهيدة للغاية، ولذا فإن السعودية واحدة من دول قليلة جدا لا تزال تحقق أرباحا معقولة حينما تنخفض أسعار النفط لأقل من 30 دولارا للبرميل، لكن هذا الأمر لا يمكن أن ينطبق على إيران وروسيا وشركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.

وتشمل الاستراتيجية السعودية الاستمرار في ضخ النفط لزيادة حصة السوق وإضعاف منافسيها، بل وحتى إخراجهم من السوق تماما.

لكن الانخفاض التاريخي في الأسعار يؤثر بشدة على الاقتصاد العالمي وعلى الميزانية الحكومية السعودية التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط والغاز.

وبدأت بالفعل الحرب عالية التكلفة في اليمن وانخفاض أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى 30 دولارا فقط في استنزاف خزينة الدولة السعودية بأكثر من 100 مليار دولار.

ورد الأمير محمد بن سلمان على هذا الأمر هو فتح الاقتصاد واقتراح بيع أصول حكومية مثل حصة في شركة ارامكو النفطية العملاقة المملوكة للدولة.

ورغم أن خبراء الاقتصاد رحبوا بأي خطوة من شأنها تحرير الاقتصاد، فإن العائلة الملكية السعودية تعلم أن هذا سيكون إجراءا مؤقتا فقط.

المشكلة الأهم التي يواجهها السعوديون هي أنه في الوقت الذي يتدفق المواطنون، وأغلبيتهم الساحقة من الشباب، على سوق العمل، فإنه لا توجد وظائف كافية متاحة لهم.

وإذا لم يعد بإمكان الدولة تحمل دفع إعانات ضخمة لتخفيف الضغط على المواطنين، فإنه حتما سيأتي اليوم الذي سيطالب فيه السكان بمزيد من الحرية السياسية ووجود حكومة تخضع للمحاسبة وميزانية شفافة.

وبعد مرور عشر سنوات تقريبا على نجاح السعودية فعليا في دحر تمرد تنظيم القاعدة داخل حدودها، وهو إنجاز يعزا إلى ولي العهد الحالي محمد بن نايف، فقد عاد الإرهاب الجهادي يطل برأسه مرة أخرى.

شهد العام الماضي سلسلة من التفجيرات المروعة التي استهدفت مساجد، وتبناها جميعها تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي تعهد بالإطاحة بالعائلة الملكية السعودية وأعلن عن "ولاية" تابعة له في السعودية.

في بادئ الأمر، استهدف التنظيم المتشدد الشيعة، وذلك في محاولة لإثارة رد فعل طائفي، وهو الأمر الذي سعى أيضا إلى تحقيقه في العراق.

لكن قوات الأمن السعودية استُهدفت أيضا في مناطق جنوب غربي البلاد النائية، وأعلنت السلطات بشكل متكرر عن اعتقالات جماعية لأنصار تنظيم الدولة بتهمة الإرهاب.

ولسوء الطالع فإن السلطات السعودية، التي لم تكن تسمح مطلقا بالانتقاد، اعتادت على الخلط بين الإرهاب والدعوات السلمية من أجل الإصلاح، وحبست مدونين ونشطاء في حقوق الإنسان بالإضافة إلى جهاديين يتبنون نهجا عنيفا.

وتقول منظمات حقوق الإنسان الدولية، التي انتقدت سجل السعودية في ظل حكم الملك السابق، إنه يجري تطبيق قوانين قمعية لاعتقال المعارضين وأن عدد الإعدامات في العام الماضي فاق عدد من أُعدموا منذ عام 1995.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل