المحتوى الرئيسى

عمرو حمزاوي يكتب: كتالوج جمهوريات الخوف

01/21 10:42

بعيدا عن التفاصيل، لا تختلف الخطوط العريضة لجمهورية الخوف المصرية عن جمهوريات الخوف الأخرى.

في 2015، أعلنت هيئة الأخبار المركزية في كوريا الشمالية عن نجاح فريق من العلماء تحت إشراف الرئيس كيم جونج أون في تطوير دواء جديد يقضي على الإيدز والايبولا ومختلف أنواع السرطان.. دواء واحد سحري اسمه كامدانج-2. دواء واحد سحري تم اختباره في إفريقيا، فثبت نجاحه الباهر في شفاء المرضى من الإيدز. ولأن الأمراض كثيرة بين الإفريقيين المساكين، تمكن كامدانج-2 من تخليصهم أيضا من تشكيلة إضافية ضمت الايبولا والسرطان وغيرهما.

ولأن اختراع “الكفتة” الكوري الشمالي لم يبهر العالم بما يكفي ولم يدفع “فلاسفة ومفكرين لو حبيتم” للاعتراف بالقدرات الخارقة للرئيس كيم جونج أون، أظهر لهم الرجل بداية وجهه الحقيقي، ففجر قنبلة هيدروجينية منذ أيام ثم عاد لمحاولة الإبهار باختراع بديع عرف عنه العالم في 19 يناير الجاري، نوع جديد من الخمور نسبة الكحول به تصل إلى 40 % ومع ذلك لا يشعر بعده الشاربون بآثار ما بعد الشراب (هانج اوفر دون فذلكة).. ليس هذا وحسب، فالمشروب الجديد وفقا للصحيفة بيونج يانج تايمز يقضي أيضا على الدهون المتراكمة في الأجساد المترهلة ويقدم للشاربين ما يعادل الوجبة الغذائية المتكاملة بتشكيلة غير مسبوقة من الفيتامينات والمقويات. هو، إذن، المشروب المفضل للرئيس البدين وستنهال على “مخترعيه” حتما الميداليات والمكافآت.

وبين الدواء السحري لشفاء جميع الأمراض والقنبلة الهيدروجينية والخمر المغذي، تخبرنا وكالات الأمم المتحدة المتخصصة أن خطر المجاعة يواجه كوريا الشمالية بسبب الجفاف وسوء إدارة الاقتصاد الزراعي، وتقدر ومعها منظمات غير حكومية أن 70% من السكان البالغ عددهم الإجمالي 18 مليون نسمة يعانون من غياب الأمن الغذائي.. تتوالى الإعلانات الرسمية عن اختراعات وهمية وقنابل للإبادة في بلاد حصدت بها مجاعة سابقة حدثت في منتصف التسعينيات، أرواحا بين مئات الآلاف وتتهددها مجاعة قادمة.

أثناء الحكم العسكري في الأرجنتين بين 1976 و1983، ارتكبت الأجهزة الأمنية جرائم مروعة ضد الإنسانية وتورطت في ممارسات قمعية غير مسبوقة، بين القتل خارج القانون والاختفاء القسري والتعذيب من جهة وبين تصفية جسدية للمعارضين وسلب حريتهم بقوانين ديكتاتورية وبإجراءات تقاضي صورية، بلغ عدد ضحايا أكثر من 30 ألف قتيل وآلاف السجناء وأعداد كبيرة من الفنانين والمفكرين والأكاديميين والصحفيين الذين طرقوا أبواب المنافي.

لم يكن ضحايا الحكم العسكري في الأرجنتين فقط من سياسيي الحركات اليسارية ولا من المشاركين في الاحتجاجات المنددة بإدارة الجنرالات، بل جاء العدد الأكبر من الضحايا من دوائر أخرى؛ طلاب جامعات رفضوا الظلم، شباب طالبوا بوقف الانتهاكات، مجموعات من الصحفيين الذين رفضوا تأييد القتل، بعض الأكاديميين من شرائح عمرية مختلفة ممن نادوا بإنهاء العنف والبحث عن مخارج سلمية من حكم عسكري فاشل، نساء ورجال دين دافعوا بتعاليم المسيح عن الحق في الحياة. وقبل هؤلاء جميعا، حوت قوائم الضحايا أسر ضحايا انتهاكات الاختفاء القسري والتعذيب وسلب الحرية.. أمهات بحثن عن أولادهم المختفين فتم اقتيادهن إلى السجون، أباء تحدثوا علنا عن مصابهم في أبنائهم، ففصلوا من أعمالهم واقتيدوا أيضا إلى السجون، وأشقاء وأقارب تعرضوا للتهميش وللإقصاء.

أما المدنيون الذين قبلوا التعاون مع الحكم العسكري، فوظف الجنرالات تهافتهم على منافع وعطايا الحكم واستعدادهم الدائم لإيجاد مبررات للسياسات الرسمية على نحو مزدوج؛ من جهة لكي يصلوا بعموم الناس إلى التسليم بعجز المدنيين عن إدارة شئون البلاد، أو حل أزماتها الاقتصادية والمعيشية والاعتراف باحتياج البلاد للمؤسسة العسكرية وللأجهزة الأمنية، ومن جهة أخرى لكي يكون للحكم العسكري نخبة مدنية تستطيع أن تجول بين العواصم الغربية وتشارك في المحافل الدولية دون تحفظات.

ولأن جرائم الجنرالات وانتهاكاتهم الواسعة لحقوق الإنسان صنعت بيئة مجتمعية خائفة، أعفت أغلبية الشعب الأرجنتيني نفسها من مسؤولية إيقاف الجنون صمتا وعزوفا وابتعادا عن الشأن العام، وتواطأت نخب المستفيدين من الحكم العسكري بالترويج لوطنية متطرفة وشوفينية، وللحروب التي فرض على “الشعب الأرجنتيني العظيم” أن يخوضها في مواجهة المؤامرات والمتآمرين (لم تكن حروب الجيل الرابع أو الحرب على الإرهاب آنذاك، بل كانت الحرب العالمية الثالثة ضد الشيوعية)، ولضرورة التضامن مع “الدولة” التي اختزلت في الحكام وتأييدها دون معارضة.

وكالعادة، تواطأت القوى الغربية أيضا، مدفوعة بحسابات  المصالح وبمعاييرها المزدوجة “الديمقراطية لنا، أما أنتم فلا نراكم تستحقونها بعد” وطلبا لوهم الاستقرار الذي يقايض به كل من ينتهك حقوق الإنسان.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل