المحتوى الرئيسى

«الوطن» ترصد انتشار «النيبولايزر» بزيادة 15٪.. وتحذيرات من تأثيره السلبى على صحة الأطفال

01/21 11:14

«ضيق فى التنفس» يحل الليل فتبدأ المأساة التى لا تفرّق بين رضيع أو عجوز أو شاب، الكل من مرضى الصدر يحارب لالتقاط أنفاسه والبقاء على قيد الحياة، تزدحم عيادات الأطباء بطالبى العلاج، وتعج أقسام الاستقبال بفاقدى القدرة على التنفس، لا سيما الأطفال منهم. حجوزات بالجملة للمرضى الذين يسارعون بين العيادات والمستشفيات فى طريق ينتهى بهم إلى «النيبولايزر».. جهاز الاستنشاق الذى يحل أزمة ضيق التنفس، لكن سرعان ما تظهر أزمات أخرى عديدة مع مرور الوقت أبعد من كل ذلك.

كوارث على هامش «جهاز البخار» فى موسم «أمراض الصدر»: سبوبة.. وجلطات.. وتضخم بالقلب

قوائم انتظار طويلة فى قاعات العيادات والمستشفيات، حالات يسعل معظمها ويمسك أصحابها بصدورهم الموجوعة فى انتظار دور يأتى بصعوبة، ليصف فريق من الأطباء فى النهاية «جلسة بخار» يحاول البعض الحصول عليها فى المستشفيات، فيما ينصحهم فريق آخر بطريق الحل السحرى السريع المختصر عبر «النيبولايزر» ليجروا جلسات البخار بأنفسهم فى المنازل، ظاهرة أخذت فى الانتشار حتى ارتفعت نسب مبيعات «الجهاز المعجزة» لأعلى معدلاتها فى موسم الشتاء الحالى، بل تحول إلى جهاز مكمل فى العديد من المنازل مع مضاعفة عيادات كثيرة من جلساته باعتباره العلاج الأمثل، بالرغم من تحذيرات أطباء وصفوه بـ«الكارثة المحققة» مؤكدين أنه لا يجب اللجوء إليه إلا فى الحالات القصوى، فيما تظل حيرة المرضى أنفسهم مستمرة، وصمت الجهات المسئولة قائماً.

أولياء أمور يضطرون للجوء إليه، «تغريد» إحدى هؤلاء، أم لطفلة عمرها لا يتعدى الأربعة شهور، تروى تجربتها: «بنتى تعبت وجالها برد، الدكتور وصف لها جلسات بخار فجبنا الجهاز فى البيت، عشان كنا بننزل بالليل، قلنا الجهاز هيوفر علينا فى الحركة خاصة فى الجو السيئ»، أصبحت الأم، التى لا تزال فى العشرينات من عمرها، تجرى لصغيرتها جلسات البخار بالمنزل، حتى اعتادت على الأمر بواسطة الجهاز الذى يبلغ سعره 300 جنيه، ويتفاوت بضعة جنيهات من منطقة لأخرى ومكان لآخر، الأمر نفسه حدث مع «عزيزة الخولى»، والدة الطفلة «سما»، ذات الخمس سنوات ونصف السنة، عرفت «النيبولايزر» منذ وقت قصير مع التغير الشديد فى الأحوال الجوية، بدأ الأمر بأزمة فى أكتوبر الماضى، حصلت وقتها الطفلة على الأدوية اللازمة، لكن حين تكررت الأزمة بصورة أعنف وصف الطبيب الجهاز ذاته، تقول: «جلسة البخار فى أقل مستشفى بـ30 جنيه، وغالباً الأزمة بتيجى بالليل وبتحتاج أكتر من جلسة، وبيبقى صعب أنزل بالبنت فى الوقت دا، والجهاز سعره 300 جنيه تقريباً، وأقل من كدا فى بعض محلات الأجهزة الطبية، الدكتور قالنا ما دامت مريضة حساسية صدر يبقى لازم تشتريه لأن ده هو اللى هيريحها، وكل الناس بتستخدمه وليس له آثار جانبية تؤثر بالسلب».

وجهة نظر تعارضها كلياً الدكتورة نهى أبوالوفا، استشارى طب الأطفال بقصر العينى، وزميل الجمعية المصرية لطب الأطفال والمبتسرين، مؤكدة أن استخدام «النيبولايزر» يجب ألا يكون إلا فى أضيق الحدود وللحالات التى تصل إلى مرحلة متأخرة جداً، لكن فى مصر يتم استخدامه بطريقة خاطئة ولأسباب وأهداف أخرى: «لا يمكن أن نعطيه للطفل حتى لو كان لديه حساسية صدر بمجرد أن يتعب، صحيح أن وظيفته المساعدة على التقاط الأنفاس ومواده أكثر أماناً من البخاخات للأطفال، لكن ما يحدث من الانتشار الواسع فى استخدام هذا الجهاز بهذه الصورة مهزلة، ونحن نرى مهازل كل يوم، أطفال رضع توصف لهم جلسات البخار بالتليفون، أطباء كثيرون لا يسألون عن تاريخ العائلة مع مشاكل الصدر، هل هناك خال أو عم تعرض لحساسية الصدر، جلسات البخار لا يجب استخدامها للأطفال أقل من عام، إلا بإشراف طبيب وبدقة شديدة جداً، أما ما نراه من وصفات على الهواء والهاتف والإيميلات تصل بالطفل إلى حالات متأخرة تأتينا فى النهاية، وهذا الجهاز استخدامه بهذه الصورة العشوائية أمر لا يجب السكوت عليه»، تؤكد د.نهى أبوالوفا أن «هناك فرطاً غير مبرر وغير مفهوم فى استخدام الجهاز، أو حتى جلسات البخار البديلة».

أستاذ بطب «الأزهر»: أطباء يتربحون من ورائه.. وأقول لهم «اتقوا الله.. واعتزلوا الطب»

التوجس نفسه، والتحذيرات نفسها، موقف يعبر عنه الدكتور طه عبدالحميد عوض، أستاذ أمراض الباطنة والصدر والحساسية بكلية الطب بجامعة الأزهر، مشيراً إلى أنه بالفعل رصد تزايداً كبيراً فى عدد حالات الإصابة بالإنفلونزا ومشاكل الصدر خلال هذا الشتاء، يقول: «الفيروس شرس وأقوى من كل سنة، ونتيجة لشراسته بدأنا نرى ممارسات غير منطقية معه، فى مقدمتها جلسات البخار التى توصف باستمرار بداعٍ ودون داعٍ، حتى دخلنا مرحلة الخطر»، يرى أستاذ الطب أن من ضمن مخاطر «النيبولايزر» أنه أصبح إحدى وسائل نقل العدوى مؤخراً، فيوضح: «نصف الجلسات عبر هذا الجهاز للمرضى المصابين بالأزمات الربوية، لكن ما أراه أن أى مشاكل فى التنفس أصبحت تعالج بالنيبولايزر، رغم مخاطره، وفى مقدمتها زيادة ضربات القلب، وإمكانية تسببه فى جلطة إذا ما استخدمه أشخاص فى أعمار كبيرة لديهم مشاكل فى القلب، من المفترض أنه للحالات القصوى والخطيرة داخل المستشفيات فقط، لا أتخيل وجوده داخل البيوت واستخدامه بهذه الكثرة الغريبة لتحقيق أهداف ربحية فقط وعلى حساب صحة المواطنين»، يدلل أستاذ أمراض الصدر على رأيه بمزيد من الإيضاح الطبى، فيقول: «جرعات البخاخة بها 200 ميكروجرام فى البخة الواحدة الموسعة للشعب الهوائية، أما السنتيمتر من الفاركولين فى النيبولايزر فيحتوى على 5 آلاف ميكروجرام، فارق ضخم يتسبب فى مضاعفات سيئة جداً، أقلها ضربات القلب السريعة التى تتطور إلى تضخم بالقلب عقب عدد مرات معين من الاستخدام، خاصة مع الأطفال الذين يستخدمونه لثلاثة أو أربعة شهور متتالية».

يصف الدكتور طه عبدالحميد سرعة وصف «النيبولايزر» وحث المواطنين عليه بـ«الاستسهال» مع فرض حسن النية بحسبه، قائلاً: «الجهاز والجلسات تعالج الأعراض وليس المرض نفسه، لو أن الدكتور لديه علم، وهو بكل تأكيد من المفترض أن يكون لديه هذا العلم، لن يصفه وسوف يعمل على علاج السبب الأساسى للمشكلة، بدلاً من إدخال مرضاه فى دائرة جهنمية وتوريطهم فى مصيبة سوداء مع الجهاز الذى لا يعقم وهذه هى المصيبة الأكبر، خاصة داخل مستشفيات الصدر التى تستقبل كافة المرضى، فنرى مريض درن ومن خلفه مريض نزلة شعبية، ينتقل الميكروب من مريض لآخر ومع الضغط على المستشفيات تختفى فكرة التعقيم ويلجأ البعض إلى غسل الماسكات بالصابون بينما كثير من الميكروبات ومنها ميكروب الدرن لا يموت إلا مع درجة الغليان»، تفسير آخر للظاهرة، يشير إليه أستاذ أمراض الصدر، فى حاجة لإجراءات حكومية للتحقيق فيه والرقابة عليه: «هناك حالة تربح من الجهاز، الجلسة تصل لأكثر من خمسين جنيهاً فى المرة الواحدة، وأصبحت هناك عيادات متخصصة فى هذه الجلسات ووصف هذا الجهاز لكل المرضى، بل وترفع اسم الجهاز على عنوانها كنوع من الدعاية ومحاولة التربح، أقول لهؤلاء: اتقوا الله أو اعتزلوا الطب، وكفى تربحاً».

نسب مبيعات الجهاز ارتفعت بصورة غير مسبوقة هذه المرة، صابر جمعة، مدير إحدى شركات الأجهزة الطبية، أكد ارتفاع نسبة مبيعات جهاز «النيبولايزر» خلال فصل الشتاء الحالى بنسبة تجاوزت 15%، موضحاً: «نسبة التوزيع ارتفعت عن أى موسم شتاء سابق، وأسعاره تتراوح بين 200 جنيه للصينى و600 لليابانى، كثيرون أصبحوا يسألون عنه بالاسم، باعتباره جهازاً أساسياً فى البيت»، إلا أن الانتشار الواسع للجهاز أحدث مشكلات لا حصر لها أو «بلاوى كتير» بحسب وصف المهندس محمد عبدالفتاح، المتخصص فى صيانة الأجهزة الطبية، الذى انتقد العديد من المشاهد التى يراها داخل بعض المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات: «دكاترة عاوزة تشغل عياداتها على نظام الجلسات بعشرة وبـ15 جنيه، الأمر تحول لبيزنس رخيص وغالى حسب المنطقة وحسب نوعية المريض، هو جهاز واحد كله بيستعمله، المصيبة كلها فى الوصلات اللى بتشيل العدوى وتنقلها من شخص لشخص». تنشط أعمال «عبدالفتاح» خلال موسم الشتاء حيث يتزايد الطلب عليه، لكنه ومع ذلك يؤكد: «مش كل الناس بتفهم فى الجهاز، أحياناً بيبقى عامل صوت وشكله شغال لكن الفلتر الداخلى واقف أو مسدود، كتير ما يعرفوش يعنى إيه صيانة واللى بيدى الجلسات ممرضات، أغلبهم مايفهموش يعنى إيه فلتر اتسد أو اتخرم، أو إيه خطورة ده»، ينصح فنى صيانة الأجهزة الطبية بعدم الاستخدام المنزلى للجهاز، أو اللجوء إليه باعتباره وسيلة بديلة وآمنة: «ممكن تحصل من وراه مصائب كتيرة، واللى يخضع لجلسة فى مستوصف رخيص أو عيادة، من الأفضل أنه يشترى وصلة جديدة وماسك، العمر الافتراضى للجهاز 6 أشهر لكنه بيستمر لأكتر من كده وبيحدث أضرار بالغة»، يشرف الرجل على لجنة الفحص الفنى للأجهزة الطبية بمستشفى التأمين الصحى بمصر الجديدة يؤكد: «ناس كتير بتجيب الأجهزة دى كتبرعات بنرفضها فوراً، لأنها غالباً بتكون أنواع رديئة ماينفعش أقبلها وبعدين أوقف استخدامها بعد شهرين أو ثلاثة، بقول للى عاوزين يتبرعوا اشتروا جهازين ضغط أو كرسى لمريض، إنما النيبولايزر بلاش».

محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة الأجهزة الطبية، أكد ارتفاع نسب استهلاك الجهاز: «مش هو لوحده اللى زاد، لسه امبارح براجع القيم الموجودة من 2008 لدلوقتى اكتشفت إن المرض بيزيد بمعدل من 15 لـ20% فى السنة الواحدة كان عندنا سنة 2008 مليون حالة كانسر وفى 2000 طلعوا 150 ألف والنهارده اتنين مليون حالة، وهكذا بالنسبة لكل الأمراض التانية ماشيين فى نفس السكة الغلط أعداد المصابين فى الطالع ومعاها كل المستلزمات الطبية من أجهزة وأدوات العيانين بقوا كتير أوى»، يحاول الرجل أن يعثر على إجابة: «مش عارف العيب من الدكاترة ولا من زيادة حجم الأمراض ولا من الشركات المنتجة من الأساس، بس الأكيد إن عندنا فوضى طبية كبيرة نعانى منها، والأجهزة الطبية بالكامل مستوردة إلا نوعيات قليلة جداً صناعة مصرية وتواجه صعوبات كثيرة متعلقة بالتصاريح والأوراق».

على جانب آخر، يعمل بعض الأطباء فى الترويج للجهاز برغم التحذيرات والمخاطر التى يرصدها كبار المتخصصين، وفى ظل غياب من الجهات الرسمية المنوط بها الفصل فى الأمر، «كفاية كحة» عنوان لهاشتاج انطلق عبر مواقع التواصل قبل شهرين، دشنه الطبيب أحمد الخطيب بمعاونة ثلاثة أطباء آخرين هم هانى عصام، وأحمد السعيد، وإيهاب الإمام، يقول الأخير: «يا ريت الناس تتعلم استخدام الجهاز، مواده سهلة جداً، محلول ملح 3 سم، واتروفنت أو فاركولين موسع شُعب، جرعة الفاركولين نقطة لكل كيلو جرام، أى طفل عنده كحة، أو صدره قافل، ومش قادر ممكن نعمل جلسة أو اتنين أو تلاتة فرق نص ساعة بين كل جلسة والتانية عشان نلحقه»، يدافع عن الجهاز من وجهة نظر طبية بحسبه، رافضاً الاتهامات الموجهة إليه: «الاستنشاق هو الحل الأسلم لأنه مش هيعدى على الكبد والمعدة وهيجيب نتائج مباشرة».

استشارى «طب أطفال»: استخدامه يجب أن يكون للحالات المتأخرة جداً.. و«المستلزمات الطبية»: نعانى من فوضى

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل