المحتوى الرئيسى

«الحياة على دفعات» لزهرة مروّة.. نبض تحت الثياب

01/21 01:57

في حمى الاصدارات الشعرية الشبابية التي حفل بها «معرض بيروت الدولي الـ 59 للكتاب»، مجموعة شعرية متميزة للشاعرة اللبنانية زهرة مروة عن «دار الروسم» (بغداد)، بعنوان «الحياة على دفعات»، هي الثالثة بعد مجموعتين سابقتين: «جنة جاهزة» (2012) و «الإقامة في التمهيد» (2011). قراءة الكتاب تعيد إلى مربع الأسئلة الأولى حول الشعر، وتعريفه وأشكاله المتنوّعة، في زمن لم يعد حصر موضوع الشعر فيه ممكناً في زاوية القضايا القومية أو الوطنية والوجدانية، أو التأكيد ـ كما يفعل كثيرون ـ بأن الشعر هو في كلّ مكان، في أغنية جميلة، أو منظر طبيعي خلاب، أو جملة بليغة محكمة التركيب، أو حتى في إعلان دعائي.

يستولي عليك كتاب زهرة مروة بمتعة البساطة، بحيث لا تحسّ بأي خدش من صعوبة اللغة: سهولة التراكيب مربكة من قبيل «كي لا تعذبني ذكرياتي/ أحصرها في رقعة معينة/ أخشى قساوة الهواء/ وحقد الناس وغباراً يغلف أفكارهم/ أرفع أعلاماً بيضاً طوال النهار/ وإذا خطرت فكرة سوداء أباغتها من الجهة الرمادية». يُمكن للشعر إذاً أن يوجد حين يحرف الخطاب العادي والمستهلك. يسكن الشعر في الانقطاع، والتمزق، والأشكال الهشة، أو في الجهة الرمادية التي تشير إليها القصيدة بوضوح. يتّخذ الشعر من لغة اليومي وسيلته لإعادة الجسد إلى الكلمات، في لغة بسيطة أقرب إلى الدهشة الطفولية (ليس لديّ غير الطفولة أواجه بها/ أربح لأني بسيطة بينما الآخرون مكبلون وحائرون/ يسعفني الطفل الذي فيّ/ في غيابه تائهة أنا في العتم». أو: «في الليل أستحضر وجوهاً لشخصيات كرتونية/ أتحصّن بعالم خيالي ضاحك/ في النهار أصادق فتيات في الثامنة عشرة، أحلامهن ما زالت عذراء/ لم تصطدم بالزجاج». إلى القدرة على المباغتة في تركيبة أو صورة غريبة ـ «بوحدتي الصافية العدسة/ أشرف على العالم»، أو «الليل ما عاد يخيفني/ هناك كتب مسائية/ أقرأ فيها مدى تواطئي مع الكون».

تمتلك اللغة الشعرية قدرة شبيهة بإيقاظ النائم في وسط كلمة، كما يقول مندلشتام، لنكتشف أننا على الطريق، في تعبير جميل لتعريف الشعر، لا تبتعد مروة عن التقاطه حين تقول: «سوف أغادر/ أنزل من القافلة في منتصف الطريق/ أرتمي على درب مضاء/ تعوّدت أن أجلس على المقعد نفسه/ لا أعي أكان مناسبًا لأحلامي أم لا/ سأصوِّب نظري إلى أول رقعة خضراء/ وأطرح نفسي عليها/ وليعتقد الركاب أني أهذي وأخاطر/ سوف أبتعد». يصير الشعر تلك الحركة بالذهاب نحو النص، وليس داخل النص ذاته، بحيث تتيح النصوص الخافتة الصوت مثل «وشوشة الكون اكتمال لأنوثتي/ شامات على كتفي»، فرصة لهذه الحركة أكثر مما تفعله النصوص المحكمة التركيب بمثاليتها الجامدة. خفة الحركة والدهشة المرتفعة سمتان أساسيتان لنص زهرة مروة، وأفق الصفحة والكلمات لا يعرفان السكون: «الحياة أحلام ملونة، تتفرع مني مسارات/ يتضاعف إسمي في حضورك».

يترك الخط الشعري حقل الكينونة الصعب، كي يخلق مساره الخاص وسط أشكال الجمال العادية التي تملأ ببراءة حقل إدراكنا وفهمنا: «يدك كي تنحل الشبابيك/ يدك كي أعمر بيوتاً/ كي أحبّ». وعلى الرغم من اختلاف الزمن والتجربة بين مروة والشاعرة الروسية مارينا تسفيتايفا بقصيدتها الشهيرة «أشعاري التي نظمتها باكراً، حين لم أكن أدرك أني شاعرة، هي أشعاري التي اندفعت/ كالرذاذ من نوافير الماء/ كالشرارات من المشاعل/ سيأتي زمنها حتماً». تتشابه التجربتان بسهولة التراكيب، وتسييل المعاني في قالب الدهشة الذي حافظت مروة عليه في مجموعاتها الثلاث.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل